تتدفق عبر شمال الساحل الأفريقي قوافل المخدرات وغيرها من الممنوعات، في محاولة للوصول إلى البحر الأبيض المتوسط.
وبالإضافة إلى هذا المسار، هناك طرق أخرى تصل من البلدان الساحلية الأطلسية، إذ يتم نقل الكوكايين وكذلك حاويات السجائر المهربة.
كيف يمكن إذاً لهذه القوافل أن تمرّ عبر منطقة مليئة بالإرهابيين وقطّاع الطرق؟.. لم إجابة منطقية هنا سوى إجابة واحدة، وهي أن يتم ذلك بمساعدة مَن يسيطر على تلك المناطق، وهم الإرهابيون.
تعطينا كمية الكوكايين المُصادرة فكرة عن درجة الفساد المستشري في الساحل، ففي مايو/ آيار سنة 2019 تم ضبط شحنة من الكوكايين تصل إلى 1000 كيلوجرام في تابانكورت، شمال مالي، والتي ينتشر بها إرهابيو تنظيم القاعدة، إذ لم يتردد مسلحو "نصرة الإسلام"، التابع للقاعدة، في استخدام المخدرات بمنطقة الساحل كمصدرٍ لتمويل أنشطتهم الإرهابية.
وتحدّثت العديد من التقارير عن روابط بين تجارة المخدرات والإرهاب في منطقة الساحل، وكانت إحدى هذه الحالات، التي تم الكشف فيها عن تلك الروابط، هجمات القاعدة على مطعم وفندق بعاصمة بوركينا فاسو، في 15 يناير/كانون الثاني 2016، إذ كان العقل المُدبّر لهذه الهجمات "بابا ولد شيخ"، المعروف بكونه وسيطاً في عمليات الخطف وتهريب الكوكايين.
وكان قائد "بابا ولد شيخ"، والذي أمره بالتخفي والتسلل لتنظيم الهجمات، هو محمد ولد نويني، المعروف باسم "الحسن"، وهو نائب "مختار بلمختار"، زعيم "المرابطون"، التابع لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب وأحد مؤسسي تنظيم "نصرة الإسلام"، التابع للقاعدة، وتولّى تمويل هذه الهجمات أبو يحيى، أحد مؤسسي "نصرة الإسلام" ومسؤول في تنظيم القاعدة ببلاد المغرب وأمير منطقة الصحراء.
وتضغط المليشيات المسلحة بمساعدة رجال أعمال ومهربين في مالي على الحكومة لتوفير الحماية والإفلات من العقاب والإفراج عن أعضاء شبكة تهريب المخدرات التابعة لمحمد بن أحمد مهري، المدرج بقائمة جزاءات الأمم المتحدة، والمعروف باسم "روقي"، إذ تم القبض على هؤلاء في النيجر وبحوزتهم كمية مخدرات تزن 2.5 طن في عام 2018.
وخلال محاكمة المتهمين، تم الكشف في 29 أبريل/نيسان 2020 عن أن المهربين غادروا المغرب ومعهم 10 أطنان مخدرات، متجهين إلى النيجر، وتم نقل الشحنة في شاحنات مبردة عبر موريتانيا ومالي وبوركينافاسو، فيما كان جزء من الشحنة موجهاً إلى ليبيا.
أحد المتورطين في شبكات التهريب هذه في الساحل هو غمور إيتو بيديكا، وهو زعيم سابق لمتمردين في النيجر بين عامي 2007 و2009.
وللتعريف أكثر ببيديكا، ذكرت مصادر مطلعة على أحداث الكمين، الذي تعرضت له دورية تابعة لقوات المارينز الأمريكية في تونغو-تونغو بالنيجر في 4 أكتوبر/تشرين الأول 2017، وانتهى بمقتل جنود أمريكيين، أن الدورية كانت تبحث عن "بيديكا"، لكونه أحد الضالعين في تنسيق وتسهيل تجارة المخدرات ونقل الإرهابيين.
وقبل سنة من الآن، أي في يونيو/حزيران الماضي، كان "بيديكا" مسؤولاً عن حماية قافلة مخدرات في النيجر، وتعرضت القافلة للهجوم، ولم يتردد "بيديكا" في الرد، ما أسفر عن مقتل 20، وهو ما يمكن أن يعطينا فكرة عن نوع وحجم الشحنة.
يمكن مواصلة سرد القائمة الطويلة من حالات تهريب المخدرات والكوكايين، التي تورطت فيها الجماعات المسلحة في منطقة الساحل الأفريقي، والإرهابيون بالطبع، لكن الأخطر هنا هي شبكة العلاقات التي تجمع إرهابيين بأشخاص مؤثرين في منطقة الساحل، عبر مصالح مشتركة، تؤدي بالمنطقة إلى حالة من عدم الاستقرار والفوضى.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة