الانفصام السلوكي الذي أصبح يميز تعامل النظام القطري، مردّه بالأساس إلى التأثر بالخطاب والمنهج الإخواني.
تابعت عيون المشاهد بكثير من الاشمئزاز، مستوى الانحطاط الأخلاقي في تناول إحدى المحطات الإعلامية المعروفة بالدوحة، للوضع السياسي والحقوقي بالإمارات العربية المتحدة.
وإذا كنا "نُشفق" على الطريقة البائسة التي قُدم بها "التحقيق"، وافتقاره إلى أبسط مقومات البحث الاستقصائي والتحقيق المهني، من خلال اعتماده على روايات مشبوهة ومشكوك في حسن نية أصحابها، وكذا تكرار عبارات "قيل و"يُقال" و"سمعنا"، فإنه يخالجنا شعور إنساني بـ"الامتعاض" حين نسجل في "التحقيق"، الاعتماد على تقارير منسوبة لمراكز "حقوقية" تشتغل، رسميا، لحساب الإمارة ويمولها القطري عبد الرحمن بن عمير النعيمي رئيس منظمة الكرامة والذي أدرجه تقرير وزارة الخزانة الأمريكية، عام 2013، على لائحة داعمي الإرهاب.
ومن منطق "من يشهد للعروس؟"، قام "التحقيق" بسرد شهادات للمدعو أنس التكريتي مؤسس ورئيس "مؤسسة قرطبة"، والتي وصفها رئيس وزراء بريطانيا ديفيد كاميرون بأنها "واجهة للإخوان المسلمين" ببريطانيا، كما أن التكريتي يُعَد من أهم وجوه التنظيم الدولي للإخوان في أوروبا، ومهندس علاقات الجماعة بالحكومات الغربية، كما أنه ليس إلا نجل أسامة التكريتي، زعيم الحزب الإسلامي، والمراقب العام للإخوان المسلمين في العراق لـ6 سنوات.
الانفصام السلوكي الذي أصبح يميز تعامل النظام القطري، مردّه بالأساس إلى التأثر بالخطاب والمنهج الإخواني، خصوصا بعد وصول هذا التيار إلى "مرحلة التمكين" في قطر من خلال النجاح في الانتشار الجماهيري والاختراق المؤسساتي.
إن دراسة مراحل اتخاذ القرار السياسي عند أية دولة، يَفترض دراسة البيئة الاستراتيجية التي تتحكم في صناعة القرار من حيث تداخل البنيات الوظيفية والتكوينات الاجتماعية والطبقية، وكذا المحددات الاقتصادية والتاريخية، دون إغفال لطبيعة "الشخصية الأساسية" للمجتمع المعني مباشرة بالقرار السياسي والسيادي للدولة (بتعبير رالف لينتون).
على هذا المستوى من التحليل، يمكن القول إن النظام القطري جنح باختياراته وسياساته بعيدا عن انتظارات المواطن القطري واختياراته الموضوعية التي يفرضها انتماؤه للفضاء الحيوي الخليجي والأسرة العربية والإسلامية من خلال ارتمائه في أحضان مشروع إقليمي توسعي هيمني يهدف بالأساس إلى ضرب مقومات الوحدة الخليجية وشق الصف الداخلي لدول مجلس التعاون الخليجي.
إن السياسة التي ينتهجها النظام القطري، لا يمكن اعتبارها إفرازا لمنظومة القيم التي عُرفت عن الشعب القطري الشقيق، والذي جبلت شخصيته على الوفاء والكرم وعزة النفس، وقلوب تهفو دائما شوقا إلى الوحدة والإيخاء وصلة الأرحام.
إننا نعتبر أن الانفصام السلوكي، الذي أصبح يميز تعامل النظام القطري، مردّه بالأساس إلى التأثر بالخطاب والمنهج الإخواني، خصوصا بعد وصول هذا التيار إلى "مرحلة التمكين" في قطر من خلال النجاح في الانتشار الجماهيري والاختراق المؤسساتي. هذا الاختراق هو بالأساس بنية النظام القطري وأصبح يتحكم في أهم مفاصل الدولة وجميع الاختيارات السياسية للإمارة.
إن البحث بين تراب المخازن والرجوع إلى كتابات القيادات الإخوانية المعتمدة وعلى رأسها كتابات مؤسس الجماعة حسن البنا، يجعلنا نؤمن بأن "مبدأ" اللجوء إلى أساليب غير أخلاقية ومنحطة في التعامل مع الآخر، هو من صميم البناء الأيديولوجي لهذا التنظيم السرطاني الخطير.
ولعل أولى مظاهر الانحطاط الأخلاقي في التعامل مع "الآخر"، نجدها عند مؤسس الجماعة حسن البنا، والذي يبقى أول من أسس لقاعدة "الغاية تبرر الوسيلة" على مستوى الممارسة السياسية عند جماعة الإخوان، ولو كانت هذه الوسيلة تعتمد على السب والقذف والتشهير والتهديد.
يقول حسن البنا في مذكراته بمناسبة تناوله لأحد النقاشات التي جمعته مع أحد الإخوان الذي هدد بفضح مجموعة من الخروقات المالية التي تورط فيها المرشد: "إن الذي يؤلمني في الأمر شيء واحد فقط هو أنني بالأمس القريب كنت أقدمك للناس كما يقدم الابن والده في احترام وتوقير، وكنت أقدم هؤلاء الأبناء كخلاصات من الشباب المؤمن. وموقفكم سيضطرني مكرهاً إلى الطعن والنقيصة ورميكم بالأكاذيب والبهتان والخيانة والمروق والخروج على الحق وعلى الدعوة".
إن استعمال لغة ساقطة ومنحطة يدخل في إطار ما تُطلق عليه الجماعة "الضرورات التي تبيح المحظورات". وهنا نحيل القارئ على أحد القيادات الإخوانية والذي يدعى محمود عساف وهو من الرعيل الأول للإخوان، بل كان يشغل مهام أمين سر حسن البنا شخصيا. يقول محمود عساف في كتابه "أيام مع الإمام" ص 184: "فَكَّر الإمام حسن البنا فيما ينبغي فعله لمواجهة شتائم جرائد الوفد والرد على سفالتهم، وكانت الفكرة جديدة لم تخطر على بال أحد، وكلفني بتنفيذها. تلك الفكرة هي إصدار مجلة مستقلة تنبري في الرد على جرائد الوفد بالأسلوب ذاته، فاستدعاني الإمام إلى مكتبه وشرح لي الفكرة موضحا أنه لا سبيل للرد على سباب الوفد إلا بمثله وبأسلوب رادع بشرط ألا يمس تاريخ وأدب الإخوان".
من خلال ما سبق، يتبيّن لأي أحد يمكن أن يصله الإخوان في مواجهتهم لكل من يرفض طرحهم الأيديولوجي أو يحاول فضح أطروحاتهم التخريبية.
هذه هي طبيعة البنية السلوكية التي استعارها النظام القطري من جماعة الإخوان، وبواسطتها تحاول أذرعه الإعلامية التهجم والنيل من دولة الإمارات العربية المتحدة.
غير أن الإمارات تبقى شامخة بوحدة الصف التي تميزها ووحدة الخطاب ورفعة الأخلاق وسمو النفس وبالأيادي البيضاء التي أينما حلت وارتحلت إلا رسمت الابتسامة على الشفاة والرضى على الوجوه وأدخلت الفرحة إلى البيوت.
تِلكُم هي إمارات الخير التي ستظل شوكة في حلق كل من يتطلع إلى النيل منها والمساس بوحدتها الوطنية وتماسك نظامها السياسي، وسيظل لسان حالها يَلْهَجُ بالقول:
سَأعيشُ رَغْمَ الدَّاءِ والأَعْداءِكالنِّسْر فوقَ القِمَّة الشَّمَّاءِ
أَرْنو إِلَى الشَّمْسِ المضِيئّة هازِئًا بالسُّحْبِ، والأمطارِ، والأَنواءِ
وأقولُ للجَمْعِ الذينَ تجشَّموا هَدْمي وودُّوا لو يخرُّ بنائي
"إنَّ المعاوِلَ لا تهدُّ مَناكِبي والنَّارَ لا تَأتي عَلَى أعْضائي
«فارموا إلى النَّار الحشائشَ، والعبوا يا مَعْشَرَ الأَطفالِ تحتَ سَمائي
أبو القاسم الشابي في قصيدته: نشيد الجبار.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة