يقابل الإرهابَ "الرخيص" إرهابٌ آخر أكثر تنظيماً وفتكاً، تقوض فيه المنظمات الإرهابية من سلطات الدولة وتختطف القرار.
في ذلك اليوم الربيعي المعتدل كان يوم الحسم لكل من تامرلان وأخيه جوهر تسارناييف، موعد التنفيذ المنتظر لهجمتهما الإرهابية، أعدّا ما استطاعا من عدة مواد بدائية يمكن شراؤها من البقالة المجاورة، مجموعة مسامير وقِدر ضغط وفتيل كهربائي للتفجير، استهدفا ماراثون بوسطن السنوي؛ حيث يحتشد عشرات الآلاف من المشاركين للوصول إلى خط النهاية، انفجرت العبوة الناسفة (الطنجرة) الأولى، وتبعتها الأخرى بعدها بثوانٍ معدودة، وخلفت هذه الهجمة الإرهابية ٣ ضحايا وعشرات المصابين. هجوم ماراثون بوسطن في عام ٢٠١٣ يشكل مثالاً لظاهرة الذئاب المنفردة وتجلياً للإرهاب "الرخيص".
هذا النوع الرخيص من الإرهاب ينفذه إرهابيون غير مدربين يستخدمون متفجرات بدائية وأسلحة بيضاء أو في بعض الأحيان رشاشات شبه أوتوماتيكية، خطراً على أمن المجتمعات والدول وتهديداً لسلامة أرواح الأبرياء في شتى مدن العالم، وتعمل أجهزة الاستخبارات ومراكز البحث لتحليل هذه الهجمات والتنبؤ بها ومحاولة اعتراضها، كما أنشئت مراكز دولية لمكافحة التطرف، وأنشئت تحالفات دولية تقوده عظمى الدول؛ لمحاربة تنظيمات إرهابية تبث رسائلها لتنفيذ هذا النوع من الإرهاب "الرخيص".
تجاوز استهداف المدنيين بعبوات أو أحزمة ناسفة أو حوادث طعن أو دهس.. وبلغ حد استخدام صواريخ عمياء بعيدة المدى لا تفرق بين هدف عسكري ومدني أو بين مطار دولي ومجمع سكني
ويقابل الإرهابَ "الرخيص" إرهابٌ آخر أكثر تنظيماً وفتكاً، تقوض فيه المنظمات الإرهابية من سلطات الدولة وتختطف القرار، ويصبح لها جناح عسكري وجناح إعلامي ومجلس سياسي أو ديني، كما تقدم لأتباعها الخدمات الاجتماعية كالتعليم والخدمات الصحية، وتقيم شبكات تمويل معقدة وذخيرة عسكرية خطيرة.
لا شك أن المجتمع الدولي والمنظمات الدولية ومراكز الأبحاث والمنظمات الإنسانية والمنظمات غير الربحية ساهمت وبذلت الكثير من المال والجهد لمكافحة الإرهاب والتطرف بأنواعه المختلفة، ونشاهد ونقرأ بشكل يومي عن المؤتمرات والنشرات والمبادرات الاقتصادية التي تعمل على رفع المستوى الفكري والاقتصادي للفرد؛ حتى لا ينضم إلى قطيع الذئاب، هذه التكاليف الباهظة تُدفع من أجل مواجهة نوع "رخيص" من الإرهاب. وهنا نتساءل: كم ضِعفاً من المال والجهد وجب علينا بذله لإيقاف الشكل الأكثر تنظيماً من الإرهاب؟!
أطلقت جماعة أنصار الله (الحوثي) في الخامس والعشرين من مارس/آذار 2018 سبعة صواريخ بالستية مستهدفة العاصمة السعودية (الرياض)، ليصل بذلك مجموع الصواريخ التي أطلقتها هذه المنظمة إلى 110 صواريخ حتى لحظة كتابة هذه الكلمات، فالأمر تجاوز استهداف المدنيين بعبوات أو أحزمة ناسفة أو حوادث طعن أو دهس، وإنما بلغ حد استخدام صواريخ عمياء بعيدة المدى لا تفرّق بين هدف عسكري ومدني، وبين مطار دولي ومجمع سكني.
هذا الإرهاب "البالستي" يشكل تطوراً خطيراً في تكتيكات الجماعات الإرهابية؛ فالمسافة بين الإرهابي وبين ضحيته مئات وقد تصل إلى آلاف الكيلومترات، كما أن الإرهابي لا يخاطر بحياته أثناء إطلاق هذه الصواريخ؛ فهو في حدود دولة أخرى، الأمر الذي يقوض من سلطات وصلاحيات أجهزة مكافحة الإرهاب في الدولة المستهدفة. كما أنها لا تكلف الحوثي وجماعته شيئاً؛ فهو غالباً يتحصل عليها مهربة عن طريق إيران في انتهاك متكرر لقرار الأمم المتحدة 2216.
عملية "عاصفة الحزم" و"إعادة الأمل" تشكّل علامة فارقة في تاريخنا المعاصر، فالتحالف العربي الذي تقوده المملكة العربية السعودية، وتشارك فيه الإمارات العربية المتحدة بفاعلية مع عدد من الدول العربية والإسلامية يُعتبر ذا أهمية كبيرة ومن نواحٍ عديدة، فمن الناحية الأخلاقية يحتم على دول التحالف العربي التدخل لرفع معاناة الشعب اليمني من العبث الحوثي والوقوف في صف الحكومة الشرعية، وإعادة القرار المختطَف من قبل هذه المليشيات المسلحة. ومن الناحية السياسية والاستراتيجية سعى التحالف لقطع اليد الإيرانية الساعية لتخريب المنطقة؛ كي لا يصبح اليمن تابعاً لقرار النظام الأصولي لملالي طهران الساعي للتمدد في كل حدب وصوب، ومن الناحية الرمزية فإن الدفاع عن اليمن هو دفاع عن العروبة؛ فاليمن هو أصل العرب.
ومربط الفرس هنا هو المنظور الأمني في الإرهاب ومكافحته، يخوض التحالف العربي معركة شرسة؛ دفاعاً عن أمنه المحلي والأمن الإقليمي ضد ميليشيا إرهابية مسلحة مؤدلجة تملك منظومة صواريخ بالستية، تقف وراءها إيران، وتلقت تدريبها من خبراء أعتى الجماعات الإرهابية كحزب الله، تهدد الملاحة الدولية في مضيق باب المندب، لا تتورع عن تجنيد الأطفال واختطاف الصحفيين وتعذيب المساجين وتجويع المدنيين ونهب المساعدات الإنسانية.
من الناحية العسكرية، حرر التحالف العربي 80% من الأراضي اليمنية، وأعادها إلى الحكومة الشرعية، كما أمّن الملاحة البحرية، وعمل مع القوات اليمنية المحلية على تفكيك جيوب تنظيم القاعدة في شبوة، ومن الناحية الإنسانية أطلق عمليات إنسانية شاملة وتبرعات مليارية لرفع المعاناة عن الشعب اليمني، وإنشاء البنى التحتية وتطوير الموانئ، وتسهيل دخول عمليات الإغاثة وتوصيل الغذاء والدواء. وقدّم خيرة أبنائه شهداء في سبيل هذه القضية العادلة، هذه التضحيات الغالية هي مثال للفاتورة الباهظة التي تكلفها عملية مكافحة الإرهاب المنظم، وأهمية التعاون الدولي لكبح جماحه.
نعود للقصة التي بدأنا بها المقال، حكمت المحكمة على جوهر تسارناييف بالإعدام فيما قُتل تامرلان أثناء تنفيذ الهجوم، ولمعرفة درجة خطورة "الإرهاب البالستي" تخيل الكارثة لو أن تامرلان وجوهر جهزا منصة إطلاق صواريخ بالستية بدلاً من "طنجرة"، بعد أن تلقيا تدريباً احترافياً من مستشاري حزب الله، وغطاء سياسي وإعلامي من خلال النظام الإيراني، وكانا يختبئان في تضاريس وعرة في حدود دولة أخرى، وأطلقا صواريخهما البالستية تجاه خط سير ماراثوان بوسطن وهما على يقين من هروبهما!
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة