تركز تقارير لوكالة "رويترز" على ارتفاع أسعار النفط واحتمالات تدخل الإدارة الأمريكية بإطلاق النفط من الاحتياطي الاستراتيجي لخفض السعر.
و"الاحتياطي الاستراتيجي" يتميز عن "الاحتياطي التجاري" من النفط الخام بأنه احتياطي تم تمويله بأموال الحكومة الأمريكية، لذا فهي تستطيع التصرف فيه. هذا على الرغم من أن هذا الاحتياطي تم الموافقة على تكوينه من قبل الولايات المتحدة وحلفائها بعد فرض الحظر النفطي العربي في عام 1973. ليس من بين الشروط المبدئية لتكوين هذا الاحتياطي استخدامه في التأثير على الأسعار، بل فقط استخدامه في الحالات الطارئة، مثل حدوث ظواهر جوية كالأعاصير تؤثر على إنتاج النفط، أو في حالة حدوث انقطاع في الإمدادات النفطية من الدول المنتجة لأي أسباب طارئة غير اعتيادية.
وفي سبيل التمهيد لاستخدام الاحتياطي الاستراتيجي للتأثير على الأسعار، ذكرت وزيرة الطاقة الأمريكية يوم الاثنين الماضي أن الرئيس الأمريكي، جو بايدن، قد يتخذ في وقت قريب قرارا بشأن التعامل مع الارتفاع الكبير في أسعار البنزين.
وقالت في حديث مع محطة "إم إس إن بي سي"، أوردت وكالة رويترز مقتطفاتٍ منه: "من المؤكد أن الرئيس ينظر في الخيارات ضمن المدى المحدود من الأدوات المتاحة له للتعامل مع ارتفاع سعر البنزين، لأننا نتعامل في سوق عالمية"، وأضافت: "نأمل أن يكون هناك إعلان خلال هذا الأسبوع أو في وقت قريب".
وكان الرئيس "بايدن" قد ذكر يوم السبت الماضي أن الولايات المتحدة لديها أدوات للاستجابة لأسعار النفط المرتفعة.
وبينما تم حديثا تمرير قانون البنية التحتية في الولايات المتحدة، الذي يتضمن طيفا واسعا من الجهود تهدف إلى التحرك بعيدا عن النفط وباقي أنواع الوقود الأحفوري في المدى الطويل، قالت وزيرة الطاقة الأمريكية إن "بايدن" لا يريد أن يرى المواطنين يعانون في الوقت الراهن من أسعار البنزين، أو أسعار زيت التدفئة المنزلية وغيرها من الأمور، لذا فهو يطالب بزيادة في العرض حاليا.
وبوسع الرئيس "بايدن" أن يأمر ببيع جزء من احتياطي النفط الاستراتيجي في الولايات المتحدة المحتفظ به في كهوف على سواحل تكساس ولويزيانا.
ومع ذلك، يبدو حتى الآن أن الرئيس "بايدن" متردد في الإقدام على استخدام الاحتياطي الاستراتيجي.
وبينما كان حديث وزيرة الطاقة يمهد ربما لقرار من الرئيس الأمريكي، أتت أحداث يوم الثلاثاء الماضي بارتفاع أسعار النفط إلى أعلى مستوى له في أسبوعين، لتضيف المزيد من التمهُّل في اتخاذ قرار باستخدام هذا الاحتياطي.
وجرى هذا الارتفاع بعد أن أزالت الولايات المتحدة القيود عن حركة السفر، ووجود مؤشرات أخرى على أن الانتعاش الاقتصادي ما بعد الجائحة قد عمل على تحفيز الطلب، بينما ظل العرض مقيّدا.
وقد ارتفعت أسعار خام برنت بمقدار 1.35 دولار أو 1.6% لتستقر عند 84.78 دولار للبرميل، بينما ارتفع الخام الأمريكي غرب تكساس الوسيط بمقدار 2.22 دولار أو 2.7%، ليستقر عند 84.15.
وتعد هذه أعلى أسعار إغلاق لكل من الخامين منذ 26 أكتوبر الماضي.
وللمفارقة فقد جاء ارتفاع الأسعار بعد أن أعلنت إدارة معلومات الطاقة الأمريكية "EIA" في تقريرها حول آفاق الطاقة في المدى القصير يوم الثلاثاء الماضي أن أسعار التجزئة للبنزين سوف تشهد انخفاضا خلال الأسابيع المقبلة.
وأعلنت إدارة الرئيس "بايدن" أنها سوف تستخدم توقعات الأسعار الموجودة بتقرير إدارة المعلومات لتحديد ما إذا كانت ستطلق النفط من الاحتياطيات الاستراتيجية للبلاد.
وعلّق المحللون على تقرير إدارة معلومات الطاقة قائلين إنه لو كان التقرير قد أشار إلى ارتفاع ضخم في أسعار البنزين المتوقعة، لكان من المحتمل أن تقوم إدارة الرئيس "بايدن" بإطلاق كثير من النفط من الاحتياطيات الاستراتيجية بسرعة للعمل على هبوط الأسعار.
ويرى البعض الآخر أن تقرير إدارة معلومات الطاقة يعطي عمليا غطاءً وافرا للرئيس الأمريكي بألا يفعل شيئا.
وقد أشار تقرير المدى القصير لإدارة معلومات الطاقة الأمريكية إلى أن السعر المتوسط للبنزين العادي سوف ينخفض من 3.32 دولار للجالون في نوفمبر إلى 3.16 دولار في ديسمبر المقبل، و3 دولارات في الربع الأول من العام المقبل.
ومع هذا، يشير أحد المحللين إلى أن أي إطلاق للنفط من الاحتياطي الاستراتيجي للولايات المتحدة، على الرغم من أنه من المحتمل أن يكون له آثار نزولية على الأسعار الفورية، فإنه لا يقدم حلا دائما لعدم التوازن ما بين العرض والطلب في السوق العالمية.
وعلّق أمين ناصر، رئيس المديرين التنفيذيين في شركة أرامكو السعودية للنفط أنه من المتوقع أن يتقلص مستوى الطاقة الإنتاجية الفائضة خلال العام المقبل مع عودة المسافرين إلى الأجواء، وهو ما يزيل عاملا مهما يعمل على التخفيف من ارتفاع الأسعار، والذي تنعم به الأسواق في الوقت الحالي.
وقد عاد المسافرون بالفعل للسفر إلى الولايات المتحدة مرة أخرى، بينما ساعدت الموافقة على مشروع قانون البنية التحتية للرئيس "بايدن"، والذي يبلغ قدره 1 تريليون دولار، إضافة إلى التحسن في الصادرات الصينية بأكثر من المتوقع، على إشاعة جو من التفاؤل بالتعافي الاقتصادي العالمي، وبالتالي ربما المزيد من الارتفاع في الطلب على النفط.
وهنا ينبغي الإشارة إلى خطة الرئيس "بايدن" للبنية التحتية، إذ على الرغم من تبني الإدارة أهدافا تتضمن تقليص استخدام الوقود الأحفوري، فإن الخطة بما تتضمنه من إنفاق ضخم، لا سيما على بناء ورصف الطرق، ستعني ارتفاعا في استخدام الوقود الأحفوري، خاصة النفط خلال الفترة المقبلة.
وقال بنك "جي بي مورجان تشيس" إن الطلب العالمي على النفط في نوفمبر عاد بالفعل إلى مستويات ما قبل الجائحة، بتسجيله 100 مليون برميل يوميا، بعد الانهيار الذي حدث بالطلب في العام الماضي.
مع هذا، فإن قضية استخدام الاحتياطي الاستراتيجي ربما تعود للواجهة مرة أخرى إذا ما جاء الواقع مخالفا للتوقعات، التي تضمنها تقرير إدارة معلومات الطاقة، واستمرت أسعار الوقود في الارتفاع خلال الأسابيع المقبلة، عوضا عن أن تنخفض كما توقع التقرير.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة