بعد دخوله في صلب المواجهات الانتخابية.. ما حقيقة الدولار الإلكتروني؟
بين وقت وآخر، يتجدد الجدل حول "الدولار الرقمي" أو الإلكتروني، وما بين مؤيد ومعارض تدور المناقشات في الأوساط السياسية والاقتصادية حول إصدار نسخة رقمية للدولار.
في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، أصدر "بنك أوف أمريكا" تقريرا قال فيه إن العملات الرقمية التي تصدرها البنوك المركزية (CBDCs) قادمة لا محالة، لكن الدولار الرقمي غير مرجح على المدى القريب.
وأوضح التقرير أن البنوك المركزية التي تمثل 67% من الدول حول العالم و98% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي تستكشف العملات الرقمية للبنوك المركزية، و33% منها في مراحل متقدمة.
الدولار الرقمي
العملة الرقمية للبنك المركزي (CBDC) هي نسخة رقمية من العملة الصادرة عن البنك. في الولايات المتحدة، قد يستلزم ذلك قيام بنك الاحتياطي الفيدرالي بإصدار دولار رقمي يمكن استخدامه بنفس طريقة استخدام الدولار العادي.
لم يستقر مسؤولو بنك الاحتياطي الفيدرالي على كيفية تصميم العملة الرقمية للبنك المركزي بالضبط، على الرغم من أنهم قالوا في ورقة بحثية عام 2021 إنهم يتصورون رمزًا سيتم الاحتفاظ به في المحافظ الرقمية التي تديرها البنوك أو غيرها من الشركات المالية المنظمة، بدلاً من السماح للأمريكيين العاديين بالحصول على عملة رقمية في الودائع مباشرة في البنك المركزي.
ويشير هذا الاقتراح إلى أن البنوك نفسها سوف تحتفظ بالمسؤولية عن حماية معلومات المعاملات، مع نفس النوع من المتطلبات للإبلاغ عن المدفوعات المشبوهة بموجب قواعد مكافحة غسل الأموال.
وقال بنك الاحتياطي الفيدرالي في تلك الورقة: "إن حماية خصوصية المستهلك أمر بالغ الأهمية". "ومع ذلك، ستحتاج أي [عملة رقمية للبنك المركزي] إلى تحقيق توازن مناسب بين حماية حقوق الخصوصية للمستهلكين وتوفير الشفافية اللازمة لردع النشاط الإجرامي".
ومن الممكن أيضًا إنشاء دولار رقمي فقط للمدفوعات بين البنوك، على سبيل المثال، لتقليل تكاليف المعاملات عبر الحدود.
وبينما دعا الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى مزيد من المناقشة والبحث في نظام العملات الرقمية للبنوك المركزية في أمر تنفيذي صدر في سبتمبر/أيلول 2022، قال رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول في مارس/أذار إن بنك الاحتياطي الفيدرالي ومجموعة العمل المشتركة بين الوكالات بقيادة وزارة الخزانة الأمريكية لم يتخذوا بعد "أي قرارات حقيقية" بشأن هذه القضية. كما أكد باول سابقًا على أن البنك المركزي لن يمضي قدمًا في استخدام الدولار الرقمي دون موافقة الكونغرس.
وأصبح الدولار الرقمي المثير للجدل، المستوحى من البيتكوين والذي تم تسليط الضوء عليه من خلال مشروع العملة الرقمية الفاشل لفيسبوك واليوان الرقمي الصيني في السنوات الأخيرة، نقطة اشتعال حرب ثقافية، حيث يخشى البعض من أنه سيمنح الحكومات سيطرة غير مسبوقة على كيفية إنفاق الناس لمواردهم المالية.
قضية سياسية
والقضية التي كان البيت الأبيض قد استبعدها قبل أشهر، دخلت في صلب المناقشات الانتخابية الساخنة. وفي وقت سابق، قال. المرشح الجمهوري المحتمل الذي انسحب مؤخرا من السباق الحزبي لانتخابات الرئاسة رون ديسانتيس إنه "إذا أصبحتُ الرئيس، سألغي العملة الرقمية للبنك المركزي في اليوم الأول. سأقضي عليها نهائياً. لن يحدث ذلك في هذا البلد". كما قال نظيره فيفيك راماسوامي إن الدولار الرقمي "يقتل الحريات" في ذلك البلد. ومن جانبه، تعهد الرئيس السابق دونالد ترامب أنه في حال انتخابه سيتصدي تماما لخلق عملة رقمية مركزية للبلاد.
وقبل أشهر، قال البيت الأبيض ردًا على منشورات عبر الإنترنت تسيء تفسير أمر تنفيذي وقعه الرئيس الأمريكي جو بايدن في مارس/أذار 2022 لتقييم المخاطر والفوائد التي تعود على المستهلكين واقتصاد العملات المشفرة وغيرها من العملات الرقمية، إنه لا توجد خطة لتحويل الدولار الأمريكي إلى عملة مشفرة.
أنواع العملات الرقمية
وفقا لدراسة أجرتها شركة ماكينزي، فإن العملات الرقمية للبنوك المركزية هي الشكل الرقمي للعملة الورقية الرسمية ويتم إصدارها من قبل البنوك المركزية، ومن ثم، فهي مركزيةٌ ومدعومةٌ من البنك المركزي للدولة.
وتختلف العملات الرقمية للبنوك المركزية عن العملات المشفرة فالأخيرة، مثل البيتكوين، لا تعد مركزية ولا تسيطر عليها أي سلطة.
وفقاً لقاعدة بيانات كوين تيليغراف للعملات الرقمية للبنك المركزي، فإنَّ نحو 100 دولة تبحث حالياً اعتماد هذه التكنولوجيا، مع نحو 40 دولة تعمل على تجارب فعلية في هذا السياق. ومن ثم، فلا يوجد نوع واحد من العملات الرقمية للبنوك المركزية كما يجري اختبار مجموعة واسعة من الأساليب في مختلف البلدان للترويج واستخدام العملات.
على سبيل المثال، العملة الصينية الإلكترونية، هي عملة تجريبية تعتمد على بنوك القطاع الخاص لتوزيع حسابات العملة الرقمية والحفاظ عليها لعملائها.
أنشأ البنك المركزي الصيني، بنك الشعب الصيني تطبيق السوق الأكثر تقدمًا للعملة الرقمية للبنك المركزي حتى الآن.
ويعتمد البرنامج التجريبي للعملات الرقمية للبنوك المركزية في الصين لليوان الإلكتروني على بنوك القطاع الخاص لتوزيع هذه الحسابات والحفاظ عليها لعملائها.
وبدأ بنك الشعب الصيني في اختبار العملة الصينية الإلكترونية في أواخر عام 2019، من خلال المدفوعات القائمة على التطبيق والمحفظة للخدمات الحكومية والتسويق والنقل وحالات استخدام نمط حياة المستهلك الأخرى.
وتم إطلاق البرنامج التدريبي في البداية في 4 مدن، ثم توسع بسرعة ليشمل 5 مدن أخرى واعتبارًا من مايو/أيار 2022، تم تنفيذ 4.5 مليون محفظة تجارية و260 مليون معاملة بقيمة تزيد عن 83 مليار يوان.
وعرضت الصين عملة اليوان الصيني الإلكترونية خلال دورة الألعاب الأولمبية 2022 في بكين حيث يمكن للزوار والرياضيين استخدام العملة لإجراء عمليات شراء داخل القرية الأولمبية باستخدامها .
وهناك نموذج آخر هو النموذج الذي يدرسه البنك المركزي الأوروبي حيث تقوم كل مؤسسة مالية مرخصة بتشغيل شبكة بلوك تشين كقناة لتوزيع اليورو الرقمي.
وفي الوقت الحاضر، تستكشف نحو 100 دولة - تمثل أكثر من 90% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي العملات الرقمية للبنوك المركزية.
علي سبيل المثال، أطلقت جاميكا عملة جام ديكس في يونيو/حزيران 2022 وهي أول عملة رقمية للبنك المركزي يتم التصديق عليها رسميًا كعملة قانونية وكذلك عملة ساند دولار في جزر البهاما وعملة دي كاش من قبل البنك المركزي في شرق البحر الكاريبي.
كما أصدرت نيجيريا، أول دولة أفريقية تطرح عملات رقمية للبنك المركزي، عملة اينيرا في أكتوبر/تشرين الأول 2021 وتستعد منطقة جنوب الصحراء الكبرى في أفريقيا لاعتماد اتفاقيات التجارة الرقمية حيث أدى الاستخدام الواسع النطاق لخدمة إم-بيزا، وهي خدمة تحويل الأموال عبر الهاتف المحمول، إلى إنشاء بنية تحتية اجتماعية ومالية قوية للاستخدام المستقبلي المحتمل للعملات الرقمية للبنوك المركزية.
سبب الاهتمام
هناك 4 اتجاهات قد حفزت اهتمام البنوك المركزية بالعملات الرقمية، وتشمل انخفاض الاستخدام النقدي حيث إنه في أوروبا، انخفض استخدام النقد بنسبة الثلث بين عامي 2014 و2021 ويتم إجراء 3% فقط من معاملات الدفع نقدًا في النرويج وقد أجبر هذا الاتجاه البنوك المركزية على إعادة النظر في دورها في النظام النقدي.
ويعد السبب الثاني هو تزايد الاهتمام بالأصول الرقمية الصادرة من القطاع الخاص حيث إنه في المملكة المتحدة، أفاد 10% من البالغين أنهم يمتلكون أصولًا رقمية، مثل العملات المشفرة.
ويقول البنك المركزي الأوروبي إن ما يصل إلى 10% من الأسر في 6 دول كبيرة في الاتحاد الأوروبي تمتلك أصولًا رقمية ويمكن النظر إلى استخدام المستهلك لأصول رقمية على أنه تحدي محتمل للعملة الورقية كوحدة قياس للقيمة.
وأما السبب الثالث هو انخفاض الشعور بالبنوك المركزية كمبتكرين للمدفوعات، ورابعا ارتفاع أنظمة الدفع العالمية ولذلك تسعى العديد من البنوك المركزية إلى إنشاء حوكمة محلية أكبر لأنظمة الدفع العالمية بشكل متزايد وترى البنوك المركزية أن العملات الرسمية للبنك المركزي هي بمثابة مرساة محتملة لأنظمة الدفع الرقمية المحلية.
الفوائد المحتملة
يعتقد المدافعون عن التمويل الرقمي أن الأدوات الرقمية الجديدة، من بينها العملات الرقمية للبنوك المركزية، يمكنها معالجة العديد من القضايا المتعلقة بالكفاءة والأمن والوصول.
كما تعد أحد أهم الفوائد أيضا هو زيادة السرعة حيث يمكن للعمليات الرقمية للبنوك المركزية أن تعمل على تحسين سرعة وكفاءة أنظمة الدفع الإلكترونية في العديد من البلدان.
وتشمل المزايا أيضا وصول أكبر لأولئك الذين ليس لديهم حسابات مصرفية حيث إن أقل بقليل من 5% من البالغين في الولايات المتحدة ليس لديهم حسابات مصرفية؛ في عام 2016 وكان هناك 1.6 مليار شخص لا يملكون حسابات مصرفية حول العالم.
ويمكن أن تؤدي العملات الرقمية للبنوك المركزية التي يمكن الوصول إليها من خلال الأجهزة المحمولة إلى زيادة الشمول المالي.
وبالنسبة لمقدمي الخدمات المالية الرقمية، تمثل الأموال عبر الهاتف المحمول بوابة إلى أسواق لم تمسها من خلال دخول شرائح أخرى.
ويمكن أن يؤدي الاستخدام المنظم للعملات الرقمية للبنوك المركزية تمكين المستخدمين من التوقيع على المعاملات رقمياً، مما يقلل من وقت الانتظار حتى تصبح المعاملة نهائية بشكل لا رجعة فيه، ويمنح الأطراف قدراً أكبر من راحة البال.
أبرز المخاوف
لكن بينما تستكشف البنوك المركزية بحماس إمكانات العملة الرقمية الصادرة عن البنوك المركزية، فإن هناك بعض التحديات التي يجب أخذها في الاعتبار أيضًا.
فعندما تصبح الأموال رقمية، تصبح أيضًا قابلة للتتبع وبالتالي تخضع للضريبة مما يضع عقبة أمام الاستخدام الطوعي.
وهناك قضية أخرى تتمثل في الافتقار حتى الآن إلى الاستقرار التكنولوجي حيث إنه في يناير/كانون الثاني 2022، توقفت النسخة الرقمية من عملة دي كاش في شرق الكاريبي عن العمل لمدة شهرين بسبب مشكلات تكنولوجية.
وتعتبر أبرز المخاوف هو الحاجة الملحة للاستثمار في البنية التحتية التكنولوجية.
ولهذه الأسباب، توصلت البنوك المركزية في بعض الدول، مثل كندا وسنغافورة، إلى استنتاج مفاده أنه لا توجد حاليًا مبررات قوية للعملة الرقمية.
aXA6IDE4LjIxNi4yNTAuMTQzIA==
جزيرة ام اند امز