المغرب أمام كارثة عطش وهذه الحلول
يطمح المغرب لإنجاز 20 محطة لتحلية مياه البحر بحلول 2030، في عدد من المناطق الساحلية لمواجهة مشكلة شح المياه وتوفير الماء الصالح للشرب،
كما يطمح إلى توفير حوالي 1.3 مليار متر مكعب من الماء الشروب والمياه الموجهة للسقي في أفق سنة 2030، من خلال محطات معالجة مياه البحر التي تم إنشاؤها، أو تلك المبرمجة.
تحلية المياه الحل الأمثل
وفي هذا الصدد، يجمع خبراء في مجال تحلية المياه وتدبير الموارد المائية، أنه بسبب أزمة الماء التي يعانيها المغرب بفعل توالي سنوات الجفاف وقلة التساقطات المطرية، أصبحت تقنية تحلية مياه البحر هي الحل الأمثل للتصدي لهذه الإشكاليات البيئية.
وتعد محطة اشتوكة آيت باها بمدينة أغادير (جنوب البلاد) واحدة من أكبر محطات تحلية مياه البحر في منطقة المتوسط وأفريقيا، ا دخلت مرحلة الاستغلال في بداية عام 2022.
هذه المحطة ستمكن من إنتاج 400 ألف متر مكعب في اليوم من المياه المحلاة، سيتم تقاسمها بالتساوي بين مياه الشرب ومياه الري، وفق أرقام تضمنها بلاغ للمكتب الجهوي للاستثمار الفلاحي، هذا المشروع سيكلف4.48 مليار درهم.
وتستخدم هذه المحطة تقنية التناضح العكسي، التي تستعمل بشكل كبير في العالم، بنسبة تفوق 65 في المائة، كما ستنطلق المرحلة الأولى من إنشاء محطة الدارالبيضاء (العاصمة الاقتصادية) في نهاية سنة 2023، اعتمادا على التقنية نفسها، ثم الشيء نفسه بمدينة آسفي في أفق .2025
وحسب ما أكده نزار بركة وزير الماء والتجهيز، في جواب عن سؤال كتابي بمجلس النواب (مجلس الشعب) اطلع "العين الإخبارية " على نسخة منه، فإنه توجد عدة مشاريع مماثلة وهي قيد الإنجاز، بكل من مدن الجديدة بالقرب من البيضاء، والناظور والحسيمة (شرق المملكة)، والعيون، وسيدي إفني، والداخلة، وطرفاية، وكلميم، (جنوب المملكة) التجهيز والماء، في جواب عن سؤال بمجلس النواب.
ووفق بركة، فإن التركيز حاليا في المغرب منصب من خلال الاستراتيجية الجديدة للوزارة على خيار تحلية المياه، علما أن المملكة تملك واجهتين بحريتين وبالتالي لديها إمكانيات كبيرة في هذا المجال، مشيرا إلى أنه سيتم الاشتغال أيضا على الطاقات المتجددة التي يتوفر المغرب على مكامن مهمة منها، سواء الريحية أو الشمسية وهو ما يتيح تحلية المياه بأقل تكلفة.
- بـ7.63 مليار درهم.. استثمارات إماراتية جديدة في محطات تحلية المياه
- تحلية المياه بالطاقة المتجددة.. أحد مرتكزات الإمارات على مسار تحقيق الحياد المناخي
وفي هذا الصدد، أكد الخبير المغربي جواد الخراز، المدير التنفيذي للمركز الإقليمي للطاقة المتجددة وكفاءة الطاقة بالقاهرة في حديث مع "العين الإخبارية"، أن أزمة شح المياه بسب تفاقم وتوالي سنوات الجفاف في السنوات القليلة الماضية في المغرب فرضت تحديات كبيرة على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والبيئي وبطبيعة الحال بات الأمر يتطلب البحث عن حلول لأزمة المياه.
مواجهة شح المياه
وأضاف الخراز، أن الأمر بات يتطلب العودة إلى ما نسميه إدارة الموارد المائية وتحسين توفير المياه المتاحة غير المياه السطحية والجوفية التي تتعرض لاستنزاف كبير خصوصا في المناطق الساحلية وتملح بسبب النشاطات الفلاحية المكثفة وتسرب مياه البحر.
وتابع المتحدث، أنه "من أجل مواجهة هذه التحديات سنضطر إلى المياه غير التقليدية التي تشمل على وجه الخصوص مياه التحلية والمياه المعالجة التي تأتي من معالجة مياه الصرف الصحي ونعيد استخدامها".
وأفاد الخبير المغربي، أن تحلية المياه هي من حلول أخرى لمواجهة مشكل شح المياه، وليست هي الحل الوحيد بل يجب تبني هذه الحلول في وقت واحد، بل تحلية المياه تعد الكوكتيل المطروح في المغرب وغيرها من الدول المتوسطية وفي شمال أفريقيا والشرق الأوسط.
وذهب المدير التنفيذي للمركز الإقليمي للطاقة المتجددة وكفاءة الطاقة بالقاهرة، إلى أن "تحلية المياه ليست تقنية جديدة، بل تم استخدامها منذ أزيد من 5O عام خصوصا في دول الخليج والجزائر، لكن يقول في المغرب وبعض الدول غير المنتجة للبترول تأخرنا في تبني هذه التقنية لأنها مكلفة خصوصا أنها تعتمد بشكل كبير على الوقود الأحفوري الذي يؤدي إلى ارتفاع نسبة الانبعاثات الدفيئة وثاني أوكسيد الكربون".
تفعيل القوانين لتفادي الإضرار بالبيئة
إن عملية تحلية المياه تنتج من جهة مياه صالحة للشرب ومن جهة أخرى المياه المسترجعة تكون شديدة الملوحة وفي معظم الأحيان فيها تركيز كبير لعناصر كيميائية ويمكن أن تكون مضرة بالمحيط البيئي الذي تطرح فيه.
وعن حماية البيئة البحرية أكد بن يخلف على تقوية التشريعات وتحيينها وتفعيل القوانين، من قبيل منع أي شركة تقوم ببناء محطة لتحلية مياه البحر أو تشغيلها من رمي المياه المرتجعة في البحر إلا حسب مواصفات معينة، مثلا الأنبوب الذي يقوم برمي تلك المياه يجب أن يكون داخل البحر على الأقل بمسافة 3 كيلومترات، بعيدا عن الشاطئ حتى لا يضر بالمواطنين.
وبسبب التزايد في عدد السكان والنشاطات السياحة الصيفية في المغرب زادت من الطلب على الماء ، لهذا يقول "بات لا مفر من اللجوء إلى حل تحلية المياه ه وهو حل من بين حلول أخرى وليس حلا وحيدا لأنه يجب تبني باقي الحلول من قبيل تكثيف الاعتماد على معالجة مياه الصرف الصحي وإعادة استخدامها في القطاع الزراعي وسقي المناطق الخضراء مثال نجاح تجربة سقي المناطق الخضراء بالمياه المعالجة في كل من مدن الرباط وسلا"، وفق الخبير.
وتابع المتحدث، أنه يجب أيضا اعتماد تسعيرة المياه، وأن تكون ذكية وتوفر المياه والقيام بحملات توعية أكبر على مستوى وسائل الإعلام ومن خلال البرامج التعليمية، وتبني مفهوم الترابط بين المياه والطاقة والغذاء.
إذن تحلية المياه تظل حلا لمجابهة الطلب المتزايد على الماء وشح المياه ويجب التشجيع على استعمال الطاقات المتجددة في عملية تحلية المياه وتشجيع الشركات ومراكز البحث العلمي على العمل على المحلول الملحي الذي ينتج على محطة تحلية المياه حتى لا يضر بالبيئة المحيطة به.
يذكر في هذا السياق، أن المكتب الشريف للفوسفاط وهو أكبر مؤسسة في المغرب، استثمر 16 مليار دولار في إنتاج الأمونياك الخضراء ابتداء من 2026 تقريبا مليون طن سنويا، إذن تحلية المياه ستكون مطلوبة ليس فقط لتحلية مياه الشرب، لكن للطلب على الزراعة وإنتاج الهيدروجين الأخضر طاقات المستقبل.
وأما الدكتور محمد بن يخلف، متخصص في المياه والمعالجة في حديث مع " العين الإخبارية"، فأكد أن تحلية البحر بالنسبة للمغرب يبقى حلا من الحلول، وليس هو البديل الوحيد، في ظل الأزمة التي يعرفها المغرب، التي بوادرها باتت ظاهرة ولا تبشر بالخير.
وأوضح في هذا الصدد، أن المغرب يوجد حاليا في الرتبة 22 من بين 33 دولة التي ستعرف إجهاد مائي خطير جدا، ذلك أن 13 دولة عربية على رأسها المغرب مهددة بشح المياه، وشدد على أنه على ضرورة اتخاذ إجراءات هذا الصدد.
واعتبر المتحدث، أن البعض يعتقد أن عملية تحلية المياه سهلة، خاصة أن المغرب يتوفر على واجهتين وهما البحر الأبيض المتوسط والمحيط الأطلسي، لكن لا يمكن شرب ماء البحر إلا بعد تحليته باستعمال تقنيات وتكنولوجيات التي إذا لم تكن متوفرة وجب استيرادها من الخارج.
وذهب الخبير في الماء، أن هنا إشكال آخر، يتمثل في أن مصانع التحلية تحتاج للطاقة والفيول والغاز والكهرباء، فهي ترتبط بصناعة مستدامة تعتمد على الطاقات المتجددة، ما يستوجب حسب بن يخلف تطوير الطاقات المتجددة.
وأوضح، المتخصص في معالجة المياه، أن مياه التحلية ليست حل يأتي في يوم وليلة، لأننا ففي المغرب لا نتوفر على إمكانيات كما الأمر في دول الخليح مثل الإمارات العربية المتحدة والكويت وقطر والعربية السعودية، لتوفرهم على محطات تحلية البحر بتقنيات مهمة، وذلك لتوفرهم على البترول والطاقة الأحفورية والغاز.
ومن جهة أخرى، شدد محاورنا على ضرورة الترابط بين الماء والطاقة والزراعة، مستدلا ببدائل أخرى من قبيل ترشيد المياه ، ذلك أن المغرب يستهلك 87 في المائة من المياه العذبة الصالحة للشرب في الفلاحة.
وكشف بن يخلف أن المصانع، خاصة "مصانع تعليب السمك" تستهلك كميات كبيرة من الماء خلال اليوم، قائلا": هذه الصناعة تستهلك من 6 إلى 9 في المائة من المياه العذبة وإذا ما تم ترشيد الماء سينخفض الاستهلاك بين 4 و 5 في المائة في الصناعة، ويليه الترشيد على مستوى التجمعات السكانية والمدن.
ويرى بن يخلف أن ترشيد المياه يعد أفضل بديل ومن بعد تطوير الطاقات المتجددة واستعمالها في مصانع تحلية المياه، علما يقول إن التوجه الجديد اليوم في المغرب حول الهيدروجين الأخضر، وهو مصنع من طاقة شمسية لأنه قابل للتخزين.
ولم يفت بن يخلف الحديث عن بديل معالجة المياه العادمة واستعمالها في الري من أجل ترشيد وعقلنة المياه والحفاظ عليها.
ومن جهتها أكدت المهندسة أميمة خليل الفن، الخبيرة في قطاع الماء والمناخ، في اتصال مع "العين الإخبارية"، أنه من أجل تصدي المغرب لتحديات تغير المناخ وأزمات الجفاف لا بد من اعتماد تقنية تحلية مياه البحر لتوفير الماء الشروب.
وأضافت خليل الفن، أن ما يميز المملكة المغربية في هذا الجانب هو توفر ها على 3500 كلم من الشواطئ على الواجهة الساحلية الشمالية والغربية، وأردفت، أن ما يجب الانتباه إليه عند اعتماد تقنية تحلية مياه البحر، حماية البيئة البحرية والمناطق المجاورة، مشيرة إلى أن هذه العملية قد تخلف أضرارا بيئية وصحية في الوقت نفسه.
ودعت المهندسة ذاتها، إلى ضرورة الانفتاح على مراكز البحث من أجل إنجاز تقارير ودراسات، مع تفعيل القوانين البيئية ومحاسبة الملوثين.
جهود المغرب في تحلية المياه
يشار إلى أن المغرب شرع منذ عام 1977، أول محطة لتحلية مياه البحر في مدينة بوجدور، وتتوفر المملكة حاليا على 12 محطة، 9 منها تتج المياه الصالحة للشرب بقدرة إنتاجية تناهز 85 مليون متر مكعب في العام ، بينما نتج 3 محطات أخرى مياه الري الزراعي والصناعة، خاصة الفوسفاط، ويتوفر المكتب الشريف للفوسفاط على ثلاث محطات بالجرف الأصفر بمدينة الجديدة وآسفي والعيون، فيما تنتج محطة أكادير الماء الموجه إلى الشرب والفلاحة.
ويصل الإنتاج الإجمالي لمحطات تحلية مياه البحر الموجودة في المغرب إلى 177 مليون متر مكعب سنويا.
يذكر أنه بالرغم من التطور الذي يشهده إنتاج الماء عن طريق تحلية مياه البجر فإن المغرب مازال يعتمد بالأساس على الموارد المائية التقليدية، بنسبة 97 في المائة، في وقت تشهد هذه الموارد تراجعا مستمرا خلال الأعوام الأخيرة بفعل التغيرات المناخية.
ويعد مشروع تحلية مياه البحر للاستعمال الزراعي في الري بمدينة الداخلة، مشروعا مبتكرا باعتباره يستند إلى منهجية متكاملة: ماء-طاقة-تغذية، كما يهدف المشروع إلى إنشاء وحدة لتحلية مياه البحر لإنتاج المياه عبر استعمال الطاقة الريحية المتجددة، بقدرة تناهز 30 مليون متر مكعب في السنة.
وسيمكن هذا المشروع الذي يوصف بالرائد من توسيع المساحة المخصصة للزراعات ذات القيمة المضافة العالية والمحدثة لفرص الشغل. كما أنه يساهم في الرفع من مستوى إنتاج الخضروات البواكر في البيوت المغطاة، وفي المحافظة على الموارد المائية بالجهة واستدامتها، وأيضا سيمكنها من إحداث مدار سقوي جديد على مساحة 000 5 هكتار في منطقة صحراوية تفتقر للموارد المائية، وتزويد المشروع بالطاقة اللازمة لتشغيله، والاعتماد على الطاقة الخضراء من خلال إنشاء حقل ريحي بقدرة 40 ميغاوات.
ومن أجل استمرار المغرب في اعتماد تحلية المياه لمواجهة الجفاف، يؤكد مسؤول حكومي، أن الأمر يتطلب استثمارات كبيرة تتجاوز قدرة القطاع الواحد، وتعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص والمؤسسات المالية الوطنية التي تهتم بالتنمية المستدامة، والمؤسسات الدولية بما في ذلك الآليات المالية الجديدة كصندوق المناخ الأخضر والأدوات المالية لبنوك التنمية متعددة الأطراف.
يشار إلى أنه في المستقبل القريب لن يعتمد المغرب فقط على تحلية المياه لإنتاج الماء الصالح للشرب بل سيعتمد على النشاط الزراعي كما هو الحال في منطقة اشتوكة بمدينة أكادير (جنوب البلاد) واستخدام المياه المحلات في المحللات الكهربائية لإنتاج الهيدروجين الأخضر، ومشتقاته من الأمونياك الخضراء والميثان الأخضر.
aXA6IDMuMTMzLjExNy4xMDcg جزيرة ام اند امز