يُعدّ التمويلُ من أكثر النقاط التي تُقلق المختصين في شؤون الجماعات الإرهابية في غرب أفريقيا.
فلم يعد سراً أن تلك الجماعات تلجأ إلى مجال التعدين لتحقيق أرباح تستغلها في أنشطتها. ومنذ عام 2018، ازدهر التنقيب عن الذهب في شمال مالي، وبالتحديد في منطقتي كيدال وغورما راروس.
وكان ارتفاع سعر الذهب بما يقرب من 15 يورو إضافيًّا للجرام، منذ عام 2018، أحد الأسباب التي أسهمت في ذلك الازدهار، أما السبب الثاني فهو أن شبكات الاتجار بالبشر تنقل المهاجرين إلى هذه المناطق للعمل مقابل أجر ضئيل يحصلون به على تكاليف نقلهم إلى أوروبا.
في العادة يكون الاستخراج التقليدي للذهب، أو أي نشاط منجمي آخر، عاملاً في تنمية وازدهار منطقة أو بلد ما، شريطة أن تكون عمليات التنقيب خاضعة لسلطة الدولة وتحت حماية أمنية شرعية، لأن البديل هو أن يكون هذا النشاط مصدرًا لتمويل الإرهابيين، وهو بالضبط ما يحدث في منطقة الساحل.
تُنشر دائما أخبار بانتظام تفيد بأن تنظيم "القاعدة" يواجه "داعش" في الصحراء الكبرى عند الحدود الثلاثية لمالي وبوركينا فاسو والنيجر.
وتكمن مصلحة الإرهابيين في احتلال هذه المناطق، بصرف النظر عن كونها منطقة استراتيجية، في أنهم يريدون ترسيخ وجودهم بالممرات التي يستخدمها المهرّبون في شمال الساحل، والتي تمتد من موريتانيا إلى ليبيا، والتي يُوظَّف كثير منها في استخراج المعادن.
وإذا دققنا في خريطة مناطق الذهب في غرب أفريقيا، وخريطة المناطق التي تحتلها الحركات الإرهابية، نلاحظ أن الإرهابيين يختارون دائماً احتلال مناطق غنية بالمعادن.
ففي شمال مالي، من كيدال إلى تساليت، يوجد حالياً آلاف من المنقبين لاستخراج الذهب دون فرض أي ضرائب عليهم، فيما لا تصل أي سلطة إلى المناطق النائية الخاضعة لمسلحين تابعين لتنظيم "القاعدة" في منطقة الساحل.
وإلى الجنوب الشرقي من تمبكتو، باتجاه الحدود مع بوركينافاسو والنيجر، توجد غورما راروس، وهي منطقة أخرى لتعدين الذهب، يصل إليها عمال قادمون من دول أفريقية وغير أفريقية، ولكن يوجد هناك أيضا مسلحون منتسبون إلى "القاعدة"، بعد أن كانت مناطق التنقيب تلك في السابق تحت سيطرة "داعش"، ومن الواضح أنها كانت أحد أسباب الاشتباكات بين التنظيمين هناك.
وتُقدّر الإحصائيات عدد المنقبين في مالي بما يصل إلى 200000 عامل، بطاقة إنتاجية تُقدّر بين 5 و20 طناً سنوياً.
ويدفع المنقّبون 50 ألف فرنك أفريقي (60 يورو) لمسلحين تابعين لـ"القاعدة" ليسمحوا لهم بالعمل، بالإضافة إلى 10000 فرنك أفريقي شهرياً (15 يورو).
إن استخدام الجماعات الإرهابية لثروات التعدين، كمصدر للتمويل، أمرٌ ليس جديدا، فقد سبق لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية أن حذرت عام 2011 من سيطرة تنظيم القاعدة في بلاد المغرب على مناجم ماس بدولة في غرب أفريقيا، وقدّر الـ"سي آي إيه" أنه تم استخراج نحو 300 ألف قيراط ماس من هذه المناجم سنويا، مما سمح بتحقيق أرباح تبلغ 25 مليون دولار.
الأكثر خطورة أن تنظيم "القاعدة" لم يكن لديه مشكلة في بيع هذا الماس لأعضاء "حزب الله"، ما يعني ربما أن الإرهاب في وجه مهم من وجوهه ليس أكثر من نشاط تجاري مُربح.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة