قطر تتصرف كما دأبت على ذلك دائماً، من خلال تحريك خيوطها في الظل داخل ليبيا.
عبّر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في الثالث من يوليو/تموز الجاري عن قلقه من وصول الإرهابيين إلى ليبيا من محافظة إدلب السورية، محذراً من أن الوضع في ليبيا يسير نحو مزيدٍ من التدهور. وفي الأيام التي تلت التصريح، نشرت الصحف الليبية تقارير تفيد بأن الكثير من الإرهابيين يوجودون حالياً جنوب البلاد على الحدود مع تشاد والسودان، بينما تتشكل خلايا داعش التي فككها الجيش الليبي بقيادة حفتر من إرهابيين قادمين من سوريا ومرتزقة تشاديين يتلقى زعيمهم الدعم من قطر.
من الواضح أن قطر تتصرف كما دأبت على ذلك دائماً، من خلال تحريك خيوطها في الظل داخل ليبيا. لكن شريكتها تركيا -عفواً، أردوغان- يسعى إلى تغيير الوضع السياسي في ليبيا لصالحه؛ ظناً منه أن الأمر يتعلق بلعبة طاولة، من غير أن يعبأ بحياة الناس الذين فقدوا أرواحهم بسبب جشعه
وكانت وسيلة إعلام لبنانية قد ذهبت أبعد من ذلك بتأكيدها أن نقل الإرهابيين من إدلب إلى ليبيا تم عن طريق شركة الطيران "ليبيان وينغز كومباني" التي يملكها، عبدالحكيم بلحاج، الذي يتزعّم فرعاً للقاعدة في ليبيا، ويعمل تحت مظلة الدوحة.
من الواضح أن قطر تتصرف كما دأبت على ذلك دائماً، من خلال تحريك خيوطها في الظل داخل ليبيا. لكن شريكتها تركيا -عفواً، أردوغان- يسعى إلى تغيير الوضع السياسي في ليبيا لصالحه؛ ظناً منه أن الأمر يتعلق بلعبة طاولة، من غير أن يعبأ بحياة الناس الذين فقدوا أرواحهم بسبب جشعه وإرساله الأسلحة والعربات المدرعة والطائرات المسيّرة وحتى جنوده لتقديم الاستشارة لحكومة الوفاق الوطني التي يقودها فايز السراج، من أجل إحكام السيطرة على البلاد.
هذه المناورة والتدخل السافر في شؤون ليبيا دون مراعاة كيفية القيام بذلك، سبَّبا انزعاجاً كبيراً لدى روسيا، وبالطبع لدى مصر أيضاً. إلى ذلك، تواصل أوروبا غض الطرف فهي تدعم رسمياً حكومة طرابلس، شريك الإخوان المسلمين، ولا يبدو أنهم يرغبون في الاعتراف بأن ليبيا تقع على مرمى حجر من إيطاليا. وفي هذه الأثناء، لا يكفّ أردوغان عن توزيع أسلحته وطائراته المسيرة وعرباته المصفحة كما لو كان في منزله، بينما تلتزم أوروبا الصمت. فأردوغان الذي يوجد ضمن قائمة سوابقه سرقة النفط السوري وحتى الليبي -رغم أن الأمور لم تتضح بعد- يحاول الآن الثراء على حساب الشعب الليبي.
وفي الأسبوع نفسه، أعلن داعش من خلال مجلة النبأ في عددها الـ190 أن أحد قادته الإعلاميين قد لقي مصرعه في ليبيا. وهذا يتعلق بمحمد بن أحمد الفلاتة، أو إلياس أبوعاصم وهو سوداني الجنسية، وكان ينشط في البداية في صفوف القاعدة قبل أن يلتحق بتنظيم داعش. فقد انضم للجماعات الإرهابية في كل من تشاد ونيجيريا والسودان، حيث تم سجنه. وقد أمضى فترة اعتقال لدى نظام البشير قبل أن تفرج السلطات عنه، وهو ما يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك دعم نظام الرئيس المخلوع لتحالفه مع أنقرة والدوحة والمتطرفين. مرة أخرى يظهر اسم قطر وتركيا عند الحديث عن الإرهاب في أفريقيا.
وفي بوركينا فاسو، تم تداول شريط فيديو يوثّق ظهور جماعة إرهابية جديدة تدعى "دولة الإسلام". وفي ذات المقطع تمّت مبايعة زعيم داعش، أبوبكر البغدادي. ويظهر في المقطع ثلاثة من زعماء التنظيم وهم ينتمون لعرقية الفولاني، وهي الإثنية التي ينتمي إليها أعضاء كتائب تحرير ماسينا بمالي.
هل تعد هذه المعطيات مهمة؟ نعم، فلو اعترف داعش بهذه المجموعة كفرعٍ له في بوركينا فاسو، فإنه سيقطع بذلك الطريق على القاعدة في تمددها نحو الغرب، بينما يمنع عليها التمدد جنوباً باستثناء ساحل العاج.
حالياً، لا يشتبك داعش مع تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي في مالي، لكنه في المقابل، يوضّح أن له استراتيجيته المتمثلة في منعه من التمدد غرباً. وبالتوازي مع ذلك، تقوم جماعة "دولة الإسلام" وبقية فروع داعش بحملة دعائية للتجنيد من أجل ترغيب المقاتلين المستقبليين في الانضمام للتنظيم. وفي الصومال تحتدم المواجهة الإعلامية بين داعش والقاعدة. أما في مالي فيبدو أن الجماعتين لا تريدان الاقتتال بفعل قوة القاعدة، لكن الشيء الوحيد الأكيد هو أن داعش لا يريد مشاركة أفريقيا من غيره.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة