رغم تراجع الوفيات عالمياً.. الشباب يدفعون الثمن

رغم التراجع العالمي بمعدلات الوفاة وارتفاع متوسط الأعمار، تكشف دراسة أن الشباب هم الفئة الأكثر تضررا صحيا ونفسيًا في العقد الأخير.
وتُظهر بيانات الدراسة، المنشورة في مجلة "ذا لانسيت"، والمقدمة في قمة الصحة العالمية ببرلين التي شملت 204 دولة ومنطقة، أن معدلات الوفيات المعدّلة حسب العمر انخفضت بنسبة 67% منذ عام 1950، وأن متوسط العمر العالمي ارتفع إلى 76.3 عامًا للنساء و71.5 عامًا للرجال، أي بزيادة تفوق 20 عامًا مقارنة بما كان عليه منتصف القرن الماضي.
لكن هذه المكاسب لا تشمل الجميع. فقد ارتفعت الوفيات بين الفئة العمرية 20–39 عامًا في أميركا الشمالية منذ عام 2011، نتيجة الانتحار وتعاطي المخدرات والكحول. كما سُجّل ارتفاع في وفيات الفئة من 5 إلى 19 عامًا في أوروبا الشرقية ومنطقة الكاريبي.
وفي المقابل، حققت منطقة شرق آسيا أكبر انخفاض في وفيات الأطفال دون الخامسة بنسبة 68% بفضل التحسينات في التغذية والتطعيم والرعاية الصحية. أما في إفريقيا جنوب الصحراء، فكشفت النماذج الحديثة أن وفيات الأطفال (5–14 عاما) أعلى مما كان يُعتقد سابقًا، بسبب الالتهابات الرئوية والسل وسوء التغذية والحوادث، كما تبيّن أن وفيات الشابات (15–29 عاما) في المنطقة أعلى بنسبة 61% من التقديرات السابقة، نتيجة وفيات الأمهات وإصابات الطرق والتهاب السحايا.
أمراض غير معدية تهيمن على العالم
تؤكد الدراسة أن العالم يمرّ بتحوّل صحي كبير، فبعد أن كانت الأمراض المعدية هي السبب الرئيس للوفيات لعقود، أصبحت الأمراض غير المعدية ، مثل أمراض القلب والسكتة الدماغية والسكري، مسؤولة عن نحو ثلثي الوفيات والإعاقات عالميا.
كما هبط ترتيب كوفيد-19 من المركز الأول في عام 2021 إلى المركز العشرين في 2023، بينما تصدرت القائمة أمراض القلب الإقفارية تليها السكتة الدماغية والانسداد الرئوي المزمن.
ورغم تراجع معدلات الوفاة الناتجة عن أمراض مثل الإسهال والسل وسرطان المعدة والحصبة، ارتفعت معدلات الوفاة المرتبطة بـ السكري، وألزهايمر، وأمراض الكلى المزمنة، وفيروس نقص المناعة البشرية (الإيدز).
عوامل الخطر... نصف الوفيات يمكن تجنبها
يشير التقرير إلى أن نصف الوفيات والإعاقات تقريبًا يمكن تجنبها عبر معالجة 88 عامل خطر قابلًا للتعديل، وتشمل أبرزها، ارتفاع ضغط الدم، تلوث الهواء بالجسيمات الدقيقة، التدخين، ارتفاع السكر في الدم، زيادة الوزن والسمنة، ارتفاع الكوليسترول، ضعف وظائف الكلى، فشل النمو لدى الأطفال، والتعرض للرصاص
ووفقًا للدراسة، زادت معدلات فقدان سنوات الحياة الصحية بسبب السمنة بنسبة 11%، وتعاطي المخدرات بنسبة 9%، وارتفاع السكر في الدم بنسبة 6% بين عامي 2010 و2023.
كما ربطت النماذج الحديثة بين التعرض للرصاص وأمراض القلب، رغم الجهود العالمية لإزالته من الوقود، مشيرة إلى أن الرصاص لا يزال موجودا في الدهانات القديمة، والتربة، والمياه، وبعض التوابل وأدوات الطهي.
المناخ والاضطرابات النفسية... أعباء متزايدة
تشير الدراسة أيضًا إلى أن المخاطر المناخية مثل تلوث الهواء والحرارة المرتفعة تُفاقم الوضع الصحي العالمي، خاصة في إفريقيا ومنطقة الساحل وشمال إفريقيا والشرق الأوسط، حيث تتضافر تأثيرات الجفاف ونقص الغذاء والنزوح.
كما ارتفعت معدلات الاضطرابات النفسية بشكل ملحوظ، إذ زادت حالات القلق بنسبة 63% والاكتئاب بنسبة 26%، وأُدرج العنف الأسري والاعتداء الجنسي بين أبرز العوامل المسببة لتلك الاضطرابات.
الشباب في دائرة الخطر
خلص التقرير إلى أن عبء الإصابات، خصوصا الناتجة عن الحوادث وتعاطي المخدرات ، يتركز لدى الفئة العمرية بين 10 و24 عامًا، حيث يسجل الذكور ضعف العبء الصحي مقارنة بالإناث.
وتحذر الدراسة من أن التركيز العالمي الطويل على خفض وفيات الأطفال لا يجب أن يُنسي صناع القرار ضرورة توسيع أولويات الصحة العامة لتشمل المراهقين والشباب، الذين يواجهون اليوم مزيجًا خطيرًا من الضغوط النفسية والإدمان والعنف والبطالة وتغير المناخ.
وقالت الدكتورة إيمانوئيلا جاكيدو، الباحثة المشاركة في الدراسة من معهد القياسات الصحية والتقييم: "بعد عقود من الجهود لتقليص الفجوة الصحية بين الدول، يهدد تقليص المساعدات الدولية بتقويض هذه المكاسب، خاصة في البلدان الفقيرة التي تعتمد على التمويل الخارجي لتوفير الرعاية والأدوية واللقاحات".
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMjE3IA== جزيرة ام اند امز