إذا كان الفيروس يثير الرعب والهلع بشكل غير مسبوق ويلف الدول بأسرها، فإن جوانب مشرقة تحملها أخباره عبر إطلاق سراح آلاف المساجين
حربٌ لا هوادة فيها تخوضها مختلف دول العالم ضد فيروس كورونا أو كوفيد 19، ونشرات أخبار عالمية ومحلية لا خبر فيها يخلو من تطورات هذا الوباء وأرقام المصابين به أو المتعافين منه، وكابوسٌ يسيطر على الاقتصاد وشبحٌ يلقي بظلاله على السياسة، ووافد غير مرحب به اقتحم حياة سكان كوكب الأرض شرقا وغربا وشمالا وجنوبا، فلا صوت يعلو فوق صوت كورونا هذه الأيام.
الإنسان محكومٌ بالأمل، والشعوب التي تعبت من الحروب تواقةٌ للسلام والوئام لا سيما أن هذا الفيروس الخطير فرض إيقاعه على أجواء ميدانية في بلدان متعددة، ليبرز السؤال الذي عنونت به المقال، هل يصنع كورونا سلاماً؟
وفي الوقت نفسه هناك فسحة تأمل، فالإنسان محكومٌ بالأمل، والشعوب التي تعبت من الحروب تواقةٌ للسلام والوئام، لا سيما أن هذا الفيروس الخطير فرض إيقاعه على أجواء ميدانية في بلدان متعددة، ليبرز السؤال الذي عنونت به المقال، هل يصنع كورونا سلاماً؟ هل لهذه الجائحة العالمية فوائد؟ وهل لدى هذه الآفة وجه آخر يمنح البشرية أموراً إيجابية؟ لربما..
الجواب من وجهة نظر الكثيرين يحمل تفسيرات مختلفة، أهمها وأهمها في الوقت الراهن، توحد العالم كله من أجل الانتصار في معركة البقاء على وجه الأرض مع تزايد أعداد الوفاة الناتجة عن الإصابة بهذا الفيروس المستجد، والهمُ يتبع الهمة - كما يقول العرب - فهموم الأفراد والجماعة تلاشت أمام نكبة الموت وإزهاق الروح دون سابق إنذار، والتسامح والسلام خصال إنسانية يعزز من وجودها اليوم خطر فقدان مزيد من الأحبة نتيجة الحرب على عدو غير مرئي يسميه هكذا الرئيس ترامب.
ولو توقفنا عند الرئيس ترامب نفسه لوجدنا غياباً تاماً هذه الأيام للخلافات الحزبية بين الجمهوريين والديمقراطيين في الولايات المتحدة الأمريكية التي تسابق الزمن إدارتها من أجل إنقاذ الملايين على أراضيها، وذروة التحدي في واشنطن باتت تتلخص بكلمتين؛ إيجاد الحلول الإسعافية السريعة لانتشال نيوريوك من براثن الوباء، وإرسال مزيد من المعدات الطبية إلى بقية الولايات المهددة بوصول العدوى إلى آخرين.
وحتى ماهية الخطاب السياسي المعهود عن ساكن البيت الأبيض وأقوى رئيس في العالم اتسمت بالإنسانية وهو يخاطب مواطنيه، وتعدت ذلك نحو المساعدات التي أعلن عنها في خطاب سابق من خلال إرسال أجهزة طبية لا تحتاجها الولايات الأمريكية الآن إلى إيطاليا وفرنسا، وفي ذلك استثمار كبير لفرص توطيد العلاقات الحقيقية بين الدول والشعوب من خلال معاينة يوميات كورونا.
ومع أن الحركة مقيدة بشكل واضح لأغلب قادة العالم وشعوبهم، فإن الاتصالات مستمرة، وليست الإمارات بعيدة عن هذا الأمر، فالشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي قسم وقته بشكل ملحوظ لمتابعة خطط بلاده الرامية لمكافحة الوباء وجهود أبوظبي الدولية والإقليمية للتواصل مع مختلف القادة والرؤساء والزعماء في منطقة الشرق الأوسط والعالم، فضلاً عن أوروبا وبقية قارات الأرض.
وتلك رسالة إماراتية بالغة الأثر في زمن كورونا، وصناعة السلام من خلالها قضية تكسبها الإمارات في كل محفل، وعليه فإن الحوار والتسامح وإعلاء القيم الإنسانية من أجل الإنسان قبل غيره حاجةٌ ملحة أتاح لنا هذا الفيروس مطالعتها بل والمطالبة بها، سواءً كنا في حجر صحي طوعي أو إجباري، ولهذا رأينا الاتصالات الإماراتية تتجاوز الساسة نحو القادة الروحيين كـ بابا الفاتيكان وشيخ الأزهر الشريف.
وإذا كان الفيروس يثير الرعب والهلع بشكل غير مسبوق ويلف الدول بأسرها، فإن جوانب مشرقة تحملها أخباره عبر إطلاق سراح آلاف المساجين الذين تقطعت السبل بحكوماتهم وهي تبذل جهداً لحمايتهم، وهذا رأيناه في عدد من الدول الأوربية أيضاً، إضافة إلى إيران نفسها التي فعلت ذلك مرغمة لأن المرض بلغ معدلات كبيرة داخل صفوف قوى الأمن فكيف بالمسجونين؟ وكذلك الأراضي الفلسطينية المحتلة التي تساوى فيها الاحتلال مع الشعب الفلسطيني المنكوب، لأن تلك الجائحة لا تفرق بين إسرائيلي أو فلسطيني.
ولن أبوح بسر لو ذكرت إحصائيات المواقع والمراصد الإخبارية عن توقف القتال في سوريا وشرق أوكرانيا وليبيا وأماكن صراع أخرى بسبب فيروس كورونا، وحين تصمت المدافع تتحرك مياه السلام لتتدفق بغزارة كي تغسل خطايا المتخاصمين وتمسح وجوه المدنيين بتفاؤل لا شعوري مرده الحرص على الحياة والعمل من أجل سلام مستدام يبشر شعوب الأرض بمستقبل أفضل.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة