«طريق التنمية».. الشرق يجابه الأزمات اللوجستية والجيوسياسية بمشروع واعد
خبراء يؤكدون الحاجة الماسة للدور الإماراتي
عدّد مسئولون وخبراء أتراك وعراقيون مزايا "طريق التنمية" الاستراتيجي، مؤكدين أنه مشروع واعد للنقل يربط اقتصادات المنطقة بشكل أعمق مع دول آسيا الوسطى وأوروبا، وبمثابة "طوق نجاة" للقطاع اللوجستي في ظل الأزمات العالمية.
المشروع الواعد، بحسب وصف هؤلاء الخبراء في أحاديثهم المنفصلة لـ"العين الإخبارية"، سوف يخلق خيارات جديدة في طرق النقل الإقليمية والعالمية لمواجهة المخاطر الجيوسياسية المتزايدة في الشرق الأوسط.
الخبراء حرصوا على التأكيد في الوقت ذاته، على أن "طريق التنمية" لن يكون منافسا لقناة السويس المصرية، بل سيكون مشروعا مُكملا للقناة، دون أن يستبعدوا تنسيق الحكومة العراقية مع القاهرة في وقت لاحق للمشاركة في المشروع والاستثمارات المتعلقة به.
- وزير الطاقة الإماراتي يكشف لـ«العين الإخبارية» أهمية طريق التنمية
- طريق التنمية.. مشروع استراتيجي بين الإمارات والعراق وتركيا وقطر
وشهد العراق الثلاثاء الماضي، مولد المشروع الاستراتيجي، بتوقيع مذكرة تفاهم رباعية بين دولة الإمارات والعراق وتركيا وقطر، بحضور الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ورئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني.
مذكرة التفاهم وقعها عن دولة الإمارات سهيل بن محمد المزروعي وزير الطاقة والبنية التحتية، وعن الجانب العراقي رزاق محيبس وزير النقل، وعن دولة قطر جاسم بن سيف السليطي وزير المواصلات، وعن جمهورية تركيا عبد القادر أورال أوغلو وزير النقل والبنية التحتية.
و"طريق التنمية" هو مشروع واعد للنقل، يمتد على طريق بري وسكة حديد من العراق إلى تركيا وموانئها، ويهدف إلى نقل البضائع بين أوروبا ودول الخليج.
ارتباط اقتصادي
أستاذ الاقتصاد في الجامعة العراقية، عبد الرحمن المشهداني، أكد في حديث خاص لـ"العين الإخبارية"، أن مذكرة التفاهم الرباعية التي جرى التوقيع عليها (الثلاثاء) في بغداد، ستربط مصالح البلدان الـ4 عبر طريق التنمية، والارتباط الاقتصادي بين هذه البلدان هو الذي يمكن أن يحقق الاستقرار الأمني والسياسي بالبلاد.
وكان رئيس مجلس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، قد أكد أن "طريق التنمية سينقل المنطقة اقتصاديا"، فيما أشار إلى أن "طريق التنمية ليس لاختصار المسافات فقط، بل سيتحول إلى جسر رابط بين شعوب المنطقة وثقافاتها"، مؤكدا في الوقت نفسه، أن "طريق التنمية سيدعم الأمن والاستقرار بالمنطقة"، بحسب ما ذكرته وكالة الأنباء العراقية.
والمشروع عبارة عن خط سكك حديدية وطرق سريعة يبلغ طولها نحو 1200 كيلومتر، يبدأ مساره من ميناء الفاو في مدينة البصرة جنوبي العراق، ويمر بمدن الديوانية والنجف وكربلاء وبغداد والموصل في العراق، وبعدها يدخل الأراضي التركية من قرية أوواكوي التابعة لولاية شرناق جنوب شرق تركيا، حتى يصل إلى ميناء مرسين على البحر المتوسط، ومنه إلى أوروبا.
وميناء الفاو الذي يمثل نقطة انطلاق للمشروع، تعمل موانئ أبوظبي على تطويره، حيث وقعت مجموعة موانئ أبوظبي اتفاقية تمهيدية مع الشركة العامة لموانئ العراق، يتم بموجبها تأسيس مشروع مشترك لتطوير ميناء الفاو الكبير وأية توسعة مستقبلية له، إلى جانب المنطقة الاقتصادية المحاذية للميناء، وتهدف الاتفاقية التمهيدية إلى استكشاف فرص التعاون المحتملة في مجال الاستثمار والإدارة والتشغيل في الموانئ والمناطق الاقتصادية وغيرها من البنى التحتية في العراق.
حاجة ماسة لدور الإمارات
في هذا الصدد، أكد "المشهداني" على الدور الإماراتي الكبير في نجاح مشروع طريق التنمية، موضحا: الإمارات سوف تتولى إدارة ميناء الفاو، لما تمتلكه مجموعة موانئ أبوظبي من خبرة كبيرة في هذا الميدان، حيث إنها تدير عددا كبيرا من الموانئ على مستوى العالم، ونحن بحاجة حقيقية ماسة إلى خبرتها في هذا المجال".
ونوه المشهداني بأن "الكوادر العراقية تحتاج إلى تدريب وتأهيل حتى يمكن الوصول لهذا المستوى من الإدارة".
وإضافة إلى إدارة الميناء، فإن الإمارات يمكن أن تسهم باستثمارات كبيرة سواء بالمدن الصناعية، أو المشاريع الاستثمارية المتنوعة، وفقا لأستاذ الاقتصاد.
وأبرز أن تكلفة المشروع المبدئية والتي تتعلق بمد سكة الحديد والقطارات السريعة فضلا عن الطريق البري تناهز 17 مليار دولار، أما ملحقات المشروع مثل محطات الكهرباء والمدن الصناعية الملحقة بالمشروع ستتوزع على كل المحافظات التي سيمر بها الطريق والمجمعات السكنية التي تأوي العاملين، والخدمات التي ستقدم على الطريق وإقامة مناطق التجارة الحرة تحتاج إلى تكلفة استثمارية تزيد على 50 مليار دولار، وهذه المشاريع كلها ستطرح كاستثمارات.
تكامل وليس منافسة
وفي ملمح آخر، فلا ينافس مشروع "طريق التنمية" قناة السويس المصرية، وفقا لما جرى تداوله، وشدد المشهداني على أن "المشروع الجديد سيكون مكملا للقناة ولن ينافسها".
وأوضح في هذا الصدد، أن "بعض الصادرات من الحمولات لا يمكن لها أن تمر إلا عن طريق قناة السويس، ويصعب نقلها بطريق التنمية، فالنفط مثلا والبواخر العملاقة أيضا لا بد أن تمر عن طريق القناة، علاوة على زيادة حجم البضائع المنقولة عبر السفن والحاويات البحرية مقارنة بعربات السكة الحديد.
ولفت إلى أن "قناة السويس يمر من خلالها 12% من حجم التجارة العالمية، وفي عام 2022 كان حجم التجارة العالمية 34 تريليون دينار، والجزء الأكبر منها كان تجارة الصين مع أوروبا وأيضا تجارة أوروبا مع الهند، وباقي البلدان.
إزاء الحاجة للتكامل بين قناة السويس، وطريق التنمية الجديد، أكد المشهداني أنه من الضروري التنسيق بين الحكومة العراقية ومصر، وربما تشترك الأخيرة في مراحل بناء الطريق والمشاركة في الاستثمارات المرتبطة به.
مشروع استراتيجي
بدوره، قال الدكتور حميد الكفائي، الباحث العراقي في الشؤون السياسية والاقتصادية، في حديث خاص لـ"العين الإخبارية"، إن طريق التنمية هو مشروع لتسهيل نقل البضائع والخدمات من آسيا والخليج عبر العراق إلى تركيا ومن ثم لأوروبا.
ولتوفير البيئة اللازمة لنجاح مشروع "طريق التنمية"، رأى الباحث العراقي أن هناك حاجة ماسة لفرض الحكومة سيطرتها على جميع مؤسستها ولجم الجماعات المسلحة، من أجل نجاح المشروع.
ويقول الكفائي إن "التنمية الاقتصادية تحتاج إلى استقرار وأمن وحكومة قوية وبيئة قانونية راسخة كي يعرف المستثمرون حقوقهم وكي يحموا منافعهم ومصالحهم واستثماراتهم".
ووفقا لمركز كارينغي لأبحاث الشرق الأوسط، فإن مشروع "طريق التنمية" الاستراتيجي الذي صممته شركة (PEG Infrastructure) الإيطالية يمر بثلاث مراحل، الأولى تنتهي في عام 2028، والمرحلة الثانية تنتهي في عام 2033، أما الثالثة فتنتهي في عام 2050.
خيارات جديدة
لا تقتصر أهمية مشروع طريق التنمية على تركيا والعراق بل تشمل دول المنطقة لا سيما الخليجية، وفقا لما أكده الباحث في مركز "تحليل السياسات" من إسطنبول، محمود علوش.
هذا الأمر، عزاه "علوش" في حديث خاص لـ"العين الإخبارية" إلى أن "المشروع سيعزز التفاعلات الاقتصادية والتكامل الاقتصادي بين دول المنطقة، ويخلق كذلك خيارات أخرى في طرق النقل الإقليمية والعالمية للحد من المخاطر الجيوسياسية المتزايدة في الشرق الأوسط، ويربط اقتصادات دول المنطقة بشكل أعمق باقتصادات آسيا الوسطى وأوروبا.
وأبرز الباحث التركي أن مثل هذه المشاريع تساعد في تعزيز التنمية الاقتصادية في المنطقة، وهي تحولت اليوم إلى ركيزة أساسية في تشكيل العلاقات الإقليمية".
كما أكد أن "استقرار العراق هام لتركيا ومنطقة الخليج، وإشراكه في مشاريع التكامل الاقتصادي الإقليمي يساعد في تحويله من مشكلة لدول المنطقة إلى فرصة لدمجه من جديد في المنظومة الإقليمية وتقليص الهيمنة الإيرانية عليه".
وأضاف: "تتضافر جهود تركيا والخليج في مساعدة العراق على التعافي من آثار الأزمات والصراعات التي يعانيها منذ سقوط نظام صدام حسين، واستعادة دوره المؤثر من بوابة التنمية الاقتصادية".
طوق نجاة
ويقول رئيس الجمعية الدولية لمنتجي خدمات النقل والدعم اللوجستية التركية، بيلغه هان إنغين، إن مشروع "طريق التنمية" بمثابة طوق نجاة بالنسبة للقطاع اللوجستي نظرا إلى الأزمات المتعددة التي يعيشها العالم.
ونقلت وكالة الأناضول للأنباء التركية عن هان إنغين، قوله إن "المشروع يؤثر على منطقة واسعة بدء من أوروبا وصولا إلى دول الخليج، وينتج عنه منافع مشتركة".
وأكد أن الأحداث والاضطرابات الأخيرة التي حدثت حول العالم أثرت بشكل مباشر على وضع القطاع اللوجستي، موضحا: "جائحة كورونا والحرب الروسية الأوكرانية والحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، والتطورات الساخنة في الشرق الأوسط، دفعت إلى البحث عن بدائل وإيجاد حلول".
وأردف: "بالنظر إلى الأزمات التي يعيشها العالم، يمكن وصف مشروع طريق التنمية بأنه طوق نجاة للقطاع اللوجستي".
وشدد على أن "المشروع سيكون بداية خطوة مهمة نحو ضمان التنمية الإقليمية وتعزيز العلاقات التجارية والاجتماعية والثقافية".
aXA6IDE4LjIyMi45Mi41NiA= جزيرة ام اند امز