"كورونا" أصبح التحدي الأول للعديد من القيادات في الوقت الراهن، تتعامل معه بشكل يومي
"القيادة في عصر التحديات" كان عنواناً لدورة تدريبية، نقدمها بشكل متواصل، منذ أكثر من 3 سنوات، ضمن البرامج التدريبية لإعداد القادة في كلية محمد بن راشد للإدارة الحكومية، نتحدث خلالها عن صفات ومهارات القائد، ونناقش مع عدد من القيادات الحكومية، الظروف المحيطة وتحديات الواقع، واستجابة القادة وتعاطيهم مع معطيات الأحداث.
واليوم يشهد العالم بأسره تحدياً جديداً، فاجأ الحكومات وكسر العديد من التوقعات والسيناريوهات المستقبلية، اختبر الأنظمة والسياسات، وأدى لشلل العديد من دول العالم، تحدياً لا يستهان به، سواء على المستوى الصحي أو الاجتماعي أو الاقتصادي أو السياسي.
"كورونا" أصبح التحدي الأول للعديد من القيادات في الوقت الراهن، تتعامل معه بشكل يومي سواء على مستوى القيادات السياسية التي توجه دفة الدول نحو عبور هذه الأزمة أو على مستوى القيادات الحكومية، التي تسعى جاهدة لمساندة القيادة السياسية في التعامل مع هذا التحدي
"كورونا" أصبح التحدي الأول للعديد من القيادات في الوقت الراهن، تتعامل معه بشكل يومي سواء على مستوى القيادات السياسية التي توجه دفة الدول نحو عبور هذه الأزمة أو على مستوى القيادات الحكومية، التي تسعى جاهدة لمساندة القيادة السياسية في التعامل مع هذا التحدي، وضمان استمرارية الأعمال والخدمات الحكومية، أو على مستوى قيادات القطاع الخاص، التي تسعى جاهدة للنجاة بمؤسساتها من تبعات هذه الأزمة، لذا فالواقع الذي يفرض نفسه، هو تعاطي القيادات وتعاملها مع أزمة غير مسبوقة، والسؤال المطروح هو كيف يجب أن تتعامل القيادات مع الأزمات؟ وللإجابة عن هذا التساؤل نورد بإيجاز عدداً من مقومات النجاح في التعامل مع الأزمات:
أولاً: النجاح في مواجهة الأزمات يعتمد بشكل أساسي على رفع الجاهزية والاستعدادات المسبقة للتعامل مع الأزمات، والذي يعد إحدى المهام الأساسية للقيادة، التي يجب أن تعمل على تأسيس البناء على أرض صلبة ورفع كفاءته وإكسابه المرونة المناسبة للصمود في وجه المتغيرات والأزمات، ولتحقيق ذلك يجب أن تمتلك القيادة الرؤية المستقبلية واتساع الأفق، الذي يمكنها من اتخاذ القرارات الاستراتيجية المتعلقة بمستقبل المؤسسة، كما يمكنها الاستعانة بعدد من الأدوات الإدارية لرفع الجاهزية المستقبلية مثل إدارة المخاطر واستشراف المستقبل والتخطيط بالسيناريو.
ثانياً: التعرف على الأزمة مبكراً والاعتراف بها وحشد الجهود لمواجهتها، وذلك لتجنب الأخطاء الفادحة التي يرتكبها البعض بتجاهل الأزمة أو العمل على التقليل من حجمها وأهميتها، لذا فإن الاعتراف بالأزمة مبكراً يعتبر المفتاح لحلها، والبدء في التعامل معها.
ثالثاً: الاستباقية في القرارات وتجنب الانزلاق في ردود الفعل، والتي غالباً ما تكون متأخرة في التعامل مع تداعيات الأزمة، ويرتبط ذلك بأهمية عنصر الوقت في التعامل مع الأزمة، والمعالجة الاستباقية للأمور قبل تضخمها وخروجها عن السيطرة.
رابعاً: التواصل والشفافية، حيث إن أغلب الأزمات ترتبط بشريحة كبيرة من المعنيين، لذا تكمن أهمية التواصل الفعال، وذلك لضمان حشد الجهود وتعاون الجميع لمعالجة الأزمة، ويزخر التاريخ بالعديد من النجاحات والإخفاقات في إدارة الأزمات، المرتبطة بشكل أساسي بالنجاح أو الإخفاق في التواصل الإعلامي أثناء إدارة الأزمة.
خامساً: القيادة من المقدمة وزرع التفاؤل بين الجميع، حيث إن القيادة تبرز وقت الأزمات، وتأخذ مكانها في مقدمة الركب في مواجهة العاصفة، لرفع الهمم وتشكيل القدوة للآخرين، مع إيصال رسائل الاطمئنان والتفاؤل بالمستقبل.
وفي أزمة "كورونا" الحالية نجد أن مقومات النجاح في إدارة الأزمات طبقت بشكل احترافي من قبل قيادتنا الرشيدة، وبالتماشي مع الترتيب الذي سبق ذكره لهذه المقومات، نجد أن الإمارات أثبتت جاهزيتها للتعامل مع الأزمة، جاهزيتها من حيث البنى التحتية والرقمية، التي دعمت التعلم عن بعد، والعمل عن بعد، وتقديم كل الخدمات الحكومية عن بعد، وجاهزيتها من حيث المؤسسات الحكومية، سواء منها التي أسهمت في التعامل مع الأزمة بشكل مباشر أو التي حافظت على استمرارية الأعمال والأداء الحكومي، ومن حيث السياسات الحكومية والتشكيل الرسمي للجان المتخصصة بالأزمات والكوارث على المستوى المحلي والاتحادي، والتي تعمل تحت مظلة المجلس الأعلى للأمن الوطني، حيث أثبتت كفاءتها وبدأت باحترافية تطبق الخطط المعدة مسبقاً للتعامل مع الأزمات.
الإمارات كانت من أوائل الدول في المنطقة التي أعلنت عن أول إصابة بالفيروس بشكل رسمي، والذي أهلها للبدء في التعامل مع الأزمة بشكل سريع، وتحقيق الأسبقية في الإجراءات الاحترازية، التي أعلنتها من خلال المجلس الأعلى للأمن الوطني، والتي أسهمت في الحد من انتشار الوباء، بالإضافة إلى الإحاطة الإعلامية بالإجراءات الاحترازية وبتطورات الموقف باستخدام وسائل الإعلام التقليدية ووسائل التواصل الاجتماعي.
وفيما يخص القيادة، نجد الإمارات دائماً مضرب أمثال فيما يخص الممارسات القيادية، وكان ذلك واضحاً في تعامل قيادتنا بشكل مباشر مع الأزمة منذ بدايتها إلى الآن، قيادتنا كانت أول من التزم بتطبيق الإجراءات الاحترازية واستخدام وسائل العمل عن بعد، لتشكل القدوة الحسنة للآخرين، بالإضافة إلى المتابعة الحثيثة مع جميع المسؤولين الحكوميين للتعامل مع الأزمة، وإرسال الرسائل الإيجابية التي تبعث الراحة والطمأنينة في نفوس المواطنين والمقيمين، ونذكر هنا مقولة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله: "رسالة لشعبنا بأن صحتهم هي الأهم، وبأن موارد الدولة كلها مسخرة لضمان سلامتهم". ومقولة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة: "الدواء والغذاء خط أحمر، ولا تشيلون هم أبداً".
في النهاية، تعتبر الأزمات قدر الله الذي لا مفر له، ولكن الاستعداد لها وإدارتها بنجاح لحفظ الأرواح والممتلكات يعتبر من مقاصد الشريعة الإسلامية، نسأل الله العلي القدير أن يزيح عنا هذه المحنة، ويحفظ بلادنا وجميع بلاد المسلمين.
نقلا عن البيان
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة