وثائق تكشف عن خلاف أمريكي–إسرائيلي حول الاستيطان على هامش كامب ديفيد
مذكرات أمريكية تنشر للمرة الأولى تكشف عن المراوغة الإسرائيلية حول موضوع الاستيطان بالأراضي الفلسطينية على هامش مفاوضات كامب ديفيد.
تكشف مذكرات أمريكية تنشر للمرة الأولى عن المراوغة الإسرائيلية حول موضوع الاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة على هامش مفاوضات كامب ديفيد الأولى، رغم المعارضة الأمريكية والمصرية الشديدتين التي دفعت الرئيس الراحل محمد أنور السادات إلى تعليق المفاوضات لا سيما بعد قرار تل أبيب ضم القدس الشرقية عام 1980.
وأفرجت وزارة الخارجية الأمريكية عن مئات البرقيات الدبلوماسية التي تعود للفترة الممتدة من أغسطس/آب 1978 حتى ديسمبر/كانون الأول 1980.
وتستعرض "العين الإخبارية" فيما يلي عددا من البرقيات التي تظهر خلافات أمريكية-إسرائيلية حول موضوع الاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
فقد وجّه الرئيس الأمريكي جيمي كارتر، رسالة إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي مناحم بيجن يوم 27 سبتمبر/أيلول 1978 حول الاستيطان اطلعت عليها "العين الإخبارية".
وقال كارتر بحسب ما جاء في نص الرسالة: "كما أشرت لكم من قبل؛ فإن فهمي للاتفاق الذي توصلنا إليه في كامب ديفيد فيما يتعلق بمسألة المستوطنات في الضفة الغربية وغزة هو على النحو التالي: بعد التوقيع على هذا الإطار وخلال المفاوضات، لن يتم إنشاء مستوطنات إسرائيلية جديدة في هذه المنطقة. سيتم الاتفاق على مستقبل المستوطنات بين الأطراف المتفاوضة".
وتابع: "ومن الواضح أن المفاوضات المشار إليها هي تلك المتعلقة بإنشاء الحكم الذاتي في الضفة الغربية وغزة؛ لأن الفقرة التي ناقشناها في وقت متأخر من مساء السبت كانت في ذلك الجزء من الوثيقة. لم تكن لها علاقة بمفاوضات سيناء، أود أن أكرر وجهة نظر حكومتي بأن المستوطنات يمكن أن تصبح عقبة خطيرة أمام السلام. يمكن لبناء المستوطنات الجديدة خلال المفاوضات أن تكون له عواقب وخيمة على نجاح تنفيذ الاتفاقات".
ولكن لدى تسلمه الرسالة في اليوم نفسه، وجّه بيجن رسالة إلى كارتر تضمنت فحوى اجتماع بينهما حول المستوطنات المشار إليه في رسالة الرئيس الأمريكي والذي عقد في 16 سبتمبر/أيلول 1978.
وجاء في الرسالة: "وفقا لمحضر هذا الاجتماع، كما سجل البروفيسور باراك، فقد اقترحت أنت النص التالي كالتزام من جانب حكومة إسرائيل: (بعد التوقيع على الإطار وخلال المفاوضات، لن يتم إنشاء مستوطنات إسرائيلية جديدة في المنطقة، ما لم يتم الاتفاق على خلاف ذلك. إن قضية المستوطنات الإسرائيلية الأخرى سيتم اتخاذ القرار بشأنها والاتفاق عليها من قبل الاطراف المتفاوضة)".
وأضاف: "كما ورد في المحضر ذاته فقد أجبتك عن نص الاقتراح هذا بالقول: (سأفكر في الأمر وسأكتب إليكم غدا)، بأي معيار، لا يمكن تفسير رد الفعل هذا على أنه قبول".
وتابع بيجن: "سوف تتذكر، السيد الرئيس، لقد ناقشت معكم خططنا لإنشاء عدد من المستوطنات في غضون الأشهر الثلاثة المقبلة، في هضبة الجولان، في محيط بئر السبع وأحيانا في غور الأردن".
ولفت بيجن إلى أنه وجه رسالة مكتوبة إلى كارتر في 17 سبتمبر/أيلول 1978 هذا نصها: "عزيزي السيد الرئيس، يشرفني أن أبلغكم أنه خلال الفترة المتفق عليها للمفاوضات من أجل إبرام معاهدة السلام، لن يتم إنشاء مستوطنات جديدة من قبل حكومة إسرائيل في سيناء، في منطقة غزة وفي منطقة يهودا والسامرة (الضفة الغربية)، وكما أظهر المحضر الذي سجله على الفور البروفيسور باراك، كان هذا هو الالتزام الوحيد الذي تحملته في كامب ديفيد نيابة عن حكومة إسرائيل فيما يتعلق بقضية المستوطنات. بكل الاحترام والصدق، مناحم بيجن".
وكتب السفير الأمريكي في إسرائيل في مذكرته: "عندما انتهى، أكد بيجن بشكل قاطع أنه لا يمكن أن يكون قد وافق على صيغة الولايات المتحدة. لسببين: كان من شأن هذه الصيغة أن تعني وقفا مؤقتا للمستوطنات الإسرائيلية الجديدة في الضفة الغربية وغزة، وستمنح العرب حق الاعتراض على الأنشطة الاستيطانية الإسرائيلية في تلك المناطق، لن يوافق أبدا على شيء من هذا القبيل".
ونوه السفير الأمريكي في إسرائيل في برقية وجهها إلى وزارة الخارجية الأمريكية في 26 سبتمبر/أيلول 1978 إلى اجتماعه مع وزير الخارجية الإسرائيلي، آنذاك، موشيه ديان: "كررت إلى ديان ما أخبرته عدة مرات منذ عودتي إلى إسرائيل. لقد كانت قناعة الرئيس القوية أن رئيس الوزراء (بيجن) قد وافق في كامب ديفيد على اللغة الأمريكية بشأن تجميد الاستيطان. على هذا الأساس، نقل الرئيس موقف الحكومة الإسرائيلية إلى السادات، الذي وافق بدوره على توقيع اتفاقيات كامب ديفيد. لقد كان الرئيس في وضع صعب للغاية، ولم يكن لديّ أي شك في أن هذا التفسير الإسرائيلي سيسبب مشاكل حقيقية في واشنطن".
وكانت الحكومة الإسرائيلية قد وافقت على تجميد الاستيطان لمدة 3 أشهر يتم الاتفاق خلالها على حكم ذاتي في الأراضي الفلسطينية.
في هذا الصدد، لفت ديان إلى رسالة بيجن إلى كارتر، وهذا نصها: "عزيزي السيد الرئيس، أتشرف بإبلاغكم أنه خلال فترة المفاوضات المتفق عليها (3 أشهر) لإبرام معاهدة السلام، لن تقوم حكومة إسرائيل بإنشاء مستوطنات جديدة في المنطقة. مع خالص التقدير لك، مناحم بيجن".
وكتب السفير الأمريكي في هذا الصدد: "أجبت أنه في ضوء التعقيدات المترتبة على مشاركة الفلسطينيين والأردنيين في المحادثات، فإن 3 أشهر كانت فترة قصيرة للغاية لاختتام المفاوضات المتعلقة بآليات إقامة سلطة الحكم الذاتي".
وعلى إثر ذلك، فقد جرت مكالمة هاتفية بين كارتر وبيجن في 28 سبتمبر/أيلول 1978، وجاء في النص الحرفي للمكالمة أن الرئيس الأمريكي قال حينها: " كان هناك خلاف مؤسف بيننا حول مسألة المستوطنات في الضفة الغربية وغزة. أريد حله بسرعة. لدينا اختلاف في الرأي".
وأضاف كارتر بعد أن أبلغه بيجن أنه وجّه له رسالة بشأن هذا الأمر: "أنا قلق بشأن سوء الفهم بيننا. لم يكن هناك أي فكر في ربط الضفة الغربية ومستوطنات غزة بمفاوضات سيناء. كما لم يكن هناك أي نقاش حول الوقف الاختياري لمدة 5 سنوات. آمل في أن نتوصل إلى لغة مشتركة متفق عليها".
ومضت الحكومة الإسرائيلية في قرارها وقررت إقامة مستوطنات، وعلى ذلك فقد وجه كارتر رسالة إلى بيجن في 26 أكتوبر/تشرين الأول 1978 هذا نصها: "عزيزي السيد رئيس الوزراء: لقد تشجعت من رسالتك بشأن الخطوات التي اتخذها مجلس وزراؤكم حول مشروع المعاهدة بين مصر وإسرائيل، ولكن أنا قلق للغاية من قراركم التخطيط لتوسيع المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية في الأسابيع المقبلة، في الوقت الذي نحاول فيه تنظيم المفاوضات التي تتعامل مع الضفة الغربية وقطاع غزة، لا يمكن لأية خطوة من جانب الحكومة الإسرائيلية أن تكون أكثر ضررا. على الرغم من أنني أعلم أنك قد ذكرت في محادثاتنا السابقة إمكانية بعض الزيادات الصغيرة من خلال جمع شمل الأسر، وأنا لا أعتقد أن القرار الذي تم الإعلام عنه في روح ما ذكرنا وما نحاول تحقيقه. يجب أن أخبركم بالقلق الشديد والأسف على أن اتخاذ هذه الخطوة في هذا الوقت ستكون له عواقب وخيمة على علاقتنا. علاوة على ذلك، أعتقد أنه قد يعرض للخطر أيضا معاهدة السلام التي نتفاوض بشأنها".
"وبالنظر إلى العواقب الوخيمة على كل شيء نعمل معا على تحقيقه، يجب أن أطلب منك تجنب أي تحرك بشأن مسائل من هذا النوع حتى يمكن معالجتها في سياق المفاوضات لإقامة سلطة الحكم الذاتي الفلسطيني في الضفة الغربية وغزة. مع خالص التقدير، جيمي كارتر".
وكان عضو طاقم الأمن القومي الأمريكي ويليام كونديت قد حدد في مذكرة إلى مساعد الرئيس الأمريكي لشؤون الأمن القومي برجينسكي في 27 أكتوبر/تشرين الأول 1978 الخطوات المتاحة لدى الولايات المتحدة الأمريكية، ردا على خطوات الاستيطان الإسرائيلي وهي بحسب نص مذكرته:
- تعليق الزيارة الثالثة (مساعد وزير الدفاع الأمريكي ديفيد) ماك جيفرت إلى إسرائيل إلى أجل غير مسمى.
- مراجعة البرامج الاقتصادية والعسكرية المتميزة وتأخير بعض البنود.
- تجاهل زيارة بيجن لنيويورك في أوائل نوفمبر/تشرين الثاني- دون دعوته لواشنطن.
- أن يدين البيان الرئاسي في المؤتمر الصحفي الأسبوع المقبل النشاط الاستيطاني كعقبة أمام السلام.
- تعليق مشاركة الولايات المتحدة في مفاوضات السلام بين مصر وإسرائيل.
- تعليق الزيارات الروتينية للمسؤولين رفيعي المستوى لإسرائيل.
وكتب: "أدرك أن الرئيس يواجه خيارا صعبا للغاية، خاصة عشية الانتخابات. لأسباب تتعلق بالسياسة الخارجية، أعتقد يمكن طرح القضية بالإصرار على موقفنا ومحاولة وضع بعض الأسنان في ذلك، حتى لو تأثرت المفاوضات بين مصر وإسرائيل مؤقتا. ولكن يجب اتخاذ أي قرار من هذا القبيل فقط بعد تحليل دقيق للغاية لجميع البدائل. إن نقطتي في هذه المذكرة هي ببساطة إبراز بعض الاعتبارات الرئيسية".
ولكن وبما يعكس المراوغة الفظة، كتب بيجن في رسالة إلى كارتر يوم 30 أكتوبر/تشرين الأول 1978: "عزيزي السيد الرئيس، أقر باستلام رسالتك بتاريخ 26 أكتوبر/تشرين الأول 1978، والتي قرأتها بأسف شديد. في كامب ديفيد، أبلغتكم، السيد الرئيس، أنه في حين أتعهد بعدم إنشاء مستوطنات جديدة في يهودا والسامرة وغزة خلال الأشهر الثلاثة المقبلة -الفترة المتفق عليها لمفاوضاتنا مع مصر- سنضيف مئات العائلات إلى المستوطنات القائمة. وفاءً لذلك، قرر مجلس الوزراء بالإجماع أن إضافة مئات العائلات هذه يجب أن يتم في المستقبل القريب. بعبارة أخرى، نحن نلتزم تماما بما أخبرتك به وكتبته لك في كامب ديفيد".
كبير مساعدي الرئيس الأمريكي لشؤون الشرق الأوسط ساندرز كتب في مذكرة إلى مساعد الرئيس الأمريكي لشؤون الأمن القومي برجينسكي في 19 يونيو/حزيران 1979: "إنني أدرك مدى الجدية التي ينظر بها الرئيس إلى النشاط الاستيطاني الإسرائيلي الأخير في ألون موريه، وأعرف أنه يدرس خيارات مختلفة. أكتب هذه المذكرة لأعبر عن رأيي بأن أفضل طريقة للتعامل مع هذه المشكلة هي الاستمرار في اتباع نهج عدم إثارتها على نحو واسع".
وأضاف: "أعتقد أن دخول الولايات المتحدة برنامج للضغط على إسرائيل لتغيير سياستها من شأنه أن يؤدي إلى نتائج عكسية. إنه سيوحد إسرائيل والجالية اليهودية الأمريكية (..)، وأعتقد أن هذه السياسة سيكون لها أثر سلبي ملموس على عملية السلام".
وتابع: "عواقب مثل هذه السياسة يمكن أن تكون ردا إسرائيليا مصمما لمقاومة الضغط الأمريكي وإظهار الاستقلالية، ونحن قد نكون في موقع فقدان المصداقية مع كل من إسرائيل والعرب. سوف يُنظر إلينا على أننا نضع سابقة للضغط الذي يجب تطبيقه على إسرائيل في كل نقطة حرجة في المفاوضات".
وكان الرئيس المصري السادات قد وجه رسالة حادة إلى كارتر في 16 مايو/أيار 1980 بعد قرار إسرائيل بضم القدس.
وجاء في نص الرسالة: "لقد قدمت الحكومة الإسرائيلية مشروعا إضافيا خاصا بها لإضفاء الطابع الرسمي على ضم القدس الشرقية وجعله غير قابل للإلغاء (..) من ناحية أخرى، أطلق مسؤولون إسرائيليون تصريحات استفزازية حول سياسة الاستيطان وعزمهم على بناء 14 مستوطنة جديدة".
وأضاف السادات، آنذاك: "لن يكون في مصلحة المفاوضات وفي الواقع، عملية السلام برمتها، عقد محادثات في هذا الجو من ارتفاع الإجراءات التوتر والأحادية التي تتعارض مع روح المصالحة. كما تعلمون، فإن قضية القدس حساسة تستحضر اهتمام ومشاعر 800 مليون مسلم. لقد اعترفنا عن طيب خاطر بالحقوق الدينية والثقافية لـ16 مليون يهودي في المدينة. وعلى المنوال نفسه، يجب احترام حقوق 800 مليون مسلم ومراعاتها".
وتابع: "لقد دعونا إلى وقف مؤقت وليس إنهاء المفاوضات بالكامل. المقصود من هذا التوقف هو إخبار إسرائيل بأن سياستها لفرض شروط مسبقة وخلق أمر واقع أمر غير مجد. كما يقصد به أن يكون بمثابة إشارة إلى الجمهور الإسرائيلي بأن حكومته تقوض عملية السلام بأفعال غير مبررة. في التحليل النهائي، يمكن للتوقف، إذا استخدم بمهارة، مساعدة جهود السلام وتعزيز فرص التوصل إلى اتفاق. ويجب أن تدرك الحكومة الإسرائيلية أنها ملزمة بممارسة ضبط النفس والامتناع عن أي عمل متسرع من المحتمل أن يؤثر سلبا على عملية السلام أو يجعل المفاوضات بلا معنى. وبعد ذلك، سنكون مستعدين لاستئناف المحادثات في جو أكثر مواتاة".