إيران وبفعل الرد الذي قد يقع في أي وقت، وفي أي مكان، لن تجني إلا مزيدا من التردي الاقتصادي محليا، والنبذ السياسي عالميا
لعله من الواضح أن إيران مستمرة في تصعيدها ضد الولايات المتحدة الأمريكية، بالتوازي مع استمرارها في زعزعة الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط وحتى على مستوى العالم، ويعرف متابعو الشأن الإيراني جيدا أن طهران لم تتوقف عن استفزاز الولايات المتحدة واستهداف مصالحها في المنطقة تحديدا منذ بدء المفاوضات النووية عام٢٠١٣، وقد وصل هذا الاستفزاز إلى مراحل متقدمة جدا، خاصة بعد استهداف ناقلات النفط، وإسقاط طائرة الاستطلاع التي أكدت واشنطن أنها لم تدخل الأجواء الجوية لإيران.
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب دوّن عبر حسابه الرسمي على تويتر أن "إيران ارتكبت خطأ جسيما"، في إشارة إلى إسقاط الأخيرة طائرة مسيرة أمريكية، ذلك قبل أن يصرح أنه يرجح أن يكون إسقاط الطائرة نتيجة خطأ بشري، قائلا "أجد صعوبة في تصديق أنه كان عملا مقصودا".
النظام الإيراني يعيش حالة صدمة، جعلته يترنح يمنة ويسرة، مع إصداره موجة من التصريحات والقرارات غير المحسوبة، والتي تحمل شكلا واحدا وخط سير محددا، يحاولون من خلاله إظهار ما لا يقنع أحدا غيرهم، حول كفاءة قواتهم وقدراتهم العسكرية، بينما الولايات المتحدة الأمريكية التي تعلم تماما تفاصيل ما يملك الإيرانيون وقدراتهم
تذبذب درجات الردود الأمريكية نحو التصعيد تارة والتهدئة تارة أخرى، يوضح بشكل كبير -حسب مراقبين- أن التحركات الأمريكية ميدانيا والتصريحات العلنية على لسان رئيس البلاد أو المسؤولين الرسميين، تأتي جميعها كرسائل إلى نظام الملالي في طهران، فحواها على ما يبدو "أننا مقبلون على تنفيذ ما تعهدنا به من حماية قواتنا وأمننا، ومنع تهديد الأمن الدولي والإقليمي في الشرق الأوسط، وسنعطيكم فرصة تلو الأخرى، ولكن ليس مطولا".
وفي المقابل يدرك الإيرانيون جيدا أن لا مقدرة حقيقية لديهم على مواجهة أي حروب لا مع الولايات المتحدة ولا حتى مع دول المنطقة، وطهران اعتادت على تجنيد وتدريب وتسليح وتمويل مليشيات طائفية موالية لها، تقوم بالدور التخريبي المعتاد وتستهدف أمن المنطقة بالكامل بما في ذلك المصالح والوجود الأمريكي، وهو ما يرشح العراق -حسب خبراء- ليصبح أول ساحة قتال محتملة وغير مباشرة بين البلدين، فبمقابل وجود أكثر من ٥٠٠٠ جندي أمريكي هناك عشرات الفصائل والمليشيات التي تحكم وتدار من طهران.
كما أن إيران وبفعل الرد الذي قد يقع في أي وقت، وفي أي مكان، لن تجني إلا مزيدا من التردي الاقتصادي محليا، والنبذ السياسي عالميا، وسيواجه المواطن الإيراني المزيد من الضغوط اليومية، وضنك العيش، وانعدام فرص العمل أو الدخل، وارتفاع نسب البطالة، وربما فقد الأمن والأمان، وكلها تجتمع لتشكل مقدمة حقيقية وفي ظروف دولية مواتية لحدوث تغيير داخلي محتمل في إيران، بعدما فقد مواطنوها أساسيات الحياة الإنسانية الكريمة، ثم ثقتهم جراء تصرفات قياداته السياسية والدينية وجر البلاد من حال سيئة إلى أسوأ.
ومع استمرار الاستفزازات والحرب الكلامية الإيرانية، ورغم محاولاتهم لإرسال رسائل واهية إلى الداخل الإيراني بأن نظام الملالي قادر على تحدي العالم، يبقى القرار بيد الولايات المتحدة الأمريكية، ورغم الاعتقاد السائد أن الأغلبية في الولايات المتحدة الأمريكية ليست مع شن حرب شاملة أو اجتياح بري لإيران؛ لأنهم في غنى عن تجربة مشابهة لحرب العراق ٢٠٠٣، إلا أن الإدارة الأمريكية تمتلك عشرات الوسائل والطرق للرد المؤلم والمحطم الذي يستطيع من خلاله الأمريكيون فرض ما يريدون وخلق التغيير الذي يلائم تطلعاتهم، ويحفظ أمن واستقرار المنطقة والعالم.
النظام الإيراني يعيش حالة صدمة، جعلته يترنح يمنة ويسرة، مع إصداره موجة من التصريحات والقرارات غير المحسوبة، والتي تحمل شكلا واحدا وخط سير محدد، يحاولون من خلاله إظهار ما لا يقنع أحدا غيرهم، حول كفاءة قواتهم وقدراتهم العسكرية، بينما الولايات المتحدة الأمريكية -التي تعلم تماما تفاصيل ما يملك الإيرانيون وقدراتهم- تعمل على جميع الجبهات بشكل متواز، هي مع ضبط النفس والتصعيد، مع إشعال الفتيل وإخماد نيرانه؛ لأن القاعدة تقول باختصار إن القادر على الفعل ميدانيا لا يحتاج إلى التصريحات.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة