ترامب وسلام أوكرانيا وغزة.. حين تصطدم النوايا بـ«الحسابات المعقدة»

لا تكفي الرغبة في إنهاء النزاعات لتحقيق سلام فعلي ومستدام، سواء في أوكرانيا أو غزة، فالدبلوماسية تحتاج إلى أكثر من مجرد نوايا حسنة.
وترى مجلة ناشيونال إنترست أن تحقيق السلام يتطلب ظروفًا مواتية، وإرادة حقيقية من الأطراف المتحاربة، والتزامًا طويل الأمد من جميع المعنيين، مؤكدة أن الولايات المتحدة، التي لعبت على مدار العقود الأخيرة دورًا رئيسيًا في عمليات صنع السلام العالمية، تدرك هذه الحقيقة جيدًا.
لطالما كانت واشنطن قوة دافعة لتحقيق الاستقرار، حيث نجحت في المساعدة على إنهاء النزاعات في الشرق الأوسط والبلقان وإيرلندا الشمالية ومناطق أخرى من العالم. وقد حققت هذه النجاحات لأنها لم تحاول فرض السلام بالقوة، بل عملت على تشجيع الأطراف المتنازعة على التوصل إلى حلول عندما أدركوا أن السلام يخدم مصالحهم أكثر من استمرار القتال.
كانت هذه هي الاستراتيجية التي أسفرت عن معاهدة السلام بين إسرائيل ومصر عام 1979، واتفاق السلام بين إسرائيل والأردن عام 1994، ومعاهدة دايتون التي أنهت حرب البوسنة عام 1995، واتفاق الجمعة العظيمة في إيرلندا الشمالية عام 1998.
في كل هذه الحالات، جاء السلام نتيجة اقتناع الأطراف المتنازعة بأنه يصب في مصلحتها، وليس نتيجة ضغوط خارجية فرضت عليهم اتفاقات لم يكونوا مستعدين لها. فالرئيس المصري أنور السادات، على سبيل المثال، اختار السلام مع إسرائيل من أجل استعادة سيناء وتحقيق مكاسب اقتصادية لبلاده. أما الأطراف المتنازعة في إيرلندا الشمالية، فقد أنهكتها عقود من العنف وأدركت أن الحل السياسي هو الخيار الأفضل.
لكن في الحالات التي لا يكون فيها الأطراف المتنازعون مستعدين للسلام، فإن أي محاولة لفرضه من الخارج محكوم عليها بالفشل، بل قد تأتي بنتائج عكسية. وهذا هو الحال اليوم في أوكرانيا، حيث تحاول الولايات المتحدة -تحت قيادة ترامب- دفع كييف إلى قبول تسوية سلمية تخدم مصالح روسيا أكثر مما تخدم أوكرانيا.
ويسعى ترامب إلى إنهاء الحرب في أوكرانيا من خلال إنقاذ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من العزلة الدولية، وإجبار الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي على القبول بسلام تمليه موسكو، وتعليق المساعدات العسكرية الأمريكية لكييف كوسيلة للضغط عليها. ولكن المشكلة الأساسية في هذه الاستراتيجية هي أن أي اتفاق سلام يُفرض بالقوة لن يكون قابلاً للاستمرار على المدى الطويل، خاصة عندما يكون أحد الأطراف غير مهتم فعليًا بالسلام بقدر اهتمامه بتحقيق مكاسب استراتيجية.
أما فيما يتعلق بالصراع بين إسرائيل وحماس في غزة، فإن الوضع لا يختلف كثيرًا عن أوكرانيا، حيث لا يبدو أن أيًا من الطرفين مستعد للتوصل إلى سلام دائم. ورغم المحاولات المتكررة للتوصل إلى وقف إطلاق نار، فإن العداء العميق بين الطرفين تجعل من أي هدنة مجرد استراحة قبل جولة جديدة من القتال.
كان ترامب قد اقترح في وقت سابق خطة لإعادة إعمار غزة وتحويلها إلى "ريفييرا الشرق الأوسط"، لكنه ربط ذلك بطرد سكانها البالغ عددهم 2.1 مليون نسمة، وهو ما يعد اقتراحًا غير واقعي ولا يمكن تنفيذه على الأرض. كما هدد "بفتح الجحيم" إذا لم تفرج حماس عن جميع الرهائن بحلول الموعد الذي حدده، لكن الحركة تجاهلت تهديداته تمامًا، مما يسلط الضوء على محدودية تأثيره على هذا الصراع المعقد.
من جانبها، ترى "حماس" أن هجومها على إسرائيل في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 كان انتصارًا كبيرًا، وتتعهد بمواصلة القتال حتى تحقيق هدفها النهائي المتمثل في القضاء على إسرائيل. وفي المقابل، يؤكد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن إسرائيل لن تتوقف عن القتال حتى يتم تدمير حماس بالكامل.
وتشير المجلة إلى أنه كان هناك من درس يمكن استخلاصه من التاريخ، فهو أن تحقيق السلام يتطلب إرادة حقيقية من جميع الأطراف، وليس مجرد ضغط خارجي لفرض تسويات غير مستدامة.
وقد أثبتت الولايات المتحدة في الماضي أنها قادرة على لعب دور الوسيط الفعّال عندما تكون الظروف مناسبة، لكن سياسة فرض العصا والجزرة لا تستطيع فرض السلام بالقوة عندما لا تكون الأطراف المعنية مستعدة لذلك.
aXA6IDE4LjExNy4yNDkuMzcg جزيرة ام اند امز