الدرعية.. عاصمة التأسيس السعودية مركز إشعاع ثقافي وحضاري ملهم
قبل 3 قرون لعبت الدرعية دورا في توحيد شبه الجزيرة العربية وتأسيس الدولة السعودية الأولى، لتصبح شاهدة على محطات مهمة في تاريخ المملكة.
محطات تاريخية، جعلتها تحظى بمكانة تاريخية وتراثية فريدة في المنطقة والعالم، نظرا لما تزخر به من كنوز ثقافية وأدبية وفنية وتراثية. وتوجت تلك المكانة بتسجيل حي الطريف بالدرعية في قائمة "يونسكو" للتراث العالمي عام 2010، فضلا عن اختيارها عاصمة للثقافة العربية 2030.
وأخذت القيادة السعودية على عاتقها تطوير عاصمة التأسيس والنهوض بها، ووضعت تطويرها ضمن مشاريع رؤية 2030.
وتحتفل السعودية، الخميس، بيوم التأسيس 2024، الذي يوافق ذكرى تأسيس الدولة السعودية الأولى قبل نحو 3 قرون، مع تولي الإمام محمد بن سعود حكم الدرعية (العاصمة الأولى للدولة والتي تبعد عن مركز الرياض العاصمة حاليا 20 كيلومترًا منتصف عام 1139هـ الموافق 22 فبراير/شباط 1727م).
وتعيد تلك المناسبة التاريخية المهمة تسليط الضوء على "الدرعية" عاصمة الدولة السعودية الأولى، بأحيائها القديمة، ومعالمها التراثية، الشاهدة على تاريخ المملكة العربية السعودية العريق، لتكون ضاحية ثقافية بمستوى عالمي.
جوهرة المملكة
وتعد الدرعية التاريخية جوهرة المملكة العربية السعودية، تبعد عن مركز الرياض العاصمة حوالي 20 كيلومترًا، ويحتضنها وادي حنيفة الخصب الواقع شمال غرب مدينة الرياض.
ترتفع الدرعية نحو 700 متر عن سطح البحر، ويقع شمالها عدد من بلدات نجد القديمة، من أبرزها الجبيلة والعيينة، وإلى الجنوب منها بلدة عرقة.
وقد امتدت الدرعية في أوج عظمتها على مسافة 8 كيلومترات على جانبي وادي حنيفة من العلب شمالا حتى المليبيد جنوبًا، وتعد الدرعية من المواقع الاستراتيجية المهمة، فهي تقع وسط الجزيرة العربية متربعة على قمة جبال طويق.
تأسست الدرعية عام 850هـ/ 1446م، على يد مانع بن ربيعة المريدي، جد الأسرة السعودية المالكة، حيث اجتهد في عمارة الدرعية وأصبحت من أقـوى إمارات نجد ولها دور بارز في تأمين طرق الحج والتجارة بين شرق الجزيرة وغربها.
الدولة السعودية الأولى
وبعد قرون من تأسيس الدرعية، مرت شبه الجزيرة العربية بفترة شهدت فوضى سياسية وعانت بلدانها وأقاليمها من فرقة وتشتت والاقتتال والحروب فيما بينها.
وبدأ تأسيس الدولة السعودية الأولى مع تولي الإمام محمد بن سعود حكم الدرعية منتصف عام 1139هـ (22 فبراير 1727م)، وكان عمره آنذاك 30 عاما (ولد في الدرعية عام 1697م).
رغم صغر سنه إلا أنه كان لدى الإمام محمد بن سعود نظرة مستقبلية لإنشاء حضارة تزدهر عبر القرون، فرفع شعار الوحدة، وبدأ بمدينته "الدرعية" ووحَّد شطريها، وجعلها تحت حكم واحد، بعد أن كان الحكم متفرقًا بين مركزين لها.
وجرى في هذا العهد بناء حي جديد في سمحان وهو حي الطرفية والانتقال إليه بعد أن كان حي غصيبة هو مركز الحكم لفترة طويلة.
ومع بداية عهده، بدأ مرحلة جديدة في شبه الجزيرة العربية، حيث وضع لبنة البناء والوحدة التي وحدت معظم أجزائها، وأصبحت الدرعية عاصمة لدولة مترامية الأطراف.
وتوالت الإنجازات في عهد هذه الدولة ومنها: نشر الاستقرار والاستقلال السياسي وعدم الخضوع لأي نفوذ في المنطقة أو خارجها.
عاصمة العلم والثقافة
وخلال عهد الإمام محمد بن سعود الذي توفي عام 1765م ومن بعده من الأئمة، أصبحت مدينة الدرعية عاصمة لدولة مترامية الأطراف، ومصدر جذب اقتصادي واجتماعي وفكري وثقافي، ولقد هاجر إليها كثير من العلماء من أجل تلقي التعليم والتأليف الذي كان سائدًا حينها ما أدى إلى ظهور مدرسة جديدة في الخط والنسخ.
فأصبحت الدرعية قاعدة الدولة ومقر الحكم والعلم والعلماء على مدار 91 عاما هي عمر الدولة السعودية الأولى.
وتزخر الدرعية حتى اليوم بالعديد من المعالم التي كانت شاهدة على تلك الفترة التاريخية المهمة، التي شهدت أولى قواعد تاسيس السعودية، ومن أبرزها:
حي الطريف
يزخر حي الطريف بالدرعية بآثار وتاريخ عريق، حيث تسافر بك عمارته النجديّة الأصيلة إلى الدولة السعودية الأولى، فمن قلب مهد المملكة العربية السعودية، ونقطة التقاء قوافل التجّار في شبه الجزيرة العربية، إلى أماكن شهدت الكثير بين جنباتها.
يُعدّ حي الطريف أهم معالم الدرعية التاريخية، والعنصر الأساسي للتطوير فيها، فقد كان مقراً لسكن الإمام محمد بن سعود وأسرته، ومقراً للحكم في الدولة السعودية الأولى، ويحتضن أهم معالم الدرعية وقصورها ومبانيها الأثرية، وفي مقدمتها: قصر سلوى.
وخضع الحي لأعمال تطوير كثيرة، تتراوح بين تأهيل المنشآت الأثرية في الحي بعد توثيقها وترميمها وتجهيز المنشآت المعمارية لاحتضان الأنشطة والفعاليات الثقافية والتّرويحية، ضمن مشروع تطوير الدرعية التاريخية الذي يهدف في مجمله إلى إعمارها وتحويلها إلى مركز ثقافي تراثي سياحي عصري، لتأخذ مكانها في مصاف المدن التراثية العالمية.
قصر سلوى
ويعد قصر سلوى أحد أهم عناصر حي الطريف، ويقع القصر على مساحة 960 مترًا مربعًا شمالي الدرعية، أسسه الإمام عبد العزيز بن سعود عام 1765م، بعد توليه الحكم خلفا لوالده الإمام محمد بن سعود مؤسس الدولة السعودية الأولى.
وسُمي القصر بـ(قصر سلوى)، لِما يحمله بناءه وتنوع مرافقه من سلوى وأنس لزائره والساكن به، إذ كان آنذاك معلمًا عمرانيًا عظيمًا بطراز نجدي أصيل، ورمزًا مهيبًا للدولة السعودية الأولى.
وقد كان قصر سلوى مقرّ حكم الدولة السعودية الأولى ومنزل أمرائها وأئمتها، حين كانت الدرعية محطة جوهريّة، ونقطة انطلاقٍ أعادت رسم تاريخ البلاد، فتحكي زوايا القصر مجرياته في أفلام وثائقية، ولوحات، وتحف قديمة، بقاعات عرض أربع، لذلك يعرف القصر باسم (متحف الدرعية).
سارية الدرعية
من قلب الدرعية، بتاريخها الذي رافق مراحل تأسيس وتوحيد المملكة العربية السعودية، يرتفع العلم السعودي على سارية ميدان الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، والتي تعتبر أعلى سارية في العاصمة الرياض.
تحظى سارية الدرعية التي يبلغ ارتفاعها نحو 104 أمتار، بعناية خاصة على مدار الساعة، تحت إشراف كادر هندسي متخصص، ففي كل صباح، يُفحص علم السارية الذي يبلغ طوله 30 مترًا، وعرضه 20 مترًا، للتأكد من سلامته، واستبداله عند الحاجة.