تفسير الهروب القطري من الأسواق التركية، والتنصل من التعهدات التركية، لا يمكن النظر له بعيداً عن الأزمة المتصاعدة بين أنقرة وواشنطن.
تأتي زيارة أمير قطر إلى الولايات المتحدة الأمريكية ومحاولة الدوحة إعطاء هذه الزيارة زخماً والتغطية على حالة الفتور التي تعيشها العلاقة القطرية-الأمريكية، وحجم الملفات التي تواجه أمير قطر في الداخل الأمريكي من دعم الدوحة للتنظيمات الإرهابية، والعلاقة مع إيران، بالرغم من الأموال الهائلة التي قامت الدوحة بضخها لشركات العلاقات العامة وشراء الصحف والصحفيين في سياق محاولاتها المستمرة لتبييض صفحتها، إلا أنها لم تنجح. فبالتزامن مع زيارة أمير قطر إلى الولايات المتحدة الأمريكية ارتفعت حدة الأصوات في الداخل الأمريكي للحديث عن الدور القطري الحاضن والداعم للجماعات الإرهابية، ومطالبات وجهت للرئيس الأمريكي دونالد ترامب بمواجهة تميم بشأن دعم بلاده للتنظيمات الإرهابية.
مما لا شك فيه أن هذه الخطوة القطرية –التي تعد بمثابة طعنة في الظهر بالنسبة لأردوغان– ستقابل بالتصعيد من الجانب التركي، وسيترتب عليها تداعيات كبيرة على سير العلاقات الثنائية. وليس من المستبعد أن يعمد النظام التركي لاستخدام وجوده في الأراضي القطرية لخلق ضغط على النظام القطري لمعالجة أزماته الاقتصادية
لقد هدفت قطر بعد فشل شركات العلاقات العامة، وشراء الصحف والصحفيين، إلى الحديث عن حجم الشراكة الاقتصادية بين البلدين والتعهد القطري المبالغ فيه برفع حجم الشراكة بين البلدين، وتجاهل لحالة الأزمة الاقتصادية المتصاعدة التي تعيشها والتي بدأت واضحة في إعلان الخطوط الجوية القطرية وقف خطط توسعها إلى أفريقيا. هذا إلى جانب الانكماش الحاصل في قطاع التشييد وهو ما وصفته وكالة "بلومبيرج " بأنه بدأ يؤثر سلباً على أداء الاقتصاد القطري ككل، وأيضاً وسط تصاعد أزمة شح السيولة في البلاد ما انعكست على القطاع المصرفي والذي يشهد مرحلة صعبة مما دفع الكثير من البنوك نحو الديون الخارجية. كل هذا يوضح للمراقب أن الأمير القطري يحاول عبر اللعب على وتر لغة "الأرقام" التغطية على حالة الفتور الحاصلة في العلاقة القطرية-الأمريكية، ومن جهة أخرى التغطية على حجم الملفات التي تواجه تميم أثناء زيارته للولايات المتحدة الأمريكية.
وبالحدث عن لغة الأرقام، التي سيطرت على اللقاء الأمريكي-القطري، نجد أن زيارة أمير قطر إلى الولايات المتحدة الأمريكية سوف تؤدي إلى إحداث شرخ عميق في العلاقات القطرية-التركية، فقد جاءت هذه الزيارة لتكشف عن استثمار قطري في توسعة وتطوير (قاعدة العديد) العسكرية الأمريكية بما يقارب الـ8 مليارات دولار، وتعهد الأمير القطري أيضا بمضاعفة الشراكة الاقتصادية مع الولايات المتحدة قائلا: إن قيمتها الحالية "تتجاوز 185 مليار دولار".
لا شك أن هذه المليارات القطرية سوف تثير غضب الحليف التركي الغارق في أزماته الاقتصادية المتصاعدة، فبينما كان يعول أردوغان على دور قطري في تخفيف الأزمة الاقتصادية التركية نجد أن الاستثمارات القطرية وبخاصة في بورصة إسطنبول، بدأت في الانخفاض حيث بلغ مقدار أموال القطريين المسحوبة من تركيا (منتصف الشهر الماضي) (4.6 مليار ليرة تركية). وهذا يؤكد فقط أن النظام القطري لم يسعَ للتنصل من تعهداته تجاه تركيا بزيادة الاستثمار وتقديم الدعم المادي، وبالتالي سوف يكون هذا التراجع له وقع كبير على العلاقة بين الدوحة وأنقره في ظل المأزق الذي يعيشه أردوغان الذي انهارت شعبيته في الداخل التركي ويحاول اللعب على وتر (إنقاذ الاقتصاد التركي) لتجميل صورته، لا سيما بعد الصفعة التي تلقاها في خسارة الإعادة لانتخابات بلدية إسطنبول. وسوف تتردى العلاقة بين أنقرة والدوحة في ظل عدم وجود تبريرات قطرية لهذا التصرف.
تفسير الهروب القطري من الأسواق التركية والتنصل من التعهدات التي قدمها للحليف التركي لا يمكن النظر له بعيداً عن الأزمة المتصاعدة بين أنقرة وواشنطن، وفي ظل التهديدات الأمريكية بفرض عقوبات اقتصادية على تركيا بشأن منظومة الصواريخ الروسية S400، فمن الواضح أن النظام القطري يحاول أن يتحاشى الدخول في صدام ويثير غضب الولايات المتحدة الأمريكية بالتخلي عن دعم الاقتصاد التركي. إلا أنه وفي محاولته تفادي صدام الولايات المتحدة قد وجه نفسه في صدام مع النظام التركي الذي سعى لبناء علاقاته مع قطر على قاعدتين رئيسيتين، توظيف الثروة القطرية في معالجة أزمات تركيا الاقتصادية في ظل العزلة التي تعيشها أنقرة، وإيجاد موطئ قدم له في الخليج عبر القاعدة العسكرية في الدوحة.
مما لا شك فيه أن هذه الخطوة القطرية -التي تعد بمثابة طعنة في الظهر بالنسبة لأردوغان- ستقابل بالتصعيد من الجانب التركي، وسيترتب عليها تداعيات كبيرة على سير العلاقات الثنائية. وليس من المستبعد أن يعمد النظام التركي لاستخدام وجوده في الأراضي القطرية لخلق ضغط على النظام القطري لمعالجة أزماته الاقتصادية.
تعيش العلاقة بين الدوحة وأنقرة على أعتاب "مرحلة جديدة"، فهذه العلاقة التي وصلت إلى أوج نشاطها في مرحلة الربيع تعيش اليوم "مرحلة الفتور"، وهذا يعود إلى تضييق الخناق على الطرفين.
ومن جهة أخرى، فإن القواعد التي تأسست عليها العلاقة بين البلدين "أصبحت هشة" في ظل حالة الانهيار للمشروع القطري والتركي" بانتهاء مشروع جماعة الإخوان المسلمين. وفي ظل حالة العزلة التي تعيشها قطر، والأزمة الاقتصادية التي تعيشها أنقرة، سيكون لكل منهما تأثير على مستقبل العلاقة بين الطرفين في ظل حالة الانهيار للمشروع القطري والتركي التوسعي والفوضوي والذي كان عاملا رئيسيا وقاعدة صلبة تم عليها بناء العلاقة بين البلدين.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة