صراع السلطة يستنزف ثروات ليبيا.. خبير اقتصاد: هناك مؤامرة
محطة جديدة من الصراع بين حكومتين في ليبيا على كل شيء تصل إلى إيرادات بيع النفط الذي تعتمد عليه البلاد بشكل شبه كلي في تمويل ميزانيتها العامة.
وفي ليبيا هناك حكومتان، الأولى كلفها مجلس النواب مطلع عام 2022 برئاسة فتحي باشاغا، والثانية حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبدالحميد الدبيبة الذي يرفض تسليم السلطة رغم انتهاء ولاية حكومته، وفق خارطة الطريق التي أتت بها قبل عامين، وكذلك قرار مجلس النواب الليبي بإعفائها.
ذلك الصراع بين الحكومتين حول النفوذ شمل التعليم والصحة، إلى أن وصل لصراع مسلح تمثل في مواجهات بين مجموعات مسلحة تابعة ومؤيدة للحكومتين.
واليوم، وصل ذلك الصراع إلى مال الليبيين المتمثل في الإيرادات النفطية.
ذلك ما كشفت عنه مخاطبة أرسلها وزير التخطيط والمالية بالحكومة الليبية المكلفة من مجلس النواب أسامة حماد للنائب العام ورئيس هيئة الرقابة الإدارية ورئيس ديوان المحاسبة ورئيس هيئة مكافحة الفساد.
الوزير حماد قال في المخاطبة التي تحصلت عليها "العين الإخبارية " لرؤساء تلك الجهات الرقابية: "نخطركم بالجرائم والمخالفات المالية الجسيمة التي ارتكبها رئيس حكومة الوحدة الوطنية منتهية الولاية بتاريخ 28 ديسمبر/كانون الأول 2022 والتي تضاف إلى غيرها من المخالفات الأخرى في حق قوت الليبيين" وفق قوله.
تلك المخالفات وفق نص مخاطبة الوزير تتمثل في "إقدام رئيس حكومة الوحدة الوطنية منتهية الولاية بتعلية (ترحيل) مبلغ يزيد عن 16 ملياراً و500 مليون دينار من مخصصات الباب الثالث بما يسمى الترتيبات المالية التي قدرها لهذه السنة دون سند قانوني".
ويقصد الوزير بحكومة باشاغا بهذا الأمر هو ما كشف عنه نشطاء قبل يومين من قيام عبدالحميد الدبيبة بترحيل مبلغ مالي من الميزانية العامة لعام 2022 إلى عام 2023.
وعن ذلك قال أسامة حماد في مخاطبته لرؤساء الأجهزة الرقابية إن "ما قام به رئيس حكومة الوحدة الوطنية منتهية الولاية مقصده التهرب من ترجيعه لحساب الاحتياطي العام في نهاية السنة المالية، كما تقضي بذلك التشريعات النافذة" حسب قوله.
وأضاف عن ذلك أيضا "لإقدام على تعلية مبلغ بهذه الضخامة والادعاء بأنه يخص تنفيذ مشروعات تنموية لم يتم استكمال إنجازها خلال السنة المالية ما هو إلا تضليل وافتراء".
وواصل حماد حديثة الموجه إلى رؤساء الأجهزة الرقابية في بلاده قائلا "المؤسسة الوطنية للنفط لعبت دورا محوريا مخالفا للقانون فيه، وذلك بتغذية حسابات وزارة المالية بحكومة الوحدة الوطنية منتهية الولاية بالتغطية المالية من الإيرادات النفطية المودعة بحساب المؤسسة لدى المصرف الليبي الخارجي".
ومضى "سنلجأ لاتخاذ جملة من الإجراءات التصعيدية بقصد إيقاف تدفق الإيرادات الناتجة عن مبيعات النفط والغاز إلى الحسابات المصرفية للمؤسسة، وذلك من باب حفظ هذه الأموال من الهدر والتبذير".
وفي ختام مخاطبته طالب حماد بـ"فتح تحقيق جنائي وإداري موسع في الموضوع وتحريك الدعوى الجنائية والتأديبية ضد رئيس حكومة الوحدة الوطنية منتهية الولاية وكل شركائه في الوقائع المشار إليها وتحميل المسؤولية القانونية وما يترتب عنها من آثار للمخالفين".
وفي 29 سبتمبر/أيلول 2022 طالب وزير المالية بالحكومة المكلفة من مجلس النواب أسامة حماد محافظ مصرف ليبيا التابع لحكومة الوحدة الوطنية في طرابلس الصديق الكبير "بإحالة الإيرادات الواردة بقانون الميزانية إلى حسابات وزارة المالية حال إيداعها بحسابات المصرف أولا بأول وعدم إحالتها إلى أية أجسام موازية"، في إشارة لوزارة مالية حكومة الدبيبة في طرابلس.
"أمر خطير"
وعن ذلك وصف الخبير الاقتصادي الليبي مراد الصابري الصراع بين الحكومتين على إيرادات النفط الليبية بـ"الأمر الخطير جدا" قائلا لـ"العين الإخبارية" إن "الإيرادات النفطية هي أساس الحياة في ليبيا بشكل حصري".
وقال مراد الصابري إن الصراع بين حكومة فتحي باشاغا وحكومة عبدالحميد الدبيبة أتى على جميع مناحي الحياة، إلا أن الصراع على إيرادات النفط هو الأخطر ويعد مرحلة متقدمة، كون الإيرادات النفطية هي التي يصرف منها على التعليم والصحة وجميع مناحي الحياة في ليبيا.
ومن زاوية أخرى يقول الخبير الاقتصادي الليبي إن ما قام به الدبيبة من ترحيل مبلغ ضخم كان في حسابات البنك الليبي الخارجي عبر مؤسسة النفط هو أمر يدل على وجود مؤامرة خطيرة.
وفسر الخبير الاقتصادي حديثه أكثر بالقول إنه "في ليبيا كانت تصب جميع إيرادات الدولة وخاصة النفطية التي ترتكز عليها الميزانية العامة للدولة في البنك المركزي في العاصمة الليبية طرابلس، إلا أنه منذ يوليو/تموز الماضي أصبحت إيرادات النفط تصب لدى حسابات البنك الخارجي وهي شبه مجمدة بسبب الصراع".
وأضاف: ذلك التجميد لتلك الإيرادات حدث وفق خطة أمريكية كشف عنها المبعوث الأمريكي الخاص إلى ليبيا، السفير ريتشارد نورلاند، تقضي بتجميد إيرادات النفط الليبي لحين تشكيل لجنة ليبية تشرف على عملية إنفاق تلك الإيرادات بالتساوي في ليبيا وفق مبدأ إدارة موارد ليبيا المالية بشكل شفاف، وذلك كي لا يستفيد منها أي طرف من الأطراف المتصارعة وفق تلك الخطة.
وبحسب الصابري فإنه "رغم أن تلك الخطة الأمريكية لم تلاقِ قبول الليبيين إلا أنها طبقت فعلا وحجزت الإيرادات النفطية في البنك الليبي الخارجي"، متسائلا: كيف وصلت إلى حكومة الدبيبة رغم التجميد المفروض عليها؟
واستطرد بالقول "لذلك قلت إن الأمر يحمل مؤامرة" كونه "يجب ألا تصل تلك الأموال لأي من الحكومتين المتنافستين حتى يتم تشكيل اللجنة، إلا أنها وصلت لحكومة الدبيبة التي سوف تستخدمها لصالحها ولن يصل منها شيء للمناطق غير الخاضعة لسيطرة الدبيبة مثل المنطقة الشرقية أو الجنوبية".
الخبير الاقتصادي الليبي تابع "من البداية كانت الفكرة الأمريكية التي تقضي بتجميد عائدات النفط في البنك الخارجي الليبي فكرة خطأ، كون ذلك البنك الليبي الخارجي يديره محمد علي عبدالله الضراط، العضو البارز في الجبهة الوطنية لإنقاذ ليبيا، وهو تنظيم إسلامي مقرب جدا من تنظيم الإخوان الليبي".