تحذير لترامب من "تسييس" الاستخبارات: تذكر العراق
مدير سابق في وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية يحذر الرئيس ترامب من محاولة "تسييس" الاستخبارات، مسترجعا خسائر غزو العراق 2003.
قال مدير سابق في وكالة الاستخبارات الأمريكية (سي.آي.إيه)، إن إدارة الرئيس دونالد ترامب تقوض الأمن القومي للولايات المتحدة، وتسيء للشعب الأمريكي، بمحاولات صياغة تحليلات أجهزة الدولة الأمنية والاستخباراتية والقانونية لخدمة رؤيتها للعالم.
وأشار دينس جليسون المدير الاستراتيجي السابق في إدارة التحليل بالـسي.آي.إيه، إلى سعي البيت الأبيض مؤخراً لحثّ وزارتي الأمن الداخلي والعدل لبناء حجة لقرار إدارة ترامب المثير للجدل بحظر الهجرة، حسب ما جاء في تقرير نشرته شبكة "سي.إن.إن".
واسترجع جليسون في تقريره 3 أزمات شهدتها الولايات المتحدة تسبب فيها "تسييس" التحليلات الاستخباراتية، كان آخرهم خسارة مليارات الدولارات وآلاف الأرواح في الغزو الأمريكي للعراق عام 2003.
وأوضح جليسون في تقرير نشرته مجلة "ذا أتلانتك" الأمريكية على موقعها الإلكتروني بعنوان "الكلفة الكبيرة لتسييس المخابرات"، أنه بين خبراء المخابرات، فإن طلب إنتاج تحليل يدعم سياسة محبذة لدى الإدارة -خلافا لإنتاج التحليلات والسماح لها بإخطار السياسة العامة- يطلق عليه "تسييسا".
وقال جليسون، إن التسييس يعد لعنة بالنسبة للتدريب الذي يتلقاه معظم المحللين، وأيضاً للقيم التي تكمن في قلب المهنة (يهدد الدقة والواقعية المفترض تواجدها في التحليلات)، محذراً من المخاطر الكبرى وراء إعلاء فكر معين على التقييمات المدروسة المستندة إلى حقائق سياسية واقتصادية وعسكرية.
وأضاف جليسون أنه داخل إدارة التحليل في وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (سي.آي.إيه)، يتم تقديم مادة التسييس للمحللين تقريباً بمجرد دخولهم الخدمة، مشيراً إلى أن المبرر وراء ذلك ليس مجرد أسباب أكاديمية، لكن مشاكل حقيقية خلفها التسييس.
وعاد جليسون إلى الحرب الباردة تحت إدارة الرئيس الأسبق جيرالد فورد، الذي شكل فريقا من مفكري السياسة الخارجية المحافظين لتحدي تقديرات أجهزة الاستخبارات وقتها حول القدرات النووية للاتحاد السوفيتي، وبعدها خلص رئيس سي.آي.إيه وقتها والرئيس اللاحق جورج بوش الأب، إلى أن عمل تلك المجموعة "قدم نفسه للتلاعب لأهداف غير الدقة التقديرية".
وفي أوائل التسعينيات بعد عملية مترنحة لتثبيته على رأس الـسي.آي.إيه، اتُهم روبرت جيتس بتسييس التحليلات الاستخباراتية، ما دفعه لإجراء سلسلة من الإصلاحات تهدف للحماية من التفكير السياسي أو الأيدولوجي الذي يلون التحليلات الاستخباراتية.
ومؤخرا، مارست إدارة الرئيس الأسبق جورج بوش الابن ضغطا غير عادي لدفع المخابرات لدعم خططها لغزو العراق، بحجة علاقات بغداد المزعومة بتنظيم القاعدة، وأسلحة الدمار الشامل التي تطورها على أراضيها، وهما افتراضان تم إثبات أنهما خاطئان بعد الاحتلال، حسب جليسون.
وأوضح المحلل الأمريكي أن التحليل الاستخباراتي هو فن منقوص أكثر منه علم، حيث تتسبب الفجوات في التقارير والمصادر الرديئة والإسناد الدائري في تعقيد بحث المحلل عن المعرفة والفهم، ونتيجة لذلك شهدت الاستخبارات صعود أفكار مثل "كلمات من الاحتمالات التقديرية"، والتي مثل أي لغة تحمل درجة من الطلاقة يندر وجودها.
لكن التسييس يتصدر قائمة العوامل التي تعقد عمل المحللين نظراً لأنه "عمل يرتكب عن عمد"، وتصل أكثر أشكاله علنية إلى استخدام الموقف السياسي لدفع الناس إلى قول إن "سماء صافية ولامعة مشوبة بالغيوم".
وحول تكلفة التسييس، قال جليسون، إنه بحلول عام 2013 قدرت تكلفة الغزو الأمريكي للعراق عام 2003 بما يصل إلى 1.7 تريليون دولار، فضلاً عن مقتل أكثر من 4 آلاف أمريكي وإصابة ما يزيد عن 30 ألفاً آخرين، وهذه الأرقام لا تتضمن عائلات الضحايا أو العراقيين الأبرياء المقتولين والمصابين خلال النزاع، أو حركة التمرد التي تطورت إلى تهديد متطرف معروف حاليا باسم "داعش".
وقال جليسون، إن المفارقة تكمن في كون ترامب من أشد منتقدي قرارات أسلافه بغزو واحتلال العراق، وأخيراً سحب القوات الأمريكية منها.
ورأى المسئول الأمريكي السابق أنه بمحاولة ترامب صياغة تحليلات لدعم رؤية إدارته للعالم، فإنه يخلق الظروف التي تُلزم الولايات المتحدة بمسارات عمل تحمل احتمالية أن تكون مكلفة وكارثية.
وأشار جليسون إلى أن إدارة ترامب قد تكون تبحث عن العزاء في "حقائق بديلة" بواقع مشوه، لكن تسييس الاستخبارات هو إساءة هائلة للشعب الأمريكي.
وقال إن هناك العديد من الإصدارات الإعلامية والمواقع الإلكترونية والخبراء، الذين يمثلون طائفة كاملة من الفكر السياسي الأمريكي، سينقلون تلك النبرات المصدقة (التحليلات الاستخباراتية المسيسة) والتي هي "مشاعر ذاتية (للإدارة) أكثر منها حقائق مدروسة".
واختتم جليسون التقرير بتحذير إدارة ترامب من أن إجبار كادر الحكومة الأمريكية من المحللين المحترفين على المشاركة في الخيال الأيدولوجي للإدارة سيكون تقويضاً للأمن القومي للولايات المتحدة وليس تعزيزاً.
aXA6IDMuMTQ1LjkxLjExMSA= جزيرة ام اند امز