سياسة إيران تعتمد على الانتقام وليس على الحكمة، وهنا تكمن خطورة سياستها
لا تتوقف إيران عن التصريحات النارية مثلما لا تتوقف الولايات المتحدة عنها، وتسعى بلدان الخليج إلى التهدئة وتحكيم العقل، وهناك من يصّب النار على الزيت.، يبدو المشهد رمادياً في الوقت الحاضر في ظل الأجندات المرتبطة بعالم من التعقيدات والتنافس والتحدي والانتقام. خليط من المشاهد والأحاسيس وراء الحروب، وقرارات غير معلنة في الكواليس، ومراكز الدراسات تكّب على تحليلاتها وتفسيراتها، وتتجاذب مع المحللين البارعين منهم والبباغاوات الآراء والأفكار.
سياسة إيران تعتمد على الانتقام وليس على الحكمة، وهنا تكمن خطورة سياستها، ولعل اعتراضها طائرة أمريكية مسيرة في المياه الدولية مؤخراً يشكل مبادرة محفوفة بالمخاطر، نحن نعيش الآن في خضم بحر هائج الأمواج في انتظار صيف خليجي ساخن، فإيران تبحث عن مجرد ذريعة لتنفذ خططها الغامضةالجميع ينتظر بحذر ما يغلي تحت السطح في عملية الفعل ورّد الفعل، ولا أحد يستطيع أن يتنبأ بالسلوك الإيراني وتفكيره الباطني، إذ لا حلول ملموسة تلوح في الأفق، وهي من المفترض قادرة على اتخاذ خطوات من شأنها تجنّب شعوبها مغامرة الحرب المحفوفة بالمخاطر الجمّة على مستقبلها واقتصادها، بعد أن خاضت حرباً ضروساً مع العراق طيلة ثمانية أعوام لا تزال تدفع ثمنها غالياً إلى هذه اللحظة، مواقف إيران خارج جميع التوقعات لأنها لا تستند إلى أي فكر أو عقلية سياسية، بل على التطرف والتشدد والهروب إلى الأمام، فيما تغذي مليشياتها وأذرعها في كل مكان من أجل دعم مواقفها بدون قيد أو شرط، سؤال يشغل الرأي العام الآن: مَنْ يطلق الشرارة الأولى؟
الجميع يتأمل أن تغيّر إيران من سلوكها عبر مفاوضات أصبحت أكثر صعوبة من الحرب نفسها، وهي جزء لا يتجزأ من الحرب شئنا أم أبينا، وسط موقف أمريكا ما بين العصا والجزرة، الشدة واللين، والحرب واللاحرب.
وسط المعمعة، هل ستغيّر إيران سلوكها، يا تُرى؟
مَنْ يعرف إيران جيداً لا يتوهم لحظة واحدة أنها لن تغيّر سلوكها الذي انتهجته منذ أكثر من أربعة عقود، وتتشبث بنظريتها المخفية والعلنية في تصدير "الثورة" إلى الخارج، هذه الثورة التي لم تحقق أي تغيير في المجتمع الإيراني سوى العودة به إلى مخلفات الماضي.
إن هدف الثورات هو تغيير الشعوب لا ربطها بعجلة الماضي والتخلف، والدليل على ذلك أن المجتمع الإيراني كان أكثر تطوراً وازدهاراً وسعادة مما عليه الآن، وباعتراف جميع الخبراء والدارسين، كما أن مكانة إيران كانت أكثر عراقة وتأثيراً من الوقت الحاضر، لكنها تحولت إلى دولة مارقة، تكرر نفسها دون أي جهد في التغيير، رغم تداول السلطة في الفلك ذاته تبقى المؤسسة الدينية أول مَنْ صادرت إرادة الشعب الإيراني.
لقد خنق النظام المتشدد رجالات الاعتدال القليلة التي برزت على الساحة لكن تأثيرها كان محدوداً، في الوقت الذي تتمنى أمريكا والغرب أن تقيم علاقات معها من أجل إخراج إيران من المستنقع الآسن، فالمرشد الأعلى يحتكر السلطة ومؤسسات الدولة لا قيمة لها، وصلاحيات المسؤولين مجرد حبرٍ على ورق، ادعاءات الديمقراطية زائفة ولا قيمة لها، وهي إن تحققت فهي تدور في فلك رجالات الحكم الخارجين من المؤسسة الدينية، ولا تعني شيئاً للشعوب الإيرانية، الأيديولوجية الدينية تحكم في مصير البلد في نهاية المطاف.
إن إيران تريد أن تورط بلدان الخليج في مغامرة لا تُحمد عقباها، فهي تستمد قوتها من التهديدات التي ينطق بها الحرس الثوري بين الحين والآخر، صاحب اليد العليا في تقرير المصير، وآخر هذه التهديدات استئناف تخصيب اليورانيوم بمستويات عالية في ردة فعل إزاء العقوبات الأمريكية والعجز الأوروبي، مها كانت التحليلات فإن الأزمة الحالية تُبشر بانسداد الأفق المطلق في حالتي السلم والحرب.
في الواقع أن بلدان الخليج -من ضمنها العراق- ستتضرر من المغامرة الإيرانية، ولا يزال العراق يرتبط بالطاقة والغاز والسلع الإيرانية، وحصوله على تجديد هذه العلاقة مع إيران لتسعين يوماً هو جزء من الدعم الامريكي لحكّام العراق.
ماذا ستفعل إيران لو وصلت صادراتها النفطية إلى الصفر، وفي ظل اقتصاد ريعي غير الإنتاجي؟ هل ينفع إيران التهديد بإغلاق مضيق هرمز؟
سياسة إيران تعتمد على الانتقام وليس على الحكمة، وهنا تكمن خطورة سياستها، ولعل اعتراضها طائرة أمريكية مسيرة في المياه الدولية مؤخراً يشكل مبادرة محفوفة بالمخاطر، نحن نعيش الآن في خضم بحر هائج الأمواج في انتظار صيف خليجي ساخن، فإيران تبحث عن مجرد ذريعة لتنفذ خططها الغامضة، والخشية كل الخشية أن تلجأ إيران في حال عجزها إلى الانتقام، إنها تلعب بالنار، ولا تعير أي اهتمام لمطالب شعوبها في أمل العيش وسط بلد طبيعي يمتلك مؤسساته الدستورية التي لها كلمة الفصل الأخيرة.
لا يمكن أن يتغيّر مصير إيران إلا بتغيير منهج الحكم فيها، التي طالما حاولت المعارضة أن تُحدث التغيير اللازم فيها رغم إخفاقها، ولعلنا نتساءل وسط هذه التساؤلات: إلى متى تصمد إيران أمام العقوبات والضغوط الأمريكية؟
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة