ملف إيران النووي بات أرقًا كبيرًا لإدارة "البيت الأبيض"، التي تحاول بشتى الطرق الوصول إلى اتفاق نووي جديد أو العودة إلى اتفاق 2015.
ويعمل الموفد الأمريكي، المكلف بملف المفاوضات النووية، روبرت مالي، على إيجاد صيغة لإنعاش الاتفاق من جديد، لكن دون جدوى.
"مالي"، الذي حذر من أن فرص فشل الاتفاق النووي مع إيران بات كبيرة مقارنة بفرص نجاحه، يعتقد أن الوصول إلى اتفاق جديد سيكون في صالح الولايات المتحدة، ويعلن أيضا أن المشرعين في أمريكا غاضبون ولا يودون العودة إلى أي اتفاق، ما لم تتخلَّ إيران عن البرنامج النووي نهائيا.
وهنا لا بد من الإشارة إلى أن المشرعين كانوا قد هددوا إدارة "بايدن" في وقت سابق من أي اتفاق مع إيران دون العودة إليهم.
ورغم أن "مالي" يقول إنه لن يتراجع، فأنه يمكن أن يتوقف عن الضغط تجاه إحياء اتفاق، لأن المطالب الإيرانية برفع "الحرس الثوري" من قائمة الإرهاب تمثل خطورة على الأمن القومي الأمريكي، وكذلك خطورة على حلفاء واشنطن.
المشرّعون الأمريكيون واضحون في الأهداف القادمة في ما يخص هذا الملف، وأعتقد من خلال تواصلي مع شخصيات في مراكز أبحاث بواشنطن، أن الأمر سيعود في النهاية إليهم، أقصد مجلس الشيوخ، الذي يدرك جيدا معنى التنازل لإيران برفع "الحرس الثوري" من قوائم الإرهاب، ويدرك جيدا نية إدارة "بايدن" الذهاب إلى إحياء اتفاق 2015، وهنا يعلم مشرّعو الكونجرس أن التصويت على أي اتفاق داخل المجلس سيكون بالرفض، لأن غالبية المشرعين يرون أن النظام الإيراني الحالي برمته يشكل خطرًا على المصالح الأمريكية في المنطقة.
ولا بد لي أن أذكر أن الصحافية "كارين دي يونغ" قد أعدت تقريرًا نشرته صحيفة "واشنطن بوست" تحت عنوان "مبعوث بايدن يفتح ملف اتفاق إيران النووي مع تلاشي احتمالات إنقاذه"، قالت فيه: "مبعوث إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن للمحادثات التي استمرت لمدة عام حول إحياء الاتفاق النووي مع إيران لم يكن متفائلاً بشكل خاص بشأن نجاح المفاوضات، مصرًّا على أن الدبلوماسية المستمرة تظل الخيار الأفضل للأمن القومي الأمريكي".
وأخبر روبرت مالي لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ بأن "الخيار العسكري لا يمكن أن يحل هذه المشكلة ويمنع إيران من تطوير سلاح نووي".
وقال "مالي": "لا يوجد رد عسكري. إن المفاوضات كانت تقتصر دائمًا على برنامج إيران النووي، على أمل أن يؤدي الاتفاق إلى مزيد من المناقشات حول أنشطة إيران الأخرى -بما في ذلك الإرهاب، ودعم القوات التي تعمل بالوكالة في المنطقة، وتطوير الصواريخ الباليستية".
وقال للمشرعين إن الأمر "يتلخص في هذا: هل من الأفضل لنا إحياء الاتفاق النووي، وبالتوازي مع ذلك، استخدام جميع الأدوات الأخرى المتاحة لنا -الدبلوماسية والاقتصادية وخلاف ذلك- للتصدي لسياسات إيران المزعزعة للاستقرار؟ أم أن الأفضل لنا التخلص من الاتفاق والاعتماد على سياسة الضغط وحدها لحمل إيران على قبول مزيد من القيود النووية المرهقة وكبح ممارساتها العدوانية؟".
كما يبدو لي أن روبرت مالي من خلال تصريحاته يحاول كسب مزيد من الوقت للوصول إلى اتفاق، وتصريحه بأن نسبة "فشل المفاوضات مرتفعة"، مجرد رسالة تهدئة للمشرعين، فقد أضاف خلال جلسة استماع له في لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ: "الولايات المتحدة مستعدة لمواصلة فرض عقوبات على طهران والرد بقوة على أي تصعيد إيراني، والعمل بالتنسيق مع إسرائيل وشركائنا الإقليميين"، كرسالة تهدئة لحلفاء "البيت الأبيض" في المنطقة، وهذا الأمر في أحسن الأحوال لم يقتنع به الحلفاء ولا المشرعون.
ودون أدنى شك، فإن الملف النووي الإيراني سيتصدر قائمة المفاوضات في جولة الرئيس الأمريكي جو بايدن في المنطقة، وبالأخص مع إسرائيل ودول الخليج العربي، وأعتقد أن هذا الحلف له موقف رافض واضح من الملف النووي الإيراني، وممارسات إيران بشكل عام في المنطقة.
وفي متابعة للصحافة الأمريكية حول هذا الشأن، فقد أعد جوزيف كلارك تقريرا نشرته صحيفة "واشنطن تايمز" بعنوان "سياسة بايدن المتعثرة تجاه إيران تواجه انتقادات شديدة من المشرعين على جانبي الممر"، أشار في مستهله إلى أن الرئيس "بايدن" واجه انتقاداتٍ حادةً من داخل حزبه، بسبب سياسته تجاه إيران، حيث ضغط عضو ديمقراطي بارز في مجلس الشيوخ على الإدارة لمواجهة "الحقيقة الواضحة بشكل متزايد"، بأن محاولتها لاستعادة الاتفاق النووي مع طهران "لا تصب في مصلحة الولايات المتحدة".
ويلفت التقرير إلى أن السيناتور روبرت مينينديز، الديمقراطي من ولاية نيو جيرسي، ورئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، شجب سوء تقدير إدارة "بايدن" علانية لموقف إيران.
يُذكر أنه مع نضال "البيت الأبيض" خلال أشهر من المحادثات المتوقفة مع طهران، أقرّ كبير مفاوضي الإدارة في شهادته أمام لجنة العلاقات الخارجية بأن فرص استعادة الاتفاق النووي، الذي سحب الرئيس ترامب الولايات المتحدة منه بصورة أحادية عام 2018، أصبحت ضئيلة بشكل متزايد.
وقال "مالي" للمشرعين في تقييم لمحاولاته إعادة الحياة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة: "بينما أتحدث إليكم، ليس لدينا اتفاق، واحتمالات حدوث ذلك باتت ضعيفة في أحسن الأحوال".
لذلك لا بد من العودة إلى المشرعين، وهو موضوعنا، فإنهم يفهمون جيدا معنى الوصول إلى اتفاق مع إيران، وهو خسارة الولايات المتحدة قوتها الدبلوماسية وفقدان ثقة حلفائها، لذلك سيحاولون بشتى الطرق وقف إدارة "بايدن" عن الوصول إلى اتفاق بتخفيف العقوبات على إيران، وسيضغطون تجاه زيادتها.
وفي ذات الوقت، فإن إسرائيل لن تقف في وضع المتفرج، وستعمل على اتخاذ موقف جاد حيال إيران، وهنا سيجد "مالي" نفسه في وضع صعب.
لذلك يبدو أن العاصفة السياسية الكبيرة في الطريق وسط دعم "بايدن" وإدارته أي اتفاق ممكن مع إيران، لذلك يقول رواد الكابيتول هنا في واشنطن إن جولة "بايدن" في الشرق الأوسط تأتي لتهدئة غضب الحلفاء وتوضيح الأمور وتفسيرها، لكن لن يُجدي هذا نفعا، في ظل بقاء التهديد الإيراني ورغبة نظامها في تطوير برنامجها النووي، ويبدو أن جولة "بايدن" ستحصل فيها إيران على عقوبات جديدة، لأن "بايدن" لن ينجح في إقناع إسرائيل ودول الخليج بفكرة العودة إلى اتفاق نووي مع إيران.
ستكون هناك رسائل قاسية ستأتي من المشرعين في الكونجرس وكذلك من إسرائيل والخليج لإدارة "بايدن" ستجبرهم على رفض أي اتفاق دون العودة إليهم، وفي الغالب فإنه لن يكون هناك اتفاق في الأساس، لأن إيران لن تتخلى عن مطالبها الخطيرة ولا عن مشاريعها ضد أمريكا والمنطقة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة