خبراء يكشفون لـ«العين الإخبارية» السيناريوهات المحتملة لمسار الجنيه المصري أمام الدولار
يدخل سعر الدولار مقابل الجنيه المصري مرحلة جديدة قد تعيد رسم مساره خلال العامين المقبلين، لا سيما بعد التراجع الملحوظ للعملة الأمريكية إلى حدود 48 جنيها قبل أن تعاود التحرك بشكل محدود داخل نطاق الـ47 جنيها.
يأتي ذلك وسط توقعات بمزيد من الهبوط وصولا إلى مستويات تقترب من 45 جنيها وفقًا لخبراء مصرفيين واقتصاديين.
وخلال عام 2025، سجل الدولار سلسلة من التحركات المتباينة؛ بدأت بارتفاعات واضحة مطلع العام حين لامس مستوى 50.78 جنيه، قبل أن يواصل تذبذبه في النصف الأول مسجلًا نحو 51.7 جنيه في أبريل/نيسان، ثم بدأ الجنيه المصري رحلة تماسك وتعافٍ تدريجي في منتصف العام وصولًا إلى الوقت الحالي، ليستقر في نوفمبر/تشرين الثاني قرب مستوى 47.05 جنيه.
ويرى الدكتور محمد عبدالرحيم، الخبير الاقتصادي والمالي، أن الهبوط الحالي للدولار يحمل سمات المسار المستدام وليس مجرد حركة مؤقتة، بشرط استمرار زخم التدفقات الدولارية. ويشير إلى أن النزول دون مستوى 46 جنيهًا يبقى احتمالًا مطروحًا خلال العام المقبل، لكنه يرتبط بعدة عوامل؛ أبرزها صرف شرائح المراجعتين الخامسة والسادسة من صندوق النقد الدولي، واستمرار تدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة، ونجاح إصدارات السندات الدولارية في تعزيز الاحتياطي.
وقال عبدالرحيم لـ"العين الإخبارية" إن القطاعات المولدة للعملة الصعبة مثل السياحة وقناة السويس تظل عناصر حاسمة في تشكيل مسار الجنيه، في حين يمنح التراجع العالمي للدولار دفعة إضافية للعملة المحلية. ويرى أن تثبيت الفائدة خلال الاجتماعات المقبلة للبنك المركزي سيعزز استقرار السوق وثقة المستثمرين.
من جانبها، توضح سهر الدماطي، نائبة رئيس بنك مصر الأسبق، لـ"العين الإخبارية"، أن الجنيه يقف اليوم على قاعدة اقتصادية أكثر صلابة نتيجة تحسن المعروض الدولاري، مؤكدة أن العملة المحلية ما تزال متدنية عن قيمتها العادلة، وأن التذبذب بين 47 و48 جنيهًا لا يعدو كونه إعادة تسعير طبيعية في ظل تدفقات مستمرة وقدرة أكبر للبنوك على توفير العملة الصعبة.
وتتوقع الدماطي أن يتحرك الدولار خلال 2026 في نطاق يتراوح بين 46 و47 جنيهًا، فيما تشير تقديرات أخرى إلى احتمالات تراجع العملة الأمريكية لمستويات أدنى قد تصل إلى 44.5 جنيه، إذا استمرت التدفقات الاستثمارية المباشرة بوتيرتها الحالية، خاصة في حال تكرار صفقات كبيرة مثل صفقة "علم الروم" الأخيرة.
وتضيف أن تراجع الدولار ينعكس مباشرة على خفض تكلفة الدولار الجمركي وكلفة تشغيل المصانع، كما يقلل فاتورة استيراد المواد الخام، بما يخفض سعر المنتج النهائي ويمنح الصناعة المحلية قدرة أعلى على المنافسة، لا سيما مع اتجاه البنك المركزي نحو خفض الفائدة.
وفي السياق نفسه، يعتبر الخبير المصرفي محمد عبدالعال أن جميع السيناريوهات واردة طالما يخضع السوق لآلية العرض والطلب، مشيرًا إلى إمكانية تحرك السعر نحو 45 جنيهًا أو العودة فوق 47 جنيهًا تبعًا للتدفقات الدولارية وحركة العملة الأمريكية عالميًا، فضلًا عن التزامات البنوك من النقد الأجنبي.
ويؤكد عبدالعال لـ"العين الإخبارية" أن الجنيه يحظى بعوامل دعم قوية خلال الفترة المقبلة، منها خلو الأجندة المالية للدولة من التزامات خارجية كبيرة، والارتفاع اللافت في تحويلات المصريين بالخارج بنسبة 45% خلال الأشهر التسعة الأولى من العام، إلى جانب توقعات صرف شرائح صندوق النقد، وعودة إيرادات قناة السويس تدريجيًا مع انحسار التوترات في البحر الأحمر.
ويشير إلى أن الفارق الكبير بين أسعار الفائدة على الجنيه والدولار يجذب استثمارات غير مباشرة تُقدَّر بنحو 42 مليار دولار، ما يعزز قدرة البنوك على تلبية الطلب على النقد الأجنبي. لكنه في المقابل يرى أن التعافي قد يتباطأ بفعل عوامل هيكلية، أبرزها ارتفاع الدين الخارجي إلى نحو 165 مليار دولار، واتساع العجز المالي، وتأخر تحسن التصنيف الائتماني.
ويحذر عبدالعال من أن الصعود المفرط للجنيه قد يحمل آثارًا سلبية على الصادرات والسياحة وتحويلات العاملين بالخارج. وفي ضوء هذه المعطيات، يقدّر أن يتحرك الدولار خلال 2026 داخل نطاق يتراوح بين 45 و50 جنيهًا، معتبرًا أنه النطاق الأكثر اتساقًا مع طبيعة السوق الحالية.
وتباينت توقعات المؤسسات الدولية وبنوك الاستثمار العالمية حول الواقع الفعلي لسعر صرف الجنيه المصري أمام الدولار، خاصةً في ظل الهبوط الملحوظ للعملة الأمريكية أمام الجنيه خلال النصف الثاني من 2025، حيث اقترب الدولار من مستويات 47 جنيهًا، في حين كانت التقديرات تشير إلى تجاوزه 50 جنيهًا، بل إن بعض التقديرات تخطت 51 جنيهًا.
وتشير أحدث توقعات صندوق النقد الدولي للاقتصاد المصري إلى أن سعر صرف الجنيه قد يتراجع إلى 51.48 جنيهًا مقابل الدولار بنهاية 2025، مقابل توقعاته السابقة التي تجاوزت 52 جنيهًا، على أن يستمر الانخفاض ليصل إلى حدود 54 جنيهًا خلال العام التالي. كذلك وضع بنك الاستثمار "ستاندرد تشارترد" توقعات لسعر الدولار عند 54 جنيهًا في 2026.
وتعتمد المؤسسات الدولية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ووكالة فيتش، إضافة إلى بنوك الاستثمار العالمية، على نماذج اقتصادية كمية وتحليلات متعددة لبناء توقعاتها لسعر صرف الجنيه. وتشمل هذه النماذج الاقتصاد الكلي الذي يربط بين الإنتاج والاستهلاك والاستثمار والقطاع الخارجي، ونموذج سعر الصرف الحقيقي الذي يأخذ في الاعتبار التضخم المحلي والعالمي والفائدة والنمو الاقتصادي، ويعدل السعر وفق الفجوة بين معدلات التضخم في عملتي القياس.
كما يتم الاستناد إلى تحليل الأساسيات الاقتصادية، الذي يركز على الاحتياطي النقدي الأجنبي، وميزان المدفوعات من صادرات وواردات وتحويلات، ومعدلات الفائدة والتضخم، إلى جانب الديون الخارجية وجدول سدادها، بحيث تعكس المؤشرات الإيجابية توقعات أكثر تفاؤلًا للجنيه.
وتُستخدم أيضًا النماذج الإحصائية والتنبؤية مثل نماذج "ARIMA" و"VAR"، التي تربط البيانات التاريخية لسعر الصرف بعوامل اقتصادية، إلى جانب تحليل توقعات السوق وسلوك المستثمرين عبر مراقبة تدفقات الاستثمار الأجنبي وسوق السندات والأسهم.
ويشهد الاقتصاد المصري تحسنًا ملموسًا في الصادرات وتحويلات المصريين بالخارج وانتعاش قطاع السياحة وتدفق الاستثمارات المباشرة، لكن معدلات التضخم المرتفعة وهيكلة الديون تبقى تحديًا أمام اكتمال الصورة الاقتصادية، وهو ما يفسر تباين الرؤية بين الواقع المحلي والتوقعات الدولية.
كما تؤثر عوامل خارجية لا يمكن التحكم بها محليًا، مثل التوترات الجيوسياسية والحروب التجارية وأسعار النفط ورؤية المستثمرين الأجانب لمعادلة العائد والمخاطر، في تباطؤ اعتماد المؤسسات الدولية لقراءة الصورة كاملة، ما يفسر التشاؤم النسبي في توقعاتها.
وتشير تحليلات "غولدمان ساكس" إلى أن الجنيه المصري مقوَّم بأقل من قيمته الحقيقية بنحو 30%، مع تقدير سعر صرف عادل للجنيه عند 35 جنيهًا مقابل الدولار، مقارنة بتوقعات فيتش التي تتراوح بين 50 و55 جنيهًا، وتوقعات "ستاندرد تشارترد" التي تضعه عند 54 جنيهًا.