أزمة الدواء.. محنة جديدة للسودانيين في خضم انهيار اقتصادي
لجنة صيادلة السودان المركزية قالت ندق ناقوس الخطر بحدوث كارثة دوائية تهدد أمن المواطن الدوائي والصحي
يعاني السودانيون من أزمة أدوية حادة في بلد يواجه أصلا أزمة اقتصادية تتفاقم، وذلك في خضم أزمة فيروس كورونا المستجد، ما يضع السلطات أمام تحديات إضافية في مرحلة تلي 30 عاما من حكم الرئيس عمر البشير الذي أطيح به السنة الماضية.
وقال عبد العزيز آدم ذو السبعة وعشرين عاما والذي يعاني من مرض الربو إنه جاء إلى الخرطوم من أم درمان بحثا عن الدواء الذي يتناوله بانتظام ولكنه لم يجده.
وأضاف لوكالة فرانس برس وقد بدا عليه التعب، "منذ ثلاثة أيام أبحث عن الدواء ولم أجده حتى الآن".
وبات أمرا عاديا أن تعلن الصيدليات يوميا نفاد أحد أصناف الدواء.
وزاد تفشي فيروس كورونا المستجد من حدة الأزمة بسبب إغلاق الحدود. وسجل السودان حتى الآن أكثر من 8900 إصابة بكوفيد-19 وقرابة 550 وفاة، وفق الأرقام الرسمية.
واحتجاجا على الوضع، نظمت لجنة صيادلة السودان المركزية، وهي بمثابة النقابة العامة للصيادلة وعضو في تجمع المهنيين السودانيين الذي قاد الثورة على نظام عمر البشير، إضرابا جزئيا مطلع الأسبوع الحالي.
وكانت النقابة قد سلّمت مذكرة احتجاج الأسبوع الماضي الى رئيس الوزراء عبد الله حمدوك.
وقالت في بيان نشرته على صفحتها على "فيسبوك" "ندق ناقوس الخطر بحدوث كارثة دوائية تهدد أمن المواطن الدوائي والصحي".
وأضافت، "مسؤوليتنا تحتم علينا التصدّي لأحد أهم استحقاقات الشعب السوداني في الحياة والتي يمثل الدواء أحد أركانها، ومن واجب الدولة الحرص على توفيره بالسعر المناسب مع ضمان فعاليته".
- الدولار وراء تصاعد الأزمة
ومن جانبه قال عبد العزيز عثمان، وهو صاحب صيدلية بالقرب من مستشفى الخرطوم، كبرى مستشفيات السودان، "هناك نقص في الكثير من الأدوية والمتبقي منها أخذ في النقصان".
وأشار إلى الشركات المستوردة امتنعت عن الاستيراد لأن البنك المركزي توقف عن توفير الدولار بالسعر الرسمي، وأن استمرار الوضع على هذا الحال سيضطره إلى إغلاق صيدليته.
وأضاف "بات على هذه الشركات أن تدبّر العملة الصعبة من السوق السوداء ما يرفع كلفة الاستيراد في حين أن الحكومة تفرض أسعارا ثابتة للأدوية"، ما يجعل الاستيراد غير مجز بل يمكن أن يعود بالخسارة على الشركات.
ويعاني السودان من أزمات اقتصادية تفاقمت على مدى ثلاثة عقود من حكم البشير.
وبحسب تقرير نشره في مارس/آذار الماضي مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة، استورد السودان "أدوية قيمتها 365 مليون دولار العام الماضي"، أي أقل بنحو 90 مليون دولار عن العام 2017 بعد تحسن طفيف في 2018.
ومع انكماش إجمالي الناتج المحلي السوداني بنسبة سالب 2.5% (- 2.5%) في عام 2019، يتوقع أن يزداد هذا الانكماش إلي سالب 8% (- 8%) في عام 2020، بحسب صندوق النقد الدولي.
وبلغ معدل التضخم في السودان 114% في مايو/أيار الماضي.
وتوقفت نسبة كبيرة من مصانع الدواء المحلية عن العمل بسبب عدم توافر المواد الخام المستوردة كذلك.
وبحسب إحصاءات لوزارة التجارة والصناعة، من بين 27 مصنع أدوية في السودان تغطي 45% من استهلاك البلاد، لم يعد يعمل إلا 19 مصنعا فقط وبنصف الطاقة الإنتاجية.
وأقر وزير الصحة أكرم علي التوم في تصريحات لوسائل الإعلام المحلية مطلع الشهر الجاري بـعجز في قدرة الحكومة على توفير النقد الأجنبي لاستيراد أدوية جديدة.
وزادت أزمة النقد الأجنبي في السودان منذ استقلال جنوب السودان في العام 2011، وانتقال عائدات حقول النفط إليه لوقوعها ضمن أراضي الجنوب.
ويقول جلال محمد أحمد الذي يدير شركة لاستيراد الدواء "السودان يحتاج الى استيراد أدوية في الشهر بقيمة 55 مليون دولار"، مشيرا إلى أنه استورد "منذ بداية العام دواء بمبلغ 9 ملايين دولار فقط".
- مبادرات أهلية
في حي شمبات في شمال الخرطوم، أطلقت مجموعة من العاملين في القطاع الصحي مبادرة لتوفير الأدوية.
وتقول الطبيبة أمل تاج الدين، وهي تستقبل بعض المرضى في مركز أنشأته المبادرة، : "طلبنا من المواطنين أن يحضروا أي دواء الفائض عن حاجته.. كما تلقينا بعض التبرعات وصارت لدينا صيدلية في المركز الذي يعد مركزا للطوارئ وكل العاملين فيه متطوعون".
وتشير إلى أن المتطوعين يقومون بتصنيع المعقمات محليا عبر متخصصين في مجال الصيدلة متطوعين كذلك.
وتضيف "نقدم للداخلين إلى المقر المعقمات والكمامات وكلها مصنّعة محليا وبأسعار رمزية".