أسنان الديناصورات.. «كبسولات زمنية» تكشف أسرار المناخ القديم (حوار)
باحثة في جامعة ألمانية تكشف لـ«العين الإخبارية» نتائج دراسة غير معتادة لمينا أسنان الديناصورات

تأخذنا الأحافير إلى الماضي السحيق؛ لتخبرنا عن معلومات لم نفهمها من قبل عن طبيعة مناخ الأرض، حيث يمكن لبعض العينات البسيطة من الأحافير كشف الكثير من المعلومات والبيانات التي عاشتها كائنات حية جابت الأرض منذ ملايين السنين.
وتتنوع صور عينات الأحافير، لكن مجموعة بحثية من عدة جامعات في ألمانيا، وهي: جامعة غوتينغن، جامعة يوهانس جوتنبرج ماينز، جامعة الرور في بوخوم بقيادة الدكتورة "دينغسو فنغ"، الباحثة في قسم الكيمياء الجيولوجية وجيولوجيا النظائر في جامعة جورج-أوغست في غوتينغن بألمانيا، أبدت اهتمامًا بأحافير من أسنان الديناصورات.
استطاع الباحثون دراسة ومعرفة شكل مناخ الأرض خلال حقبة الحياة الوسطى (من حوالي 252 مليون سنة إلى 66 مليون سنة مضت). ووجدوا أنّ تركيزات ثاني أكسيد الكربون خلال تلك الحقبة الزمنية كانت أعلى مما هي عليه الآن. ونشر الباحثون دراستهم في دورية "بروسيدنجز أوف ذا ناشونال أكاديمي أوف ساينسز" (Proceedings of the National Academy of Sciences) في 4 أغسطس/آب 2025.
"العين الإخبارية" حاورت الدكتورة "دينغسو فنغ" الباحثة الرئيسية في هذا الصدد، للوقوف على نتائج الدراسة وشرح معنى ما توصلت إليه.
كبسولات زمنية
يعمل علماء الحفريات والمناخ القديم على قدم وساق باحثين عن عينات تعود للكائنات الحية التي سكنت الأرض قبلنا؛ إذ تعمل كـ"كبسولات زمنية للمناخ"، يمكن من خلالها الكشف عن أسرار مناخ الاحتباس الحراري القديم على الأرض. وتقول الدكتورة "دينغسو فنغ" في حوارها مع العين الإخبارية: "لطالما أبهرتني فكرة أن الكائنات الحية تُسجل بيئتها في أنسجتها".
تحتوي مينا الأسنان على ثلاثة نظائر للأكسجين الذي كان الديناصور يستنشقه مع الهواء أثناء التنفس، ما يجعله من أكثر المواد البيولوجية استقرارًا. لذلك، اهتم الفريق البحثي بدراسة حفريات لمينا أسنان الديناصورات التي عُثر عليها في أمريكا الشمالية وأفريقيا وأوروبا، والتي يعود تاريخها إلى أواخر العصر الجوراسي ( العصر الجوراسي كان في الفترة ما بين 201.3 إلى 145 مليون سنة مضت) وأواخر العصر الطباشيري (امتد العصر الطباشيري في الفترة ما بين 145 إلى 66 مليون سنة مضت).
وتتابع الدكتورة "دينغسو فنغ" واصفة أسنان الديناصورات: "تتميز أسنان الديناصورات بمتانتها الفائقة، إذ يُمكن لميناها البقاء على قيد الحياة لعشرات الملايين من السنين دون أي تغيير كيميائي يُذكر. هذا يجعلها أرشيفًا غير مستغل للظروف البيئية القديمة. كان مصدر الإلهام هو معرفة ما إذا كانت هذه "الكبسولات الزمنية البيولوجية" تُتيح نافذة مباشرة على الظروف الجوية على اليابسة، مُكملةً بذلك السجلات البحرية التي تُهيمن على أبحاث المناخ القديم".
إعادة بناء
أراد مؤلفو الدراسة إعادة بناء للظروف المناخية التي عاشتها الديناصورات من خلال قياس نسب نظائر الأكسجين في عينات مينا الأسنان، وتشرح الدكتورة "دينغسو فنغ": "غالبًا ما تعتمد النظائر التقليدية على نظيرين للأكسجين (δ 18 O/δ 16 O) لاستنتاج درجة الحرارة أو حجم الجليد، ولكنها قد تتأثر بعوامل مُتداخلة مُتعددة، مما يُعقّد عملية التفسير".
وتابعت: "يضيف نهجنا نظيرًا ثالثًا (δ 17 O) إلى هذا المزيج. ما يسمح لنا بقياس النظائر الثلاثة عبر فصل تأثير درجة الحرارة عن التركيب النظيري لثاني أكسيد الكربون الجوي والماء الذي شربه الحيوان. يوفر هذا طريقة أكثر مباشرة وموثوقية لإعادة بناء كل من الظروف المناخية وتركيب الغلاف الجوي، والأهم من ذلك، أنه من منظور أرضي".
تركيزات أعلى
أظهرت النتائج أنّ إنتاج النباتات خلال تلك الحقبة الزمنية التي درسها الباحثون كان ضعف الإنتاج الحالي، وهذا مؤشر على ديناميكية المناخ خلال الفترة التي عاشت فيها الديناصورات على الأرض.
وتوضح الدكتورة دينغسو فنغ: "تشير بيانات النظائر لدينا أيضًا إلى أن إنتاجية النباتات - المعدل العالمي للتمثيل الضوئي - كانت ضعف ما هي عليه اليوم تقريبًا. هذا منطقي: ففي عالم ذي تركيزات عالية من ثاني أكسيد الكربون، تستطيع النباتات القيام بعملية التمثيل الضوئي بكفاءة أكبر، وتدعم أنظمة بيئية أكبر".
خلال أواخر العصر الجوراسي، احتوى الغلاف الجوي على تركيز من ثاني أكسيد الكربون (CO₂) يفوق أربعة أضعاف تركيزه في الفترة التي سبقت عصر الصناعة؛ أي قبل أن تتسبب الأنشطة البشرية في إطلاق كميات هائلة من الغازات الدفيئة. وفي أواخرالعصر الطباشيري قبل حوال 73 إلى 66 مليون سنة مضت، كانت تركيزات غاز ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي أعلى 3 أضعاف مقارنة بمستويات عصر ما قبل الصناعة.
وتقول الدكتورة فنغ: "يُظهر هذا أن نظام المناخ على الأرض يمكن أن يعمل بطريقة مختلفة تمامًا عن اليوم. أدى ارتفاع ثاني أكسيد الكربون خلال حقبة الحياة الوسطى إلى ارتفاع درجات الحرارة العالمية، ومن المرجح أنه أدى إلى انخفاض تدرجات درجات الحرارة بين القطبين وخط الاستواء".
فهم المستقبل
يستعين العلماء ببيانات مناخ الماضي؛ لفهم خط سير مناخ المستقبل، لكن الدكتورة "دينغسو فنغ"، ترى أنه يمكن الاعتماد على تلك البيانات، "ولكن بحذر"، قائلة: "كان العصر الوسيط عالمًا طبيعيًا ذا تركيزات عالية من ثاني أكسيد الكربون، مع قارات ودورات محيطية وأنظمة بيئية مختلفة تمامًا عما هو عليه اليوم. ومع ذلك، يُخبرنا هذا أن مناخ الأرض قادر على تحمل مستويات أعلى بكثير من ثاني أكسيد الكربون مما شهدناه في تاريخ البشرية - ولكن على حساب ظروف بيئية مختلفة تمامًا. إنه تذكير بأن "خط الأساس" لمناخ ذي تركيزات عالية من ثاني أكسيد الكربون قد تغير جذريًا، وأن الأنظمة البيئية تستجيب بطرق معقدة".
وعن خطواتهم القادمة في الأبحاث، أشارت الدكتورة "دينغسو فنغ" إلى أنهم يعملون على توسيع قاعدة بياناتهم لتشمل أحافير من قارات ومناخات ومجموعات ديناصورات مختلفة، إضافة إلى فقاريات أرضية أخرى. وهذا من شأنه أن يسمح لهم ببناء صورة أكثر عالمية لثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي وإنتاجية النباتات عبر العصر الوسيط وفي فترات أخرى من تاريخ الأرض.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuNyA= جزيرة ام اند امز