اقتصاد
البحر يروي عطش سكان المغرب.. محطات التحلية تقاوم شبح الجفاف
يواجه المغرب إجهادا مائيا كبيرا بسبب الجفاف الناجم عن تغير المناخ ما جعل المغرب يرفع سقف إنشاء محطات تحلية مياه البحر.
يواصل المغرب جهوده في إنشاء محطات لتحلية مياه البحر في عدد من المدن الساحلية، بهدف مواجهة إشكالية الإجهاد المائي الذي تواجهه البلاد وتلبية الاحتياجات المائية للسكان.
محطة الكركرات مشروع طموح
ويطمح المغرب لإنجاز 20 محطة لتحلية مياه البحر بحلول 2030، في عدد من المناطق الساحلية لمواجهة مشكلة شح المياه وتوفير الماء الصالح للشرب.
وفي هذا الصدد، أعطى عبد الرحيم الحافظي المدير العام للمكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب، هذا الأسبوع الانطلاقة لتشغيل محطة تحلية مياه البحر بالمركز الحدودي الكركرات بإقليم أوسرد (الجنوب الغربي للبلاد) وذلك بمناسبة تخليد الذكرى الثامنة والأربعين للمسيرة الخضراء.
تندرج هذه المحطة التي تعتبر مشروعا طموحا في إطار مواصلة المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب إطلاق مشاريع مهيكلة بجهة الداخلة - وادي الذهب.
وتبلغ كلفة المشروع الإجمالية 30 مليون درهم (2.9 مليون دولار)، ممولة من طرف وكالة الإنعاش والتنمية الاقتصادية والاجتماعية لأقاليم الجنوب بـ 26 مليون درهم (2.5 مليون دولار) والمكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب بمبلغ 4 ملايين درهم ( حوالي 3.7508 دولار)، لإنجاز وتجهيز بئر جديد ومحطة لتحلية مياه البحر بقدرة 432 متر مكعب في اليوم، وإنشاء خزان عال بسعة 200 متر مكعب، وكذا شبكة للتوزيع بطول 5 كلم.
وسيمكن هذا المشروع، الذي انطلقت أعمال إنجازه في نوفمبر/تشرين الثاني 2021، من تحسين ظروف تزويد سكان هذه المنطقة بالماء عبر شاحنات صهريجية، انطلاقا من محطة تحلية محلية بمياه ذات جودة عالية في مرحلة أولى.
كما يشتمل المشروع على مرحلة ثانية تتعلق بإنجاز شبكة لتوزيع الماء، والتي من المرتقب انطلاق الأعمال بها بحلول عام 2024.
ومن أجل مواكبة التنمية التي تشهدها الأقاليم الجنوبية، قام المكتب الوطني للكهرباء والماء بإنجاز حزمة من المشاريع المهيكلة في مجالات مياه الشرب والتطهير السائل، استجابة للطلب المتزايد على هذه الخدمات الأساسية.
استثمارات مالية ضخمة
وبلغت ميزانية الاستثمار الإجمالي للمكتب، في هذه المجالات، 8.7 مليار درهم خلال الفترة الممتدة من 1975 إلى 2023.
وبالنسبة لآفاق المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب إلى حدود 2027، فمن المقرر استثمار مبلغ إجمالي بالأقاليم الجنوبية يقدر بـ 2.9 مليار درهم، فيما يخص ماء الشرب والتطهير السائل.
وفي هذا الصدد، أكد عبدالكريم الخويط، أستاذ جامعي وخبير في الهندسة البيئية والمناخ، في حديث مع "العين الإخبارية"، أن هناك العديد من الإيجابيات والمزايا لمحطات تحلية مياه البحار والمحيطات من الناحية الهندسية والبيئية.
ومن بين تلك المزايا أن محطات تحلية مياه البحار والمحيطات تساعد على توفير إمدادات مائية مستدامة ومتوفرة للسكان في المناطق التي تعاني من نقص المياه العذبة، كما تساعد في حل المشكلات المتعلقة بالجفاف ونقص المياه في العديد من المناطق حيث إن هناك نوعين من محطات التحلية (الثابتة والمتنقلة).
وتابع الخبير في الهندسة البيئية، أنه يمكن الاستفادة من المحطات المتنقلة لتوصيل المياه للدواوير أو ما يسمى بالمغرب العميق وبعض المدن مثل فاس ومكناس (الأطلس) وغيرهما.
وشدد الخبير على أن جهات المملكة يجب أن تخصص موارد مالية لدعم الأبحاث لتطوير محطات التحلية.
واستطرد أن مياه البحار والمحيطات تحتوي على نسبة مرتفعة من الملوحة والملوثات، خصوصا الأملاح منها، لكن محطات تحلية المياه تصمم هندسيا لتقوم بإزالة هذه المواد وتحسين جودة المياه، وبعد المعالجة، يتم الحصول على مياه صالحة للشرب وملائمة للاستخدامات كالصناعة و الزراعة والتنظيف.
مشروع مستدام
ومن جهة أخرى،أبرز الخويط أن محطات التحلية تساعد أيضا في تقليل الضغط على المصادر المائية الطبيعية.
ويمكن الاعتماد على محطات التحلية للنهوض بالزراعة والصناعة في الساحل انسجاما مع الخطاب الملكي الأخير بمناسبة المسيرة الخضراء.
ويرى الأستاذ الجامعي، أنه يمكن استخدام المياه المعالجة في محطات تحلية المياه في الزراعة والصناعة والري، وبالتالي، يتم توفير إمدادات مائية كافية للنباتات والحيوانات والعمليات الصناعية، مما يسهم في تعزيز الاقتصاد وتنمية المجتمعية الشاملة.
ولفت الخبير في المناخ، أنه مع التحديات المتزايدة التي تواجهنا بسبب التغيرات المناخية، تصبح محطات تحلية مياه البحار والمحيطات تقنية هندسية مهمة للتغلب على التحديات المائية وتوفير المياه العذبة في المستقبل.
تشجيع التكنولوجيا
ودعا الأستاذ الجامعي ذاته، إلى أنه يجب أن تستمر الجهود في تطوير التكنولوجيا وتعزيز الاستدامة لتحسين أداء محطات التحلية وتقليل تأثيرها على البيئية وتشجيع الابتكار في هذا القطاع لجعل تكلفته المالية والطاقية في المتناول وفي حدود المعقول.
وأشار إلى أن المغرب أطلق ورشا مهمة في هذا الاتجاه ويمكن الاعتماد أيضا على الطاقات المتجددة للنهوض بهذا القطاع، إذ. حسب تقييمه العلمي و الهندسي يمكن للمغرب أن يلعب دورا مهما في هذا القطاع ويكون مثالا يقتدى به في أفريقيا في هذا المجال لما يتوفر عليه من بنيات تحتية وجامعات ومعاهد يجب فقط أن يتم توجيه مواردها لتطوير قطاع محطات التحلية.
ومن جهته، قال الدكتور حكيم الفيلالي، خبير في قضايا الماء والبيئة، أنه أمام الإجهاد المائي الذي يعيشه المغرب في السنوات الأخيرة قام المغرب بالاستثمار من أجل تلبية احتياجاته المائية، وذلك استجابة لما ورد في خطاب العاهل المغربي بمناسبة افتتاح الدورة التشريعية حول تنمية العرض المائي من خلال مواصلة بناء السدود والاستثمار في تحلية مياه البحر.
وأوضح الفيلالي، أن محطة الكراكرات لتحلية مياه البحر تندرج ضمن المشاريع التي يتبناها المغرب من أجل تحقيق أمنه المائي، وكذلك تنمية العرض المائي وتنويعه.
واسترسل الخبير البيئي، أنه يمكن القول أن هذا المشروع مستدام هدفه تلبية الحاجيات المائية خاصة، أن أهمية هذا المشروع تزداد لكون هذه المنطقة جافة.
الإجهاد المائي
جدير بالذكر، أن 13 دولة عربية على رأسها المغرب مهددة بشح المياه، وقد شرع المغرب منذ عام 1977، في إنشاء أول محطة لتحلية مياه البحر في مدينة بوجدور، وتتوفر بالمملكة حاليا 12 محطة، 9 منها تنتج المياه الصالحة للشرب بقدرة إنتاجية تناهز 85 مليون متر مكعب في العام ، بينما تنتج 3 محطات أخرى مياه الري الزراعي والصناعة.
ويصل الإنتاج الإجمالي لمحطات تحلية مياه البحر الموجودة في المغرب إلى 177 مليون متر مكعب سنويا.
واستثمر المكتب الشريف للفوسفاط وهو أكبر مؤسسة في المغرب، 16 مليار دولار في إنتاج الأمونيا الخضراء ابتداء من 2026 تقريبا مليون طن سنويا، إذن تحلية المياه ستكون مطلوبة ليس فقط لتحلية مياه الشرب، لكن للطلب على الزراعة وإنتاج الهيدروجين الأخضر ضمن طاقات المستقبل.
ومن أهم المشاريع التي أطلقها المغرب في الجنوب الغربي مشروع تحلية مياه البحر للاستعمال الزراعي في الري بمدينة الداخلة، والذي يُعتبر مشروعا مبتكرا باعتباره يستند إلى منهجية متكاملة: ماء-طاقة-تغذية، كما يهدف المشروع إلى إنشاء وحدة لتحلية مياه البحر لإنتاج المياه عبر استعمال الطاقة الريحية المتجددة، بقدرة تناهز 30 مليون متر مكعب في السنة.
وسيمكن هذا المشروع الذي يوصف بالرائد من توسيع المساحة المخصصة للزراعات ذات القيمة المضافة العالية والمحدثة لفرص الشغل، كما أنه يساهم في الرفع من مستوى إنتاج الخضروات البواكر في البيوت المغطاة، وفي المحافظة على الموارد المائية بالجهة واستدامتها، وأيضا سيمكنها من إحداث مدار سقوي جديد على مساحة 000 5 هكتار في منطقة صحراوية تفتقر للموارد المائية، وتزويد المشروع بالطاقة اللازمة لتشغيله، والاعتماد على الطاقة الخضراء من خلال إنشاء حقل ريحي بقدرة 40 ميغاوات.
aXA6IDE4LjIyMS44LjEyNiA=
جزيرة ام اند امز