برغم كل ما يُثار حول التطورات الراهنة في الساحة السياسية الحزبية في إسرائيل، فإن الغموض والترقب والانتظار سيكون سيد الموقف لبعض الوقت.
فالقضية ليست تشكيل حكومة جديدة، لأن الأمر مرتبط بما سيتم من تغيير حقيقي مرتقب، والمسألة أكبر من بقاء أو رحيل رئيس الوزراء، نتنياهو، وتتجاوز مخطط إعادة تأكيد الثوابت التي تحكم إسرائيل منذ قيام دولة لم يصل عمرها بعد إلى 100 عام.
يحرص بعض قادة إسرائيل على التأكيد أن مستقبل الدولة بأكمله في مأزق سياسي كبير، خاصة أن الثوابت الحاكمة للمجتمع الإسرائيلي ليست قابلة للتغيير، حتى مع صعود دور للمجتمع العربي، ودخول القائمة الموحدة الحكومة الجديدة، وعلو صوت العرب بالمطالبة بتشكيل هيئة مراقبة للاحتفاظ بمناطق "سي" في الضفة الغربية، وتعزيز المواقع التراثية وتوسيعها والتصديق على 300 ألف وحدة سكنية بأسعار مناسبة، وتقسيم منصب المستشار القضائي للحكومة، وإجراء إصلاحات تتعلق بالحقوق المدنية في التحقيقات والإجراءات القضائية، وإقامة جامعة في منطقة الجليل، ونقل المسؤولية عن تعليم الطفولة المبكرة إلى وزارة التعليم، وربط المراحل التربوية، وإقرار خطة اقتصادية خمسية للمجتمع العربي بميزانية 30 مليار شيكل تشمل المرافق، وخطة خمسية لمكافحة الجريمة والعنف في المجتمع العربي بميزانية 2.5 مليار شيكل، وخطة عشرية بميزانية 20 مليار شيكل للبنى التحتية في البلدات العربية، وميزانية سنوية بـ500 مليون شيكل لمشروعات النهوض بالسلطات المحلية العربية على 5 سنوات، ورئاسة اللجنة لقضايا العرب، ومنصب نائب رئيس الكنيست، مع تمديد القرار بتجميد إجراءات الضبط القانوني وفرض الغرامات، وهدم البيوت العربية المبنية بشكل غير قانوني، مع صدور قرار حكومي بالاعتراف بالثلاث بلدات: عبدة، خشم زنة، ورخمة، وخلال 9 أشهر إقرار خطة للتصديق عليها حول تطوير وتسوية القرى غير المعترف بها، وفي أثناء ذلك يتم التوجه إلى سلطات تنفيذ القانون لتجميد أوامر هدم البيوت التي بُنيت حتى تاريخ الأول من يناير 2021، وإعداد خطة اقتصادية اجتماعية للنهوض اقتصاديًّا وصناعيًّا بالبلدات البدوية في النقب.
مقابل ذلك، سعت أحزاب الائتلاف لتقديم شروطها ومطالبها في إطار من المزايدات السياسية المتعارف عليها، وتفعليها لحكومة تضم كلا من حزب "يوجد مستقبل" بزعامة يئير لبيد، وحزب "يمينا" بزعامة نفتالي بينيت، وهما الحزبان الرئيسيان في هذا الائتلاف، كما انضم حزب "أزرق أبيض" بزعامة بيني جانتس، وحزب "القائمة العربية الموحدة" بزعامة منصور عباس، كذلك حزب "العمل" بزعامة ميراف ميخائيلي، وحزب "ميرتس" اليساري بزعامة نيتسان هوروفيتس، و"أمل جديد" بزعامة جدعون ساعر، وأخيرًا حزب "إسرائيل بيتنا" بزعامة أفيجدور ليبرمان، أي أنها تضم كل المتناقضات معًا.
وبالتالي، فالرهان حول استمرار المشهد الحالي، الذي يتشكل، في حاجة إلى مراجعة، رغم أن هناك كثيرًا من المحفِّزات المقابلة، والتي تشير إلى إطار التغيير المحتمل، وقد تركز بالنسبة للجميع في عدم الذهاب إلى انتخابات خامسة، حيث يوجد جزء كبير من الأحزاب يتخوف من عدم تجاوز نسبة الحسم، والاختلاف حول المكاسب الواردة لأطرافها اليمينية، فجميعها سيربح كثيرًا من غياب نتنياهو وانتهاء فترته الحزبية، حيث يعتبر أطرافُ اليمين، بينيت وساعر وليبرمان، إقصاء نتنياهو هدفًا أول بالنسبة لهم قد يفتح الطريق لأحدهم لتولي زعامة اليمين.
إضافة إلى أن "بينيت"، ذي السبعة مقاعد، كان من الصعب عليه أن يرفض عرضًا بالتناوب على رئاسة الحكومة، بشرط أن يكون هو أولًا، وأن الحكومة المسماة "حكومة وحدة" ستحافظ على المشتركات الراهنة لائتلافها دون المساس برؤية "بينيت" و"ساغر".
والمتوقع -في المقابل- أن يستمر حزب الليكود في بذل جهودٍ دعائية تهدف إلى شيطنة الحكومة الجديدة، بعرضها على أنها تمثل "اليسار المتطرف" من ناحية، ومن ناحية ثانية محاولة تأجيج المعارضة داخل "يمينا" للانضمام إلى الحكومة البديلة ولو بعد أشهر من الآن، من منطلق أن قاعدة الحزب الانتخابية ذات توجهات يمينية متطرفة، وترفض تشكيل حكومة بالتعاون مع أحزاب اليسار، أي لن يكون التسليم بما سيتم عنوانا للمرحلة المقبلة، بل بالعكس دخول مرحلة جديدة من المواجهات الحزبية.
ولعل الصراع الراهن بين نتنياهو، ووزير الدفاع الإسرائيلي، بيني جانتس، يشير إلى هذا، خاصة أن الخلاف وصل إلى إدارة بايدن، واتضح جليا في زيارة "جانتس" مؤخرًا، حيث شملت قضايا الحوار بين "جانتس" ومسؤولين أمريكيين التباحث بشأن الاتفاق النووي مع إيران، وأمن إسرائيل واستقرار الشرق الأوسط، والتوافق بشأن وضع ضمانات لسلام طويل الأجل في قطاع غزة، وعودة إسرائيليين وجثامين احتجزتها حركة "حماس" في القطاع، كما قدم "جانتس" طلبا للبنتاجون بقيمة مليار دولار لتجديد منظومة "القبة الحديدية" للدفاع الصاروخي.
ومن الواضح أن هناك دعمًا واسعًا لإسرائيل في الحزب الديمقراطي الأمريكي، رغم استمرار كثير من أعضاء الكونجرس الديمقراطيين في التحفظ على هذا ومعارضة ضخ أي أسلحة أو تمويل لإسرائيل، والضغط على إدارة "بايدن" لوقف تقديم أسلحة أمريكية إلى تل أبيب.
في خضم ما يجري داخل إسرائيل، وفي سياق علاقاتها مع الولايات المتحدة، لن يحدث التغيير المنشود، كما يراه الساسة في إسرائيل، كلٌّ وفق رؤيته ومنهجه، بل ستحدث حالة من عدم الاستقرار لحين التوصل إلى نقطة بداية يعمل من خلالها المجتمع السياسي بأكمله، أما الوضع الأمني والاستراتيجي فمتماسك، ولا توجد أي مشكلات بشأنه، خاصة أن المستوى العسكري هو من يدير ويتحكم، وبالتالي فإن الاستقرار في غزة سيتم، والتواصل بشأن الهدنة قائم، كما ستمضي إسرائيل في مسارها الإقليمي دون أن يكون هناك أي تغيير، على اعتبار أن مخطط العسكريين الحالي هو الاستمرار في خيار التهدئة والعمل من أجل جني ثمار الحضور الإسرائيلي في الإقليم، وتحقيق المكاسب السياسية والاستراتيجية، ومن ثمَّ لن يكون هناك أي توقف فيما يجري على أي مستوى.
وفي ظل تحولات حقيقية تجري على جهات مختلفة، فإسرائيل، التي تشهد لحظة تغيير سياسية على مستوى محدد، لن تتجه لخيارات خارج نطاقها، حتى مع التعامل مع المهددات الأمنية والاستراتيجية، التي طرحتها على إدارة "بايدن"، وكذلك على مستوى الحراك الحزبي غير المستقر.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة