مجتمع خال من السموم.. التحديات الصحية أمام COP28 "مقابلة"
زياد علاونة: بناء مجتمع خال من السموم للأجيال المقبلة
لأول مرة في تاريخ مؤتمرات أطراف اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، تأتي الصحة ضمن الموضوعات المدرجة على رأس أجندة مؤتمر الأطراف COP28، في دولة الإمارات أواخر العام الجاري.
وعلى الرغم من أن قضايا الصحة لم تكن تحظى بالاهتمام المطلوب في مؤتمرات الأطراف السابقة، فإن مؤتمر (COP27) في شرم الشيخ بمصر العام الماضي لفت الانتباه إلى التأثيرات السلبية الناجمة عن تغير المناخ وتداعياتها على قطاع الصحة، خاصة أن المنطقة العربية عانت خلال الفترة الأخيرة من هذه التأثيرات.
المهندس زياد علاونة، مؤسس ومدير المركز العربي لصحة البيئة، أعرب عن ترحيبه بإعلان دولة الإمارات العربية المتحدة بصفتها رئيس مؤتمر الأطراف (COP28) عن تخصيص يوم للصحة ضمن أجندة المؤتمر، للمرة الأولى في تاريخ مؤتمرات الأطراف.
وأكد مدير المركز العربي لصحة البيئة، في حوار مع "العين الإخبارية"، أن المركز -الذي جرى إنشاؤه العام الماضي ويتخذ من العاصمة الأردنية عمّان مقراً له- يستعد للمشاركة في قمة المناخ التي تُعقد في مدينة إكسبو دبي، في الفترة من 30 نوفمبر/تشرين الثاني إلى 12 ديسمبر/كانون الأول 2023، بالإضافة إلى المشاركة في الاجتماع الوزاري للصحة وتغير المناخ ضمن فعاليات المؤتمر.
كما لفت علاونة الانتباه إلى مجموعة من التحديات الصحية التي وضعها المركز ضمن أولويات خطة عمله خلال الفترة المقبلة، وعلى رأسها التأثيرات الصحية الناجمة عن الملوثات الكيميائية، وحشد جهود الدول العربية لمواجهة مثل هذه التحديات، والالتزام بمقررات الاتفاقيات والمعاهدات الدولية في هذا الصدد.
وفيما يلي نص الحوار:
- في البداية.. كيف بدأ إنشاء المركز العربي لصحة البيئة خاصةً أنه أحد أحدث المنظمات الإقليمية في المنطقة العربية؟
بدأت حكاية إنشاء أول مركز لصحة البيئة في المنطقة العربية خلال الاجتماع الإقليمي السادس لآسيا والمحيط الهادئ حول النهج الاستراتيجي للإدارة الدولية للمواد الكيميائية، والذي عُقد على سواحل البحر الميت بالمملكة الأردنية، خلال الأسبوع الأول من يوليو/تموز 2022، وجاء إنشاء المركز ضمن سلسلة مراكز إقليمية في مناطق مختلفة من العالم، منها المركز الآسيوي لصحة البيئة ويوجد مقره في بنغلاديش، والمركز الأفريقي للصحة البيئية بالعاصمة الكاميرونية ياوندي، ومركز أمريكا اللاتينية للصحة البيئية في مونتفيديو عاصمة أوروغواي، والمركز الأوروبي لطب البيئة في العاصمة الألمانية برلين.
وأثناء افتتاح المركز العربي لصحة البيئة في عمّان، أشاد رئيس التحالف العالمي لطب أسنان بدون زئبق شارلي براون بجهود المملكة الأردنية في التصدي للقضايا الصحية المرتبطة بالبيئة، خاصةُ في مجال الملوثات الكيميائية، فيما أعرب الأمين العام لوزارة البيئة الأردنية الدكتور محمد الخشاشنة عن تطلعه إلى أن يجمع المركز الجديد الدول العربية، سواء حكومات أو مجتمعا مدنيا أو جامعات، مع الهيئات الدولية، نحو بناء مجتمع خال من السموم للأجيال المقبلة.
- ما أبرز الأهداف التي يسعى المركز العربي لصحة البيئة إلى تحقيقها بصفته منظمة إقليمية لخدمة شعوب الدول العربية؟
في سبيل الوصول للهدف الرئيسي، الذي يتمثل في بناء مجتمع خالٍ من السموم، يسعى المركز العربي إلى تحقيق مجموعة من الأهداف الفرعية، منها تلبية الحاجة الناشئة في مجال صحة البيئة بالمنطقة العربية، وتسهيل تبادل الخبرات والتعاون بين الدول العربية لحماية البيئة والصحة العامة، وتطوير السياسات والاستراتيجيات الهادفة للقضاء على الملوثات البيئية في المنطقة العربية، والعمل كمراقب ضد الاستخدام الصناعي للمواد الكيميائية، ووقف تجارة المواد السامة للدول النامية، إضافة إلى بناء شبكة من المناصرين العرب لوقف استخدام حشوات الزئبق في علاج الأسنان، خاصةً الأطفال والنساء الحوامل والمرضعات.
كما يعمل المركز العربي لصحة البيئة، انطلاقاً من عمان ووصولاً إلى مختلف العواصم العربية، على إجراء البحوث الأساسية وتطوير المناهج التعليمية، ودعم الدول العربية في مجال المصادقة على اتفاقية الأمم المتحدة الخاصة بحماية الإنسان والبيئة من أضرار الزئبق ومركباته، المعروفة باتفاقية "ميناماتا"، فضلاً عن العمل على قضايا الملوثات الكيميائية الأخرى الأكثر إلحاحاً في المنطقة العربية، وزيادة الوعي، وبناء القدرات، ودعم النهج الاستراتيجي للإدارة الدولية للمواد الكيميائية.
- ما أبرز القضايا الصحية التي يتعامل معها المركز العربي لصحة البيئة في الفترة الحالية؟
يعمل المركز العربي لصحة البيئة كمبادرة جديدة لبناء شبكة بين الدول العربية للعمل بشكل وثيق مع القضايا الصحية المرتبطة بالبيئة، ومنها المشكلات الصحية الناجمة عن تغير المناخ، وكذلك مشكلات الصحة المرتبطة بالتلوث بالمواد الكيميائية، مثل الزئبق والرصاص، ويستهل المركز سلسلة نشاطاته ببرنامج عمل مكثف لدعم حملة طب أسنان بدون زئبق، من خلال الدعوة لوقف استخدام حشوات الأملغم في كافة الدول العربية من الخليج إلى المحيط، ويسعى المركز، في هذا الصدد، إلى قيادة مجموعة من المبادرات البيئية، والعمل على تنفيذ الاتفاقيات البيئية متعددة الأطراف بشكل أفضل.
ويمكن القول هنا إن المركز العربي لصحة البيئة، وبالتعاون مع التحالف العالمي لطب أسنان بدون زئبق، ومع الشبكة العربية للبيئة والتنمية، انتهى من وضع استراتيجية لتقليل استخدام حشوات الأسنان الزئبقية تدريجياً، من خلال تحديد الأهداف الوطنية لتقليل استخدام الأملغم في كل دولة، وتوعية المواطنين وأطباء الأسنان بمخاطر هذه الحشوات، مع اقتراح خطة لتحديث المناهج بكليات طب الأسنان، وتعديل برامج وسياسات التأمين الصحي، والعمل على وقف استخدام الأملغم نهائياً في علاج أسنان الأطفال والنساء الحوامل والمرضعات، مع العمل على توفير البدائل الملائمة.
- ما المؤسسات والمنظمات الدولية والإقليمية التي يقوم المركز بالتنسيق والتعاون معها في سبيله لتحقيق أهدافه؟
يقوم المركز بالتنسيق مع القطاعات والجهات والفئات المستهدفة في كافة الدول العربية، ومنها القطاعات الحكومية والتشريعية، لضمان توفر إطار قانوني للتحول نحو منتجات خالية من الزئبق، واستخدام أفضل التقنيات والتكنولوجيا لتلك الصناعة، التي لا تزال تستخدم الزئبق، وكذلك القطاع الصناعي، من خلال الاستثمار في الإنتاج الأفضل والفعال، وكذلك الاستثمار في بدائل الزئبق، ومع المنظمات الحكومية وشبه الحكومية، لمساعدة القطاع العام من خلال تقديم المساعدة الفنية، وبناء القدرات وحشد الموارد.
كما يعمل المركز بشكل وثيق مع كليات طب الأسنان بمختلف الجامعات في الدول العربية، من أجل توعية الطلاب بمخاطر الزئبق على صحة الإنسان والبيئة، وتعريفهم بالبدائل المتاحة التي يمكن استخدامها في علاج الأسنان، بدلاً من حشوات الأملغم، مع اقتراح خطة عملية قابلة للتنفيذ، ووفق جدول زمني محدد، للتوقف تماماً عن استخدام الزئبق في طب الأسنان.
وكذلك، يعمل المركز العربي لصحة البيئة مع العديد من المنظمات الدولية والإقليمية، مثل منظمة الصحة العالمية، وجامعة الدول العربية، وسكرتارية اتفاقية ميناماتا، والشبكة العالمية للتخلص من الملوثات الكيميائية، كما ينتهج المركز مجموعة من الوسائل التي تساعده في تحقيق أهدافه، تعتمد على استراتيجيات اتصال منخفضة التكلفة، للتوعية بمخاطر استخدام حشوات الزئبق في علاج الأسنان، والتشجيع على استخدام البدائل المتاحة، والعمل على توفيرها بتكلفة اقتصادية مقبولة.
- ما أولويات المركز بالنسبة للقضايا البيئية التي تعاني منها المنطقة العربية؟
ترتكز أولوية عمل المركز العربي لصحة البيئة في هذه المرحلة على التحضير للمشاركة في مؤتمر أطراف اتفاقية الأمم المتحدة بشأن تغير المناخ (COP28)، لعرض رسالة وطبيعة دور المركز في التعامل مع المشكلات الصحية الناجمة عن القضايا البيئية، وكذلك عرض الفرص الممكنة لمساعدة الدول العربية في هذا المجال، من خلال اقتراح الاستراتيجيات والخطط التنفيذية، وبناء القدرات، وغير ذلك من الإجراءات الممكنة للوصول إلى الهدف الأساسي وهو بناء مجتمع خال من السموم للأجيال المقبلة في منطقتنا العربية.
كما يعمل المركز، خلال الفترة الحالية، على تفعيل "تعديل الأطفال" في اتفاقية ميناماتا، الخاص بمنع استخدام حشوات الزئبق في علاج أسنان الأطفال، والذي من المقرر أن يدخل حيز التنفيذ في 28 سبتمبر/أيلول 2023، وتشجيع الدول العربية على إصدار تشريعات تتواءم مع ذلك التعديل، ودعم ومساندة الدول التي لم تصادق على الاتفاقية للمصادقة عليها، مع العلم بأن تفعيل التعديل لا يتطلب المصادقة، فهو إجراء وطني يمكن أن تقوم به الدول العربية لحماية صحة الفئة الأكثر تعرضاً وتأثراً بالزئبق، مثلما فعلت تونس، التي أصدرت تشريعاً بمنع استخدام الزئبق في حشوات أسنان الأطفال والنساء الحوامل والمرضعات، رغم أنها لم تصادق بعد على اتفاقية ميناماتا.