مغارات وحافلات منسية.. سوريون يبحثون عن الأمان
أم جمعة وأولادها من بين 400 ألف شخص نزحوا خلال آخر 4 أشهر نتيجة التصعيد العسكري في شمال غرب سوريا ولجأوا إلى مناطق أكثر أمناً.
اتخذت أم جمعة من حافلة صدئة أشبه بالخردة منزلاً لها ولأطفالها، بعدما ضاقت بها سبل العيش عقب فرارها من منزلها الذي استهدفته غارات مراراً، ومقتل زوجها نتيجة التصعيد العسكري في شمال غرب سوريا.
تغالب أم جمعة (44 عاماً)، وهي أم لـ7 أولاد أكبرهم فتاة متزوجة تعيش بعيداً عنها، دموعها وهي تروي معاناتها مع أطفالها الـ6 الذين يقيمون معها.
وتقول: "قُصف بيتي أول مرة، ثم مرة ثانية، لكننا بقينا فيه 4 أشهر، وحين نزح أهل البلدة نزحنا معهم".
قبل 4 أشهر، أعدت السيدة ما تمكّنت من حاجيات وانطلقت مع أولادها، أكبرهم جمعة (18 عاماً)، من قرية الشريعة في ريف حماة الشمالي الغربي وصولاً إلى قرية بيرة أرمناز في ريف إدلب الغربي.
أقامت أم جمعة، التي فقدت زوجها قبل 7 أشهر جراء قصف مدفعي، مع أولادها في العراء قبل أن ترصد حافلة متوقفة وسط حقل زيتون.
وتقول: "أتينا إلى هنا، نظفنا الحافلة وسكنت فيها مع أطفالي".
غطت أم جمعة النوافذ المكسّرة بالقماش، ومدّت حبالاً في الحافلة علقت عليها الغسيل وأكياسا بلاستيكية مليئة بالحاجيات، وقسمت داخلها الخالي من المقاعد إلى جزأين يفصل بينهما شرشف معلق.
الجزء الخلفي مخصّص للنوم تكوّمت فيه البطانيات والفرش، والثاني للطبخ وغسيل الأواني، وضعت فيه حاجيات بطريقة عشوائية كإبريق الشاي والمعالق والصحون ومواد غذائية.
وتشكّل الحافلة أيضاً مصدر تسلية للأطفال؛ إذ تجلس مرام (10 سنوات) خلف المقود وتدّعي أنها تقودها، ثم يحين دور شقيقتها عائشة (12 عاماً) التي تضع في حضنها شقيقها الأصغر محمد (3 سنوات).
أم جمعة وأولادها من بين 400 ألف شخص نزحوا خلال آخر 4 أشهر نتيجة التصعيد العسكري في شمال غرب سوريا، ولجأوا إلى مناطق أكثر أمناً، وفق الأمم المتحدة، واتخذ بعضهم من حقول الزيتون ملجأ لهم، أو التحقوا بالمخيمات والمناطق المحيطة بها قرب الحدود التركية شمالاً.
لا شيء هنا
في قرية كفرلوسين التي تعجّ بالنازحين قرب الحدود التركية في شمال إدلب، وجد أبو أحمد (49 عاماً) في كهف ملجأ ملائماً للعيش بدلاً من خيمة لن تقيه وعائلته من برد الشتاء المقبل.
وفرّ هذا الرجل قبل 3 أشهر مع زوجته و3 من أولادهم من قريتهم ترملا في ريف إدلب الجنوبي، وانتهى بهم الحال في خيمة في كفرلوسين، إلا أنهم رأوا بعد ذلك أن الخيار الأفضل هو الانتقال للعيش في مغارة حفرها أبو أحمد بيديه.
يتصبّب العرق من جبين أبو أحمد وهو يكسر بمطرقة وإزميل الصخور التي تتشقّق أمامه، ويساعده ابنه عبدالله (11 عاماً) الذي يجمع الحجارة المتساقطة ويرمي بها خارجاً، أو يحضر الشاي لوالده وقت الاستراحة.
ويقول الرجل الذي أنهكه التعب: "حين كنا في ترملا، وطوال فترة الثورة، حفرنا (أهل البلدة) مغارة، ومن هنا جاءتني الفكرة، كون كفرلوسين أيضاً منطقة جبلية".
ويوضح: "هناك كانت لحمايتنا من الطيران، أما هنا فخوفاً من البرد؛ لأن الخيمة لا تحمي لا من صيف ولا من شتاء"، ويضيف: "أريد مغارة تتلاءم مع عدد أفراد الأسرة".
بعد 3 أشهر من التعب والعمل اليومي، بات الملجأ الجديد جاهزاً. فرشته أم أحمد بسجادة خضراء كبيرة، ووضعت في إحدى الزوايا البطانيات وفي أخرى الأواني المنزلية، وعلى إحدى الصخور عبوات بلاستيكية مليئة بالكبيس.
على مسمار في الحائط، علّق أبو أحمد براد مياه صغير للحفاظ على برودة المياه وسط الجو الحار.
يتربّع أبو أحمد على الأرض يدخن سيجارته ويشرب الشاي، وإلى جانبه زوجته تمسح العرق عن جبينها وتلاعب طفلها محمد (عامين ونصف).
وتقول المرأة التي ارتدت عباءة زرقاء اللون مزركشة بالأسود والبني: "قضينا عمرنا نعمل ونتعب ونبني، وفي لحظة يأتي الطيران وبصاروخ واحد يدمّر كل شيء".
في المغارة التي بدت أشبه بفوهة صغيرة في جبل صخري، تشير أم أحمد إلى المشهد من حولها قائلة: "هذا هو سكننا اليوم، هذه هي عيشتنا، انظروا من حولكم، لا شيء هنا".