عشر سنواتٍ مضت والقضية السورية تدور في حلقةٍ مفرغة، ضائعة في دهاليز الأجندات الدولية والإقليمية، التي لا تراعي أي مصلحةٍ لسوريا أو للشعب السوري وتطلعاته إلى بلادٍ آمنةٍ مستقرة.
لا سيما في ظل غياب مبادرات عربية حقيقية تقطع الطريق أمام المشاريع الإقليمية، التي لا ترى في الأزمة السورية إلا فرصةً لتعويم مشروعاتها الهدامة على حساب أمن وسلام المنطقة ككل، وليس على حساب السوريين فقط.
لذلكَ فإنّ الزيارة التاريخية لسمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، وزير الخارجية والتعاون الدولي الإماراتي، لدمشق، تأتي قبل كل شيء ضمن سياق الدبلوماسية الإماراتية المبنية على أسس متينةٍ من الثوابت المبدئية، القائمة على الحكمة والمرونة الإيجابية والإيمان بالسلام العالمي، واحترام القوانين الدولية والسعي الحثيث لاحتواء الصراعات والأزمات بالحوار، والتعاون المشترك مع المجتمع الدولي لدعم الحلول السلمية على مستوى العالم عموماً وعلى المستوى العربي خصوصاً، الأمر الذي يجعل من زيارة سموه لدمشق نقلةً عربيةً نوعيةً لمسارات الملف السوري في الاتجاه نحو الحلحلة، وذلك من خلال عوامل عدة:
أولاً التأسيس لمبادرة عربية حقيقية:
كثيرة هي المبادرات الدولية التي طُرحت على طاولات الحوار والتفاوض فيما يخص القضية السورية ورؤية الحل لها، ولكنها باءت بالفشل جميعاً، لافتقادها إلى مراعاة الواقع المفروض وطبيعة الهوية السياسية والفكرية وأيديولوجية الانتماء للسوريين إلى محيطهم العربي، لذلكَ فإنّ المبادرة الحقيقية في هذا المجال، والتي لا يمكن أن تكون إلا عربيةً، تتمثل في المبادرة الإماراتية التي صرّح بها سمو الشيخ عبدالله بن زايد في لقائه وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، في دولة الإمارات مطلع هذا العام، والتي تقوم على مبادئ واضحة وخطواتٍ واقعيةٍ في احتواء الأزمة السورية بالحوار الشفاف، وإقصاء الأجندات الخارجية والعمل على وحدة البلاد واستقلالها، وحث المجتمع الدولي على تجنيب سوريا العقوبات الاقتصادية التي تنهك الشعب السوري وتزيد بؤسه، بما يحقق مناخاً ملائماً للحوار البنّاء بين كل الأطراف على الأرض.
ثانياً فرض خارطة طريق عربية:
فسوريا جزء لا يتجزأ من المنظومة العربية المتكاملة، لذلكَ فإنّ أي حلٍّ خارج إطار العمل العربي المشترك لا نجاح له ولا إمكانية لتطبيقه، لتأتي الرؤية الإماراتية محقِّقةً لهذه الفرضية من المعادلة الحقيقية، بكسرها عزلة سوريا عن محيطها العربي، تمهيداً لعودتها إلى حاضنتها الطبيعية المتمثلة في المجتمع السياسي العربي الذي تشكل الدبلوماسية الإماراتية مركزه الحيوي، فالمجتمع العربي هو ملاذ سوريا الوحيد لخروجها من دوائر المشاريع الهدامة التي تحيط بها محاولةً حرفها عن مسارها، وهو ما ترحب به دمشق التي تتطلع للعودة إلى مصافِّ أشقائها، الأمر الذي يؤسس لخارطة طريق عربية قادرة على فرض وجودها وتطبيقها، وتحويل المبادرة إلى خارطة طريق عربية حقيقية وقوية، قائمة على أرض صلبة من أجل الحلحلة المستدامة للقضية السورية.
ثالثاً الانفتاح على العالم الخارجي:
فالتجاذبات الدولية التي تخضع لها سوريا من جرّاء الصراع الدولي والإقليمي من أجل النفوذ على أرضها، جعلها نهباً لتلك الأجندات لافتقارها إلى حاضنتها العربية، وهو ما ستنقلب موازينه بالتقارب السوري الإماراتي، الذي سيعطي الملف السوري الزخم العربي سياسياً ودبلوماسياً، مؤسساً لانفتاحها عربيّاً، والذي سيفتح الأبواب الدولية أمام الأزمة السورية، بما يضمن المصالح الوطنية لها والمصالح الحيوية للمنطقة العربية في أي مفاوضات أو مشاورات أو مسارات للحل، لانطلاقها من رؤية عربية شاملة تفرض وجودها على منابر وطاولات التفاوض والحوارات الدولية للخروج بحلول حقيقية ومستدامة، تضمن مصالح سوريا والسوريين الوطنية التي لا تنفصل عن المصلحة العربية الكبرى في أمن واستقرار المنطقة العربية، ومنَعتها في وجه المشاريع المتربصة بها.
لذلك فإنّ الدبلوماسية الإماراتية بحضورها العربي والدولي المتميز والفاعل، يجعل من زيارة سمو الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان لدمشق حدثاً تاريخياً، من شأنه إحياء مسارات حقيقية من أجل الحل لأزمة استنزفت السوريين أرضاً ومقدراتٍ وشعباً، وإعادة ملف الأزمة إلى امتدادها العربي الحقيقي، لتكون بذلك الدبلوماسية الإماراتية التي يثق بها العرب عموماً والشعب السوري خصوصاً، بارقة الأمل بالخلاص لسوريا وشعبها
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة