تناحر مليشيات غرب ليبيا.. خنجر يبتر جهود الحل
لا تزال جهود حل الأزمة الليبية تصطدم بصراع نفوذ -قد يكون مفتعلا- بين مليشيات العاصمة طرابلس، بحثا عن فوضى تؤمن استمرار وجودها.
ففي وقت توالت فيه الاجتماعات خلال الأسبوع الماضي الهادفة لدعم التنفيذ الكامل لاتفاق وقف إطلاق النار القاضي بحل المليشيات ونزع سلاحها، لا تزال المليشيات تتصارع فيما بينها على النفوذ والسيطرة لتسقط عدة ضحايا.
وشهد الأسبوع الماضي اجتماعات اللجنة العسكرية الليبية 5 + 5 مع المبعوث الأممي عبدالله باتيلي، وكذلك القائد العام للجيش الليبي المشير خليفة حفتر مع وفد أمريكي رفيع برئاسة قائد القوات الجوية الأمريكية في أفريقيا الجنرال جون دي لامونتاني.
كما شهد أيضا زيارات أجراها قادة المخابرات الأمريكية والتركية والمالطية للعاصمة طرابلس، والتي ركزت جميعها على التنفيذ الكامل لاتفاق وقف إطلاق النار وضرورة التهدئة والذهاب إلى الانتخابات وتوحيد القوات المسلحة.
ورغم ذلك، وفي وقت مبكر من اليوم الخميس، اندلعت اشتباكات عنيفة بين مليشيات الردع -المتطرفة بقيادة عبدالرؤوف كاره- ومليشيات 111 -متطرفة بقيادة عبدالسلام الزوبي قادمة من مدينة الزاوية- قرب مطار طرابلس العالمي -الخارج عن الخدمة منذ تدميره قبل نحو عقد.
ووفق مصادر ليبية، ارتفعت حصيلة الاشتباكات إلى 4 قتلى و13 جريحا من الطرفين مع تدمير بعض الممتلكات الخاصة.
صراع النفوذ
تعليقا على التطورات، يرى الدكتور يوسف الفارسي، أستاذ العلوم السياسية الليبي، أن اشتباكات العاصمة تختزل صراعا على المصالح والنفوذ، خاصة مع تخوفها من بوادر الحل عن قريب.
ويقول الفارسي، في حديث لـ"العين الإخبارية"، إن أي خطوة للحل بما في ذلك الزيارات الأخيرة للوفود الأجنبية شرقا وغربا من ضمن شروطها تفكيك المليشيات ونزع سلاحها.
ويضيف أن الاشتباكات تهدف إلى إبقاء الوضع على ما هو عليه وعرقلة أي تقدم، حيث نجحت كل منها في تحقيق مكتسبات تعلم أن حل الأزمة يعني زوالها نهائيا، وهذه مسألة لا تختص بمصالحها بل تمس وجودها بشكل كامل لذلك تعمل على بسط سيطرتها على الأرض وحصد المزيد من المكتسبات وتقوية نفسها.
وأشار إلى أن الاشتباكات الحالية لها أبعادها السابقة، حيث إن كلتيهما لم تكن على وفاق ولها ميولها الخاصة، فمليشيات الزوبي سبق وشاركت في الحرب ضد محاولة دخول رئيس الحكومة المكلف من مجلس النواب فتحي باشاغا إلى العاصمة طرابلس.
أما مليشيات الردع، يتابع، فكانت على الحياد ولم تشارك في الاشتباكات، وكانت تجمعها بباشاغا علاقات قوية إبان توليه وزارة الداخلية بحكومة الوفاق السابقة قبل أن تنقل تبعية الردع إلى الرئاسي باعتباره القائد الأعلى للجيش.
ولم يستبعد الأكاديمي الليبي أن تكون زيارة بعض الوفود الأجنبية إلى العاصمة طرابلس حملت رسالة خاصة بوجوب إفشال جهود الحل بعد نجاح الاتفاق على القاعدة الدستورية في القاهرة، خشية زوال مصالحها الحالية، أو إنهاء مشروعها.
اشتباكات مفتعلة؟
يعتبر الخبير السياسي الليبي عبدالله الخفيفي أن المليشيات تتسابق في السيطرة على مقرات الدولة بهدف ابتزاز الحكومات للحصل على الدعم.
وقال الخفيفي لـ"العين الإخبارية"، إن ما حدث ليلة الأمس يؤكد حجم المأساة التي تعيشها العاصمة طرابلس ووجوب التنفيذ الكامل لاتفاق وقف إطلاق النار وعلى رأس ذلك حل المليشيات نزع سلاحها وإخراجها من المدن والنظر في مسألة التأهيل والدمج باعتبار أنها غير نظامية في تكوينها بنيتها وإن أعطوها أسماء ورتبا رسمية.
ولفت إلى أن ما حدث ليلة الأمس كان فيه الكثير من الافتعال، خاصة أن المطار مغلق وخارج الخدمة منذ 2014، وكان من الممكن ترضية المليشيات التي تسيطر عليه كما يحدث غالبا، لكن القرار بإخراجها بعد إعلان نية إصلاحه وإدخاله للعمل وهمي.
وأوضح أن مليشيات الردع التي تتخذ من قاعدة معيتيقة (تضم المطار العامل الوحيد في الغرب الليبي مقرا لها) افتعلت الاشتباكات لاستعراض قوتها على نظيرتها كونها لا تريد مطارا آخر يعمل داخل العاصمة لتبقى المقربة من الجهات الرسمية الداخلية والأطراف الدولية، باعتبار أنها من تؤمن المنفذ وأن أي تعاون داخلي لا بد أن يكون معها دون غيرها.
المعضلة والانفراجة
أما المحلل السياسي والعسكري الليبي محمد الترهوني، فيرى أن المليشيات تعطي يوما بعد الآخر لجميع العالم الداعمة للعملية السياسية رسائل واضحة بأنها ضد الاستقرار وأنه لا حل بوجودها.
ويقول لـ"العين الإخبارية" إن اللجنة العسكرية الليبية 5+5 هي جنة عسكرية تمثل الأطراف العسكرية النظامية التي تسعى للاستقرار وبناء السلام، وحققت نجاحات غير مسبوقة في حين أن المليشيات غير ممثلة بها ولن تقبل بنتائجها وتسعى بطريقتها لاكتساب المزيد من الدعم وابتزاز الدولة.
واعتبر أن ما حدث في طرابلس يهدف إلى تقاسم ما يرونه الإرث الكبير، مطار طرابلس العالمي والذي سيكون إضافة كبيرة لمن يسيطر عليه في نهب ثروات الدولة، من خلال السيطرة على منفذ مهم جدا سيتم صيانته قريبا.
وأردف أن المعضلة الأساسية والرئيسية أمام أي حل للأزمة الليبية هي المليشيات، وستظل كذلك ما لم يتم التنفيذ الكامل لاتفاق وقف إطلاق النار وحل هذه المليشيات.
وبحسب الخبير، فإن الوفود التي تزور ليبيا شرقا وغربا بهدف الاستقرار ولملمت ما يمكن إنقاذه من إفساد المليشيات، إلا أن هذه الجهود تظل غير مؤثرة ما دامت هذه المليشيات موجودة وتسيطر على مفاصل الدولة بما في ذلك المصرف المركزي.
واعتبر أن المليشيات أرادت إرسال رسالة سياسية مع الانفراجة الأخيرة في أزمة القاعدة الدستورية والتوجه نحو الانتخابات، بأنها هي المسيطرة على الأرض وستفشل أي انتخابات أو توافق ما لم تكن طرفا فيه، كما سبق وفعلت وأفسدت الاستحقاق الانتخابي الذي كان مقررا في 24 ديسمبر/ كانون أول 2021.