الحرب تحرق"الأحلام المستدامة".. هل يعود الفحم لأزهى عصوره بأوروبا؟
يبدو أن طبول الحرب الروسية الأوكرانية التي دقت في القارة العجوز، تدفع أوروبا للهرولة إلى الوراء خلف الخروج من أزمة الغاز الروسي.
وسيكون ذلك رغم كل الأحلام القوية في دفعة عالمية إلى الأمام من أجل المستقبل الأخضر، ونحو صفر انبعاثات كربونية، وفقا لاتفاق باريس للتغير المناخي، الذي وقَّعت عليه 195 دولة.
الفحم عميد الوقود الأحفوري
ينظر إلى الفحم على أنه أحد أكثر أنواع الوقود الأحفوري تلويثاً للبيئة، إذ يظل هو أكبر مصدر لانبعاثات الكربون الضارة.
وبحسب تقديرات وكالة الطاقة الدولية، فإن 77 في المئة من انبعاثات الكربون من قطاع توليد الكهرباء عالمياً مصدرها الفحم وهي ما تعادل نحو 10 جيجا طن من ثاني أكسيد الكربون.
والحدُّ من الانبعاثات الكربونية الصادرة عن الفحم هو أحد أبرز التحديات التي يواجهها اتفاق باريس للتغير المناخي الذي وقَّعت عليه 195 دولة، بما فيها الولايات المتحدة، في أواخر عام 2015م، ودخل حيز التنفيذي في 4 نوفمبر/تشرين الثاني 2016.
الوقود الأحفوري العنيد يعود
تسببت الحرب الأوكرانية الروسية، في إعادة تفكير بعض الدول الأوروبية في اللجوء إلى الفحم، وسط توقعات بارتفاع سعره إلى مستويات غير مسبوقة.
من بريطانيا إلى ألمانيا، يبدو أن الوقود الأحفوري العنيد "الفحم" يصر على التواجد بقوة متحديا كل الأحلام الخضراء.
وإذا كانت بريطانيا لجأت يوم الإثنين 6 سبتمبر/أيلول 2021 إلى تشغيل محطة توليد كهرباء تعمل بالفحم، لتعزيز قدرات شبكة الكهرباء البريطانية في ظل ارتفاع أسعار الطاقة، بعد 6 أشهر من إغلاقها.
وبدأت شركة "إي دي أف" التي تورد الطاقة إلى الشبكة البريطانية في تشغيل وحدتين في واحدة من آخر محطات الطاقة التي تعمل بالفحم في بريطانيا، وفقا لـ"إندبندنت".
ففي ألمانيا لجأت السلطات المختصة للتفكير في "تعليق" إغلاق بعض منشآت الطاقة العاملة بالفحم، بسبب الحرب في أوكرانيا.
وتهدف ألمانيا من إبقاء منشآت الطاقة العاملة بالفحم مفتوحة لفترة أطول، إلى ضمان أمن الطاقة، حسبما أعلنت الحكومة الألمانية الخميس، في وقت يثير مستقبل الحرب الروسية في أوكرانيا هواجس بشأن إمدادات الكهرباء.
وقالت برلين إنها ستخفض استخدام الغاز في توليد الكهرباء عن طريق احتمال إبقاء منشآت الطاقة العاملة على الفحم، كإجراء أمني احتياطي لفترة أطول، وفقا لوكالة الأنباء الفرنسية.
وأضافت أن إيقاف منشآت الطاقة عن الخدمة "يمكن تعليقه حتى إشعار آخر" لافتة إلى أنها و"من حيث المبدأ" يمكن أن تلتزم بهدف خفض استخدام الفحم تدريجيا بحلول 2030.
وسعى الائتلاف الذي يضم الاشتراكيين الديمقراطيين والخضر والحزب الديمقراطي الحر الليبرالي، إلى وقف استخدام الفحم في السنوات القادمة بغية الوصول إلى الحياد المناخي بحلول 2045.
وكان التحول في مجال الطاقة يعوّل على زيادة واردات الغاز بشكل مؤقت بموازاة تعزيز البنى التحتية للطاقة المتجددة.
لكن الحرب في أوكرانيا تسببت في تغير أفضل الخطط الألمانية.
و55% من واردات ألمانيا من الغاز تأتي من روسيا، ما يعني انكشاف اعتمادها على موارد الطاقة الروسية في وقت يبذل الحلفاء الغربيون مساع لفرض عقوبات على إدارة الرئيس فلاديمير بوتين بسبب حرب أوكرانيا.
واضطر وزير الاقتصاد الألماني المنتمي لحزب الخضر للبحث في أنحاء العالم سعيا لشراء الفحم لتعزيز احتياطي الطاقة.
ارتفاع أسعار الفحم
فى حال استمرت أسعار الغاز فى الارتفاع، أو تسبب الصراع فى روسيا وأوكرانيا فى انخفاض كبير فى توليد الطاقة من الغاز فى عام 2022، فإن أوروبا ستلجأ إلى الفحم كخيار لتعويض النقص.
وارتفعت أسعار الفحم إلى مستوى 642 دولارًا للطن في 10 مارس/آذار، مقارنة مع 186 دولارًا للطن في 23 فبراير/شباط، قبل بدء الهجوم الروسي على أوكرانيا، بحسب تقرير صادر الخميس 10 مارس/آذار عن شركة أبحاث الطاقة "ريستاد إنرجي".
وتقف أسعار الفحم -حاليًا- عند أعلى مستوياتها في أكثر من 200 عام، مع توقعات أن تتجاوز مستوى 500 دولار للطن هذا العام، وأكثر من ذلك إلى مستويات قياسية، حال فرض عقوبات على تجارة الفحم مع روسيا، بحسب التقرير.
ويأتي ارتفاع أسعار الفحم مع غزو أوكرانيا، لأن روسيا، التي تنهال عليها العقوبات الغربية، تُعد أكبر مورد للفحم الحراري في أوروبا.
وقبل عقد من الزمن، كان الفحم الروسي يبلغ 35% من إجمالي واردات الاتحاد الأوروبي، بحسب التقرير.
وفي العام الماضي، زوّدت روسيا دول الاتحاد الأوروبي بنحو 36 مليون طن من الفحم الحراري، وهو ما يمثّل 70% من إجمالي واردات أوروبا، مع تزايد اعتماد القارة على الفحم الروسي، على الرغم من تراجع استهلاك الفحم في توليد الكهرباء على مدار العقد الماضي.
ومع استمرار ارتفاع أسعار الغاز، قد تتطلّع الحكومات الأوروبية إلى الفحم لتعويض أي نقص في توليد الكهرباء، لكن القارة ستكافح للحصول على الوقود الأسود من مصادر بديلة في سوق تشهد تشددًا، ما ينذر بالمزيد من الارتفاع في أسعاره.
وقال المحلل الرئيسى لشركة وود ماكنزى رورى سيمينجتون أن أسعار الفحم الحرارى الأوروبى ارتفعت إلى مستويات قياسية مع أسعار العقود الآجلة فوق 400 دولار للطن حتى الربع الرابع من عام 2022، مشيرا إلى أن بعض المشترين فى اليابان وأوروبا أشاروا بالفعل إلى أنهم يتطلعون إلى استبدال الإمدادات الروسية.
ويقول خبراء، أن هذه الديناميكية قد تستمر لسنوات فى ظل نقص إمدادات الغاز، حسبما قالت صحيفة "الكوميرثيو" البيروفية.
وأشار أميلكار أكوستا، وزير الطاقة الكولومبى السابق، إلى أن أوروبا ستعود إلى طلب قوى على الفحم وستضطر أيضًا إلى دفع أسعار أعلى مقابل هذا الوقود.
وأوضح أنه قبل الغزو الروسى لأوكرانيا، بعد أن كان سعر الطن 35 دولارًا أمريكيًا فى عام 2020، لأسباب أخرى، ارتفع إلى 180 دولارًا أمريكيًا فى أوائل فبراير/شباط الماضي.
وقالت صحيفة "لابانجورديا" الإسبانية أن ألمانيا تعتبر من أولى الدول الأوروبية التى لجأت إلى الفحم، حيث مدد ألمانيا من استخدامها للفحم بينما تعيد الدولة التفكير فى خططها للطاقة فى أعقاب الحرب الروسية في أوكرانيا، وفقاً لوزير الاقتصاد روبيرت هابك.
ومن ناحية أخرى، يخشى نشطاء المناخ من عودة استخدام الفحم مرة أخرى فى أوروبا، وذلك لأن ذلك سيساهم فى فشل ما تطمح فيه القارة بتقليل الانبعاثات الكربونية بحلول 2030،
aXA6IDE4LjIyMi4xNjQuMTc2IA== جزيرة ام اند امز