فجرت وفاة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، ووزير الخارجية حسين أمير عبداللهيان ومرافقيهما إثر حادث أليم، العديد من التساؤلات حول مستقبل السياسة الداخلية في ظل صراعات الأجنحة، والسياسة الخارجية في ظل توترات غير مسبوقة تشهدها المنطقة إثر حرب غزة وتداعيتها.
فتحت النقاشات حول من سيخلف رئيسي، ومن سيحظى بدعم المرشد الأعلى علي خامنئي، ما يعكس تصاعد المشهد الداخلي الإيراني خلال الفترة المقبلة لما تحمله من تنافس بين الأجنحة المسيطرة على مؤسسات الدولة وسياساتها العامة.
وربما تشهد إيران ولو ظاهرياً محاولات لتوحيد الصفوف، وتقوية الوحدة الداخلية لمواجهة التحديات الخارجية في ظل التوتر الإقليمي الراهن، ما يعني حالة من الحذر السياسي، واستمرارا للسياسات الخارجية القائمة بشكل متباطئ ولو نسبياً.
شهدت العلاقات العربية-الإيرانية تحسنًا ملموساً، فدول الاعتدال العربي بما فيها دولة الإمارات تنتهج مسار تصفير المشكلات، وإبقاء الأبواب مواربة حتى لو كانت هناك تباينات، فمع المخاطر تأتي الفرص، والمواقف الرسمية الخليجية والعربية تعكس التضامن مع الشعب الإيراني خلال هذه الفترة الصعبة، وتبدي الرغبة في بناء علاقات متوازنة مبنية على المصالح المشتركة، وتمثل توافقا عربيا يريد منطقة آمنة ومستقرة بعلاقات جيدة مع إيران، تركز على المشتركات من أدوات التطور والتقدم بعيداً عن الصراعات القائمة، وهو ما فسر الحضور العربي على المستوى الرفيع لأداء واجب العزاء، ولعلها رسالة صادقة من العرب إلى إيران، والمواقف في الأزمات الصعبة تؤكد التوجهات الصادقة.
النظام السياسي الإيراني مقسم بين المؤسسة الدينية والحكومة، حيث يتمتع المرشد الأعلى بسلطة اتخاذ القرارات في جميع السياسات الرئيسية، وكان يُنظر إلى رئيسي على مدى سنوات كمرشح قوي لخلافة خامنئي الذي يتولى منصب المرشد الأعلى منذ عام 1989، والمؤيد بدوره لتوجهات المحافظين المتشددين، وهو ما حصل بفوز رئيسي في انتخابات 2021، لولائه الكامل للمرشد واستعداده لتحقيق أهدافه، على الرغم من أن حقبة رئيسي تأثرت بالاحتجاجات الحاشدة المناهضة لحكم رجال الدين بعد مقتل الشابة مهسا أميني، والفشل في تحسين الوضع الاقتصادي المتضرر بشدة جراء العقوبات الغربية.
وبتقديري، في وفاته ترتبك أجندات المرشد الأعلى الذي كان يعده لخلافته، وتفتح الأبواب أمام صراع الأجنحة مما يلقي بضبابية على المشهد الداخلي المقبل في إيران.
وفاة رئيسي لن تغير التوجهات الإيرانية بسبب سيطرة الحرس الثوري ومن خلفهم المرشد الأعلى على مفاصل السلطة، فإيران تعتبر دولة المؤسسة الواحدة التي تدير بقية المؤسسات، والرئيس في إيران يقود الحكومة بشكل بروتوكولي، ويتم انتخابه بمباركة من المرشد لتنفيذ الأجندات العامة التي تسطرها المؤسسة الواحدة، ولكن كسرت القاعدة تاريخياً عندما فاز الإصلاحيون المعتدلون في الانتخابات الرئاسية مثل محمد خاتمي وحسن روحاني، أو علي أكبر هاشمي رفسنجاني وهو من رموز البرغماتية.
وقد تتعمق حالة عدم اليقين في الداخل الإيراني، وتزداد المنافسة بين مراكز القوى المؤثرة، لا سيما قاعدة رئيسي وشخصيات مثل رئيس البرلمان محمد باقر قاليباف، وعائلة لاريجاني النافذة، وإلى جانب نجل المرشد مجتبي خامنئي، فغياب رئيسي يترك فراغاً كبيراً في الخطط الانتقالية لخلافة المرشد، وتتطلب إعادة ضبط حسابات القيادة الإيرانية بشأن المستقبل.
والواقع السياسي الإيراني منذ عام 1979، يؤكد أن مهما كانت هوية الرئيس الإيراني ومحسوبيته، تظل السلطات الرئيسية بيد المرشد الأعلى، وانتخاب الرئيس يعكس التوجهات الاقتصادية والسياسية والصراعات بين الإصلاحيين والمتشددين، ولكن ضمن حدود واضحة يحددها المرشد، كما سيكون للحرس الثوري دور مهم بنفوذه العسكري والسياسي في تحديد الخيارات المستقبلية.
ورغم ما يبدو على السطح في الوقت الراهن من استقرار وانتقال سلس للسلطة، فإن غياب رئيسي يمثل ضربة كبيرة لمشروع المرشد في رسم ملامح خليفته، وتوفير انتقال سلس في الموقع الأعلى لإيران، وصعوده السريع في المناصب العليا يشير إلى رغبة المرشد مسبقاً في إعداده لهذا الدور.
ستعيش إيران فترة مفصلية ستخلق ديناميكيات جديدة في الصراع الداخلي على السلطة، والرهانات المستقبلية تعتمد على قدرة النظام الإيراني على التكيف مع هذه المخاطر، وإدارة التحديات المتعددة التي تواجهه، وأفضل الوسائل المتاحة لإيران هي التهدئة في المنطقة، لتستقر أحوالها الداخلية، ولعل التهدئة الإيرانية تكون إيجابية وفي صالح أمن واستقرار المنطقة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة