"دبلوماسية الكمامة".. الصين تهزم كورونا وترسخ أقدامها دوليا
بكين أطلقت الرحلة الأولى لقطار شحن يحمل مساعدات ويتجه إلى أوروبا، للمساعدة على تجاوز محنة كورونا
قبل أسابيع، أرسلت النمسا طائرات مساعدات تشمل أدوات طبية إلى الصين في ذروة تفشي جائحة "كورونا" المستجد، لكن بكين لم تتوانَ عن رد المساعدة بضعف أمثالها.
وتبدو الخطوة الصينية أسلوبا جديدا في سياستها الخارجية يرمي لترسيخ العلاقات الثنائية، وتقوية دورها في النظام العالمي، فيما بات يعرف إعلاميا بـ"دبلوماسية الكمامة".
والأمر لم يتوقف على النمسا فقط، حيث قدمت الصين أضعاف المساعدات التي تلقتها إلى إيطاليا وإسبانيا وبلجيكا، وهي دول أوروبية لم تكن تربطها بها علاقات قوية.
وفي 22 فبراير/شباط الماضي، انطلقت طائرة بها 100 ألف قناع واقٍ "كمامة"، ونحو 2.4 مليون قفاز طبي و2000 نظارة واقية، و20 ألف زجاجة مطهر من مطار فيينا إلى الصين.
لكن هذه الخطوة أتت أكلها سياسيا، وبدأت الصين رد هذه المساعدة بضعف أمثالها، حسب صحيفة كرونه النمساوية (خاصة).
الصحيفة قالت: "تهبط غدا الإثنين، طائرتان في مطار فيينا وهما تحملان 130 طنا من المساعدات الطبية، في وقت تعد النمسا فيه في أمس الحاجة للمساعدات بعد اتساع رقعة انتشار كورونا على أراضيها"، مضيفة: "الصين تستغل دبلوماسية الكمامة في تحقيق أهداف سياستها الخارجية".
ووفق ما نقلته صحيفة كرونه عن وزيرة الدفاع النمساوية كلاوديا تانر، فإن المساعدات الصينية ستذهب بشكل أساسي إلى منطقة تيرول القريبة من الحدود الإيطالية، والتي تعد البؤرة الأساسية لانتشار المرض في النمسا.
فيما قال المستشار سباستيان كورتس في تصريحات للصحيفة ذاتها: "من مصلحة الجميع أن نحصل على المعدات الطبية التي نحتاجها بشكل عاجل خاصة في تيرول".
ووفق كرونه، تتمتع القوات المسلحة النمساوية بسنوات من الخبرة في مجالات التنظيم اللوجستي والنقل، لذلك كانت ستنظم نقل 130 طنا من المساعدات الصينية إلى تيرول.
وفي الإطار ذاته، كشفت وسائل إعلام صينية رسمية أن بكين أطلقت الرحلة الأولى لقطار شحن يحمل مساعدات ويتجه إلى أوروبا، للمساعدة على تجاوز محنة كورونا.
وغادر القطار محطة ييوو شرقي الصين، الأحد، صوب العاصمة الإسبانية مدريد، محملا بـ110 آلاف قناع واقٍ (كمامة طبية)، ومئات البدلات الواقية، والمستلزمات الطبية الأخرى، لمكافحة انتشار الفيروس، وفق صحيفة الشعب الصينية.
ويوم الجمعة الماضي، وصلت طائرة بوينج 747 إلى مطار لييج ببلجيكا حاملة نصف مليون جهاز تنفس، وأعدادا لا تحصى من الملابس الواقية وأجهزة اختبار لفيروس كورونا. وفي اليوم التالي (السبت) وصل المزيد من مواد الإغاثة لبروكسيل، وجميعها قادمة من الصين.
وقبل ذلك بيومين، وصلت طائرة تقل 300 طبيب صيني إلى إيطاليا، وهي الدولة الأكثر تضررا من جائحة كورونا المستجد. كما كان على متن الطائرة سون شووبنج، نائب رئيس الصليب الأحمر الصيني.
وفي محادثة هاتفية قبل أيام، تحدث الرئيس الصيني شي جين بينج مع رئيس الوزراء الإيطالي جوزيبي كونتي عن "طريق حرير إلى الصحة" كجزء من المشروع الصيني "حزام واحد.. طريق واحد" الرامي لربط العالم تجاريا واستثماريا، في إشارة إلى أن المساعدات الإغاثية الصينية للدول الأكثر احتياجا في أزمة كورونا، ذات بعد "جيوسياسي"، وفق صحيفة دي تسايت الألمانية (خاصة).
ووفق دي تسايت، فإن ذكر الرئيس الصيني لطريق الحرير بشكل واضح في محادثة مع كونتي يعد نوعا من الدعاية ومحاولة لاستغلال الأزمة الحالية لتحسين صورة المشروع الذي ينظر إليه في أوروبا على نطاق واسع بأنه محاولة توسعية صينية تهدف لدفع الدول المشاركة فيه للاعتماد على ديون بلاده.
كما أن سيطرة الصين حاليا على مجال صناعة الأقنعة الواقية "الكمامات" عبر رفع غير مسبوق لمعدلات إنتاجها من أجل تغطية الحاجة المتزايدة لها في كل أنحاء العالم يخدم تحركات بكين السياسية، حيث تجد عبارات من قبيل "لا يمكن (للرئيس الأمريكي دونالد ترامب) الوفاء بوعوده بتوفير الأقنعة الواقية لشعبه، بدون مصانع صينية".
وفي إشارة واضحة إلى أن السياسة الصينية الجديدة تحقق أهدافها، لم يجد رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز سوى عبارة "أنه بعد العاصفة تأتي أشعة الشمس" في تعبير واضح عن الامتنان للصين. وتعني هذه العبارة أنه "بعد الوباء ينبغي التفكير في تعاون أكثر كثافة"، وفق صحيفة "دي تسايت" الألمانية (خاصة).
كما نجحت مساعدات بكين للدول "الأكثر تضررا من أزمة كورونا" في الترويج لصورة الصين كـ"قوة عظمى مليئة بالإنسانية"، وفق "دي تسايت". ووصل الأمر إلى قول رئيس صربيا ألكسندر فوسيتش في تصريحات صحفية حديثة: "لا يوجد تضامن أوروبي. إنها قصة خيالية للفقراء. نأمل في الدولة الوحيدة القادرة على التعامل معنا في هذا الوضع الصعب؛ نأمل في مساعدة جمهورية الصين الشعبية".
صحيفة دي تسايت علقت قائلة: "مع ذروة انتشار كورونا في الصين في يناير وفبراير الماضيين، بدا نموذج النهضة الصيني يهتز بقوة، لكن بكين خرجت منتصرة على ما يبدو، والآن تريد استغلال هذه التجربة في تحقيق صعود دولي".
aXA6IDE4LjE4OC4yMDUuOTUg جزيرة ام اند امز