دونيتسك ولوغانسك شرق أوكرانيا.. "جمهوريتان" مع إيقاف التنفيذ
مع احتدام التوترات بين روسيا وأوكرانيا تطل منطقتا "دونيتسك" و"لوغانسك" التي تشهد مواجهة مع كييف منذ ثماني سنوات إلى الواجهة مرة أخرى، بعدما وجه النواب الروس دعوة إلى الرئيس فلاديمير بوتين للاعتراف باستقلالهما عن أوكرانيا.
وسيمثل الاعتراف بالمنطقتين في حال حدوثه خطوة مهمة من شأنها أن تقضي بشكل فعال على عملية مينسك للسلام في شرق أوكرانيا التي تقول روسيا إنها ملتزمة بها، ولهذا السبب يشك بعض المحللين في استعداد بوتين لاتخاذ مثل هذه الخطوة.
ويعد هذا الصراع جزءا من أزمة أوسع مع تحذير الولايات المتحدة من احتمال أن تهاجم روسيا أوكرانيا في أي وقت بقوة يزيد حجمها عن 100 ألف جندي حشدتهم بالقرب من حدودها، وتنفي روسيا أي خطة من هذا القبيل وتتهم الغرب بالهستيريا.
فما قصة "دونيتسك" و"لوغانسك"؟
المنطقتان أعلنتا في 12 مايو/أيار 2014 استقلالهما بعدما صوت معظم سكانهما بشرق أوكرانيا في استفتاء عام لصالح الانفصال، وجاء ذلك عقب الإطاحة بالرئيس فيكتور يانوكوفيتش المنحدر من دونيتسك الموالي لروسيا في فبراير 2014.
ورفض سكان الشرق الناطقين في غالبيتهم باللغة الروسية والمؤيدين للعلاقات الجيدة مع روسيا، الاعتراف بالسلطة الجديدة في كييف التي تصاعدت في داخلها الأصوات الداعية لحظر استخدام اللغة الروسية، وبدأت تندلع أعمال عنف في المناطق الانفصالية.
وعمت موجة احتجاجات مناهضة لسلطات كييف ومطالبة بإقامة نظام فيدرالي في البلاد، مناطق جنوب شرق أوكرانيا، خاصة دونيتسك ولوغانسك، حيث تمكن المحتجون في أبريل/نيسان من السيطرة على مقرات إدارية ومؤسسات حكومية وأعلنوا عن تأسيس جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك الشعبيتين، بحسب وسائل إعلام روسية من بينها روسيا اليوم.
وتشكلت في دونباس قوات "الدفاع الذاتي" لمنع وصول العناصر القومية الراديكالية من أنصار السلطات الجديدة في كييف في محاولة لإخماد احتجاجات سكان المنطقة.
في المقابل، اعتبرت السلطات الأوكرانية الجديدة "الجمهوريتين الشعبيتين" تنظيمين إرهابيين وأعلنت بدء "عملية لمكافحة الإرهاب" في شرق البلاد، استخدمت خلالها الطائرات الحربية والمدفعية والعربات المدرعة.
وبعد أشهر من معارك خلفت أكثر من 40 ألفا بين قتيل وجريح، حسب الأمم المتحدة، ودمارا واسعا، توصل الطرفان بمساعدة روسيا وألمانيا وفرنسا بحلول مطلع عام 2015 إلى حزمة إجراءات تسوية أطلق عليها "اتفاقيات مينسك" ما أدى إلى انحسار القتال و"تجميد" الصراع.
وبحسب روسيا اليوم، لم تعترف حتى الآن أي دولة باستقلال دونيتسك ولوغانسك، اللتين تنص اتفاقيات مينسك على بقائهما ضمن أوكرانيا مع منحهما وضعا قانونيا خاصا يحمي مصالحهما الأمنية والسياسية الأساسية، لكن روسيا لم تخف تقديمها دعما إنسانيا ومعنويا وسياسيا واقتصاديا للجمهوريتين اللتين حصل نحو 700 ألف من سكانها خلال السنوات الأخيرة على الجنسية الروسية.
وتسيطر "الجمهوريتان الشعبيتان" على حوالي ثلث أراضي مقاطعتي دونيتسك ولوغانسك الأوكرانيتين والبالغة نحو 53 ألف كم مربع، ويقدر عدد سكانهما نحو 4 ملايين نسمة.
و"الجمهوريتان" تتمتعان بأراض غنية بموارد طبيعية لا سيما الفحم، وكانت المنطقة تتميز بمستوى عال من تطور الصناعات الثقيلة، إلا أن الحرب وتداعياتها تسببت في أزمة اقتصادية حادة وانكماش ملحوظ في قطاع الصناعة، بحسب المصدر نفسه.
مينسك وانهيار السلام
وعادت اتفاقية مينسك التي أدخل عليها تحسينات بعد فشلها في احتواء الأزمة، من جديد وللمرة الثالثة لتكون أساسا لوأد الصراع بين روسيا وأوكرانيا، مع تأكيد بوتين والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، تعهدهما بالالتزام بها.
ومينسك هي اتفاقية لوقف النزاع في شرق أوكرانيا بين الحكومة والانفصاليين في الأقاليم المتاخمة للحدود الروسية المدعومين من موسكو، وجاءت على وقع محاولة الانفصاليين بشرق أوكرانيا، الاستقلال والانضمام إلى روسيا التي ضمت جزيرة القرم عام 2014.
وتم توقيع ما يطلق عليه اتفاقية مينسك الأولى في 5 سبتمبر/أيلول 2014، بمشاركة ممثلين من أوكرانيا، وروسيا، وجمهورية دونيتسك الشعبية، وجمهورية لوغانسك الشعبية، ومنظمة الأمن والتعاون في أوروبا، بعد محادثات مكثفة في مينسك ببيلاروسيا، تحت رعاية منظمة الأمن والتعاون.
وينص اتفاق مينسك على وقف الأعمال العسكرية بين الانفصاليين والجيش الأوكراني وتنفيذ خارطة طريق تقضي بإيجاد حل سياسي للنزاع في شرق أوكرانيا.
ولم يفلح الاتفاق في تنفيذ وقف كامل لإطلاق النار في شرق أوكرانيا، وعلى إثر ذلك اجتمع قادة أوكرانيا وروسيا وفرنسا وألمانيا، في فبراير/شباط 2015 في نورماندي غربي فرنسا، واتخذوا سلسلة إجراءات لإنهاء الحرب بشرق أوكرانيا، فيما أطلق عليه اتفاق "مينسك 2".
أطراف الاتفاق
ووقع على الاتفاق الأول في 2014 الدبلوماسية السويسرية وممثلة منظمة الأمن والتعاون في أوروبا هايدي تاجليافيني، والرئيس السابق لأوكرانيا والممثل الأوكراني ليونيد كوتشما، وسفير روسيا في أوكرانيا والمندوب الروسي ميخائيل زورابوف، والمتمردان ألكسندر زاخارتشينكو وإيجور بلوتنيتسكي.
فيما انضم للتوقيع على اتفاقية "مينسك 2" في فبراير/شباط 2015، إلى جانب تلك الأطراف، زعماء فرنسا وألمانيا.
بنود الاتفاق
شمل اتفاق "مينسك 1"، على 9 نقاط أبرزها إنشاء منطقة عازلة مساحتها 30 كيلومترا (15 كلم من كل جانب) لفصل القوات الحكومية عن المقاتلين الموالين لموسكو.
كما شمل سحب "جميع المجموعات المسلحة وكذلك التجهيزات العسكرية والمقاتلين" إلى الحدود الخارجية للمنطقة العازلة، وعدم استعمال الأسلحة الثقيلة في المناطق المأهولة.
إضافة إلى منع المقاتلات والطائرات المسيّرة من التحليق فوق منطقة أمنية تحت مراقبة منظمة الأمن والتعاون في أوروبا.
وعقب فشل الاتفاق في وقف القتال في دونباس، تبعته حزمة جديدة من الإجراءات سميت بـ"مينسك 2"، وتتألف من 12 بندا لضمان وقف فوري لإطلاق النار الثنائي، وضمان المراقبة والتحقق من وقف إطلاق النار من قبل منظمة الأمن والتعاون في أوروبا.
وتشمل الاتفاقية على لا مركزية السلطة في أوكرانيا، من خلال اعتماد القانون الأوكراني "بشأن النظام المؤقت للحكم الذاتي المحلي في مناطق معينة من ولايات دونيتسك ولوغانسك".
كما تشترط إنشاء مناطق أمنية في المناطق الحدودية لأوكرانيا والاتحاد الروسي، والإفراج الفوري عن جميع الرهائن والمحتجزين بشكل غير قانوني.
وضمت الاتفاقية وضع قانون يمنع مقاضاة ومعاقبة الأشخاص فيما يتعلق بالأحداث التي وقعت في بعض مناطق دونيتسك ولوغانسك، بالإضافة إلى مواصلة الحوار الوطني الشامل، واتخاذ التدابير اللازمة لتحسين الوضع الإنساني في شرق أوكرانيا.
وتضمن الاتفاقية كذلك إجراء انتخابات محلية مبكرة وفقًا للقانون الأوكراني، بشأن النظام المؤقت للحكم الذاتي المحلي في مناطق معينة من دونيتسك ولوغانسك.
كما تنص على سحب الجماعات المسلحة غير الشرعية والمعدات العسكرية وكذلك المقاتلين من أراضي أوكرانيا، وكذلك تبني برنامجا للإنعاش الاقتصادي وإعادة الإعمار لمنطقة دونباس، وتوفير الأمن الشخصي للمشاركين في المشاورات.
ورغم انهيار هذا الاتفاق وفشله في وقف القتال بشكل دائم، لكنه يظل الأساس لأي حل مستقبلي للنزاع، بحسب ما تم الاتفاق عليه في اجتماع نورماندي.