تنفس الجميع الصعداء في الكويت بعد صدور المراسيم الأميرية بالعفو عن عدد من النشطاء المتهمين بقضايا مختلفة وقد صدرت بحقهم أحكام.
بعضهم غادر البلاد قبل نفاذ الأحكام وبعضهم نفذ المحكومية.
بصدور المراسيم بدأ عدد من الكتّاب وأيضاً كثر الحديث في الدواوين، التي بدأت تعود إلى نشاطها، عن أن هناك مرحلة جديدة تبدأ في الكويت، مرحلة تضع قضايا الماضي في الماضي وتنظر إلى المستقبل.
إلا أن الاختلاف في وجهات النظر يظهر في المحاولة للإجابة عن سؤال مهم وكبير، وهو هل حقاً نحن ندخل مرحلة جديدة؟
خلفية استقالة الحكومة بسبب العديد من الاستجوابات التي قدمت إما لرئيسها أو بعض أعضائها تدل للمراقب على أن من الصعب الحديث عن "مرحلة جديدة" على الرغم من مشاعر المتفائلين، لأن باختصار "قوانين اللعبة" الديمقراطية -إن صح التعبير- لم تتغير، ودون تغير تلك "القوانين" فسيظل اللاعبون بمهارة أو نصف مهارة أو حتى بعدمها "يكررون أخطاءهم"!
قوانين اللعبة، التي تحتاج إلى تغيير، لها ثلاثة مستويات، بعضها صعب تغييره ويحتاج إلى قرار تاريخي من أجل أن يُغير، وبعضها متوسط السهولة، وثالثتها ربما سهلة نسبياً.
ولعل الفكرة الأولى في تغيير قواعد اللعبة هو عدد أعضاء مجلس الأمة "المجلس المنتخب"، فمنذ أكثر من ستين عاماً والعدد كما هو خمسون عضواً، في الوقت الذي نما فيه المجتمع الكويتي أضعافاً مضاعفة، فيُقدر من حق له التصويت لأعضاء مجلس الأمة اليوم بأقل من 3 في المائة من حجم مَن لهم حق التصويت في العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين، فكيف يمكن أن تقارن هذه الكتلة الكبيرة من المصوّتين بالأعضاء محدودي الرقم "خمسون فقط"؟
تلك واحدة، وربما الأهم في "تغيير قواعد اللعبة"، إلا أنها غير مطروحة بجدية، ولا هي ممكنة في ظل الظروف الحالية، أما القاعدة الثانية وهي الممكنة نسبياً، فهي قانون الانتخاب، والممكن تعديله إن قرر متخذ القرار في المكانين التشريعي والتنفيذي الذهاب إليه لإصلاح الخلل.
القانون الحالي يقسم الكويت إلى خمس مناطق انتخابية، تنتخب عشرة نواب لكل منطقة والناخب له صوت واحد!
هذا القانون خلط الأوراق وأصبح من المستحل تكوين تجمع سياسي وازن يمكن أن يتماسك ويتناغم في كل الظروف لتحقيق مصالح الناس، ودون النظر بجدية لتغير قانون الانتخاب، فإن الأمور سوف تبقى على حالها كما كانت، وهي في الغالب إعلاء المصالح الفردية على المصالح العامة، وإن أخرجت تلك المصالح في العلن على أنها مصالح عامة تحقق الخير للجميع!
لذلك، نشهد التجمع النيابي لقضية ما سرعان ما ينفرط..
أما القاعدة الثالثة، والتي تحتاج إلى نظر جاد، فهي كامنة في اللائحة المنظمة لعمل المجلس، وخاصة تلك المادة التي تسمح لعضو واحد فقط أن يقدم استجواباً "سؤالاً مغلظاً" لأي وزير أو حتى رئيس الوزراء.
تلك القضايا الثلاث الرئيسية في "قوانين اللعبة" التي تحتاج إلى تغيير، لعل وعسى أن ينتظم العمل البرلماني الكويتي وينتقل من تحقيق "الخير الخاص" -إن صح التعبير- إلى "الخير العام"، والذي يتوق إليه المجتمع، أو على وجه التحديد تتمناه "الأغلبية الصامتة".
في غياب مؤسسات تعمل على معرفة وتدقيق "توجهات الرأي العام" على أقرب ما يكون من الدقة، فإنه من شبه المستحيل التعرف على توجهات الرأي العام في الكويت، ولا أعرف سبباً مقنعاً لعدم وجود مثل هذه المؤسسات، وربما الجمهور العام قد لا "يستسيغ" لأسباب ثقافية الاستجابة إلى مثل تلك المؤسسات، ولكنها قد تعطينا تصوراً أقرب إلى الصورة الحقيقية، وإن تخللتها الاحتمالات.
دخول وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة بكثافة على صناعة المحتوى الخبري "وربما فبركته" من أشخاص أو جماعات ذات مصالح جعلت من قراءة توجهات الرأي العام في الكويت صعبة.. إلا أن الملموس أن هناك عزوفاً أو نكوصاً من كثيرين من مخرجات العمل السياسي الكويتي بشكل عام، وينتاب هؤلاء شعور بالامتعاض من الأخبار التي توزع "حقاً أو باطلاً" حول "تراكم ثروات" بعض أعضاء المجلس، وكان الموضوع برمته هو "السر المفضوح".
وقد تجاهلت المجالس المختلفة تلك الحقيقة أو أهمية وجود لجنة لها "أسنان" تسمى لجنة "النزاهة النيابية"، أو أي تسمية أخرى، كما في المجالس المنتخبة في العالم، هذه الفكرة على أهميتها لم ترَ النور بشكلها الصحيح في الممارسة الديمقراطية الكويتية، وفي غياب تلك الشفافية تتكاثر الأقوال "محقة أو كارهة أو متنمرة" عن ثروات ضخمة، أساسها في الغالب "المال العام"، ما يزيد احتقان الشارع السياسي.
الأشهر القليلة الأخيرة، منذ انتخابات 2020، مرّت الكويت بمرحلة سياسية صعبة، تعطل معها أداء المؤسسة التنفيذية، وبالتالي مصالح الناس، بسبب موقف أغلبية نسبية في المجلس الجديد، وكان الأمر معلقاً على عدد من القضايا تمحورت أخيراً فيما يسمى "العفو"، الذي نوهنا عنه في صدر المقال، إلا أن بعض النواب ما زال له أجندات لم تنتهِ، مما يؤذن بالدخول في أزمات جديدة تعطل من جديد المصالح العامة للمجتمع ككل، في وقت ليس سهلاً، لا من الناحية الصحية، ولا من الناحية الاقتصادية، ولا من الناحية الإدارية، والأخيرة يرى كثيرون أنها تخلفت عن جيرانها في الخليج.
بجانب الملف الأهم، وهو المتغيرات في الجوار، فهناك عدم استقرار في الشمال "العراق" وحرب في اليمن واضطراب في سوريا وقلق كبير في لبنان، كل ذلك المحيط يؤثر على الوضع الداخلي الكويتي ويجعله أكثر حساسية، فعدد من الكويتيين مختلفون على "الملفات الخارجية تلك" أكثر مما هم مختلفون على الملفات الداخلية، لذلك تتداخل القضايا وتجد لها متنفساً في الساحة التواصلية إلى حد الخصومة.
الكويت كأي مجتمع حيوي آخر يتغير مع الزمن، ودون الاعتراف بذلك التغير ووضع الإدارة العامة على سكة الكفاءة وليس الشخصانية التي قد تكون في القديم هي الميزان، تفوت فرص مهمة في فضاءات التطوير.
كما أن قاعدة "الاسترضاء" الحكومي لأشخاص داخل المؤسسة التشريعية أو خارجها تزيد من تعقيد العمل الإداري، فالحرب على الفساد لا تعني متابعة من تتضخم حساباتهم في البنوك، لأن مفهوم الفساد هو "استخدام سلطة لتحقيق مصلحة"، وما دام بعض النواب يطاردون الوزراء لتعيين محاسيبهم، ذلك بجانب كونه فساداً، يسد الطريق على المؤهلين من الكفاءات ويزيد رفضهم لواقعهم الذي لا يبدو أن له حلولاً ناجعة، فيقوم البعص بالمزايدة على تلك الشكوك لحصد كثير من الأصوات، سواء كانت قبلية أو طافية أو مصلحية أو تنظيمية!
آخر الكلام:
إن لم يكن هناك مشروع نهضوي واضح المعالم ومعروف تفاصيله للعامة يتسلل إلى الجمهور نوع من الوهن يستغله أصحاب المشاريع السياسية الخاصة.
نقلا عن الشرق الأوسط
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة