هذا التصعيد الدبلوماسي و"تقاذف" الدبلوماسيين يطرح تساؤلات حول غض نظر المجتمع الدولي، وعدد من الدول الغربية عن الدول الداعمة للإرهاب.
طردت روسيا عشرات الدبلوماسيين الغربيين من أكثر من 20 دولة، وفي المقابل طردت 29 دولة غربية قرابة 150 دبلوماسياً روسياً إلى حد الآن.
وبدأت عملية تبادل القصف بالدبلوماسيين بعد توجيه بريطانيا اللوم لروسيا وتحميلها مسؤولية الهجوم بغاز الأعصاب على الجاسوس الروسي السابق، سيرغي سكريبال وابنته يوليا وهو ما نفته موسكو.
ووصل حجم المخاوف من تصعيد الأوضاع إلى تحذير الأمين العام للأمم المتحدة، انطونيو غوتيريش، من الوصول إلى موقف مشابه لما عاشته العلاقات مع روسيا أثناء الحرب الباردة
لماذا تغض هذه الدول النظر عن العبث الإيراني في المنطقة، ودعم الحرس الثوري المباشر عبر تدريبه للمقاتلين، أو مدّهم بالسلاح، وحتى مشاركة قادته شخصياً على الأراضي العراقية وبين سوريا ولبنان؟
وفي الوقت الذي حذرت روسيا رسمياً عبر خارجيتها السفير البريطاني، واتهام بريطانيا بأنها السبب في طرد الدبلوماسيين الروس من الدول الأخرى بعد مواقفها و"الإجراءات الاستفزازية" التي اتخذتها.
هذا التصعيد الدبلوماسي و"تقاذف" الدبلوماسيين يطرح تساؤلات حول غض نظر المجتمع الدولي، وعدد من الدول الغربية عن الدول الداعمة للإرهاب.
استهداف جاسوس وابنته على الأراضي البريطانية صعّد الأمور وأربك الخطط الدبلوماسية لزمن لن يكون قصيراً، ودعم دول مثل قطر وتركيا للإرهاب يواجه بتجاهل لا نعلم إلى متى سيستمر.
عشرات السنين وقطر تستضيف العقول التي خلقت التشدد في عالمنا العربي وصدرته لبقية دول العالم. منحتهم حسن الضيافة ومولت نشاطاتهم، والعالم يراقب بصمت ثمنه مدفوع، بين صفقات أسلحة ومعدات واستثمارات لا يعلم الشعب القطري عنها شيئاً، وحتى إن علم لا يعرف مدى فائدتها عليه.
وتطورت الأمور منذ نهاية 2010 إلى دعم شبه معلن للجماعات الإرهابية والأفراد، بتزويدهم بالمعدات التي أشعلت الحروب الإعلامية، وحرّكت آلة ضخمة وجنّدت عشرات الآلاف لخدمة وسائل التواصل الاجتماعي، وتوجيهها لصدور حكومات بلدان مستقرة، وحاربتها إلى أن أطاحت بها، ألا يعتبر هذا غاز أعصاب وعقول، وسما دمر شعوباً؟
النتيجة واضحة جليّة على كل الميادين، وحان الوقت لتدخل المحققين الدوليين لأخذ العينات وتحليل أسباب الدمار ومحاسبة المسؤولين.
ملايين المشردين، آلاف القتلى، والنزيف متواصل والصمت الدولي مخيف، كل الكيانات التي وصل إليها القانون الحديث لتحقيق العدالة الدولية، نرى الآن أن الوقت قد حان لمراجعة ضرورة وجود هذه الكيانات، وهل حان الوقت للتغيير أو التطوير؟
نحن أبناء عصر الرعب والإرهاب، يجب أن نفكر في طريق جديد للأمان لن يتحقق إلا ببداية رحلة جديدة نحو البحث عن العدالة الجديدة التي نحتاجها.
كل المفاهيم تغيرت مع ما نراه الآن، الإرهاب لن يزول إذا تواصل شراء المواقف وشراء الصمت بالأموال، أو شراؤها بتبادل المصالح كما هو شأن تعاون وتعامل الدول الغربية مع إيران وتركيا.
تركيا التي فتحت حدودها ذهاباً وإياباً لتمرير الإرهابيين الذين شردوا شعباً ودمروا دولاً، ثم تلعب دور الدولة الأكثر إنسانية في المنطقة باستضافة المشردين وضحايا ما تسببت فيه من دمار.
أين العالم والدبلوماسية هنا، وأين المنظمات الدولية والمحققون، وبعثات الأمم المتحدة، التي ومع الأسف، فشلت في المرحلة الأخيرة في حل النزاعات، وإيقاف نزيف الدماء؟
تحقيقات لم نر نتائج لها، لا في ليبيا التي كان للمال القطري الدور الأكبر في خلق النزاع فيها، وإحياء النزعات القبلية والتعصب والقتل. بتعاون مع الحليف التركي الذي يريد أن يستعيد أمجاده بلعب دور مهما كان في منطقتنا العربية، نفس النتائج نراها في سوريا لكن بسيناريوهات مختلفة.
داعش الذي تمدد وقتل وهدد العالم، وأفرز الآن كيانات ستعاني من وجودها الأجيال القادمة عالمياً وليس في الدول الإسلامية فحسب، كيانات تنقسم إلى عشرات التسميات أهمها الخلايا النائمة، والذئاب المنفردة، والمتشددون والرافضون لكل ما وصلت إليه الحضارة الإنسانية من نور.
والأشد قسوة علينا الآن هو أن داعمي الإرهاب هم حكام دول ويتحججون بتطبيق ودعم تطبيق القانون في المنطقة، يعتمدون الزيف وفتاوى جماعات متعصبة همها الوحيد هو المال والسلطة.
كما لا يفوتنا الإشارة إلى تغاضي الأمم المتحدة ودول الغرب عن إيران والدور الشيطاني الذي تلعبه في المنطقة.
الغرب أبدى بعض المواقف والخلافات لكنها حصرت في محاسبة إيران ومراقبتها حول مسألة تخصيب اليورانيوم وامتلاك السلاح النووي فقط.
وهنا سؤالي: لماذا تغض هذه الدول النظر عن العبث الإيراني في المنطقة، ودعم الحرس الثوري المباشر عبر تدريبه للمقاتلين، أو مدّهم بالسلاح، وحتى مشاركة قادته شخصية على الأراضي العراقية وبين سوريا ولبنان؟
محاولة تسميم الجاسوس الروسي وابنته، فقط محاولة ضد شخصين وهنا لا أقلل من خطورة هذا العمل الإجرامي، لكن أدعو لمقارنة هذا العمل الذي عصف بالعلاقات الروسية الدبلوماسية مع عشرات الدول.
مقارنة فقط بما تسبب فيه ثلاثي الشر من دمار وموت واستنزاف للبشر عقولاً وأجساداً وأجيالاً، وما قام به العالم ومنظماته تجاه ما يحدث.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة