المياه الجوفية.. "آلية تأمين" لغذاء العالم وسط المناخ المتطرف
تحمي الأمن الغذائي وتواجه آثار تغير المناخ
انخفض تخزين المياه الأرضية 1 سم سنويًا خلال 20 عاماً مما يهدّد الأمن الغذائي ويزيد مخاطر تغير المناخ.
دعا تقرير جديد صدر عن البنك الدولي، إلى حماية المياه الجوفية، وضمان استخدامها باستدامة لأنها تعد "آلية تأمين" لمواجهة عواقب التغيرات المناخية، ويمكنها تعويض ثلث الخسائر الناجمة عن موجات الجفاف في العالم، مع ضمان عدم نفاذ المياه في المدن.
المياه الجوفية تمثل 99% من المياه العذبة
والمياه الجوفية هي المياه التي تقع تحت سطح الأرض، وتمثل نحو 99% من نسبة المياه العذبة على كوكب الأرض، كما تمثل نصف حجم المياه المسحوبة للاستخدام المنزلي من قبل سكان العالم، وحوالي 25% من جميع المياه المستخدمة للري، لكنها تُدار بشكل سيء وتُستغل بشكل مفرط، وفقاً لتقرير صدر عن اليونسكو العام الماضي، لذا يجب العمل على حمايتها للتكيف مع تغير المناخ، إذ أنها تتبخر بدرجة أقل بكثير من الخزانات السطحية.
تقرير البنك الدولي قال أيضاً إن المياه الجوفية تساعد في حماية الأمن الغذائي والحد من الفقر ومعدلات سوء التغذية، إذ يمكن استخدامها لتقليل فاقد المحاصيل الزراعية الناتج عن الجفاف إلى النصف، بما يقارب النصف، كما أن لها دور مهم في التكيُّف مع آثار تغيُّر المناخ، لأنها تحمي المجتمعات المحلية المعرَّضة للخطر من خلال تمكينها من الحصول على المياه العذبة عندما تشح الموارد المائية السطحية.
وحذر التقرير من أن استنزاف المياه الجوفية وسوء إدارتها، يجعل المجتمعات أكثر عرضة للصدمات المناخية، لان بعض البلدان تستخدمها بشكل مفرط، وبالتالي ينخفض المخزون الاحتياطي منها الذي سيساعد على مواجهة ارتفاع درجات الحرارة، وتقلُّب معدلات هطول الأمطار المصاحب لتغيُّر المناخ.
- من أجل كوكبنا.. 5 قصص مناخية "ملهمة"
- "تعهد الشركات المسؤولة مناخيا".. مبادرة إماراتية مبتكرة تعزز طموحات COP28
منطقة ساحل دكالة أسوأ مثال
في السياق ذاته، قالت ستوتي خيمياني، الخبيرة الاقتصادية بالبنك الدولي، إن الاستغلال المفرط للمياه الجوفية سيؤدي في نهاية المطاف إلى تدهور المخزون ويمكن أن تصل العواقب في النهاية إلى اختفائها، وهذا سيجبر المزارعين على ترك الزراعة.
وأضافت في تصريحات لـ"العين الإخبارية": "على سبيل المثال، كانت منطقة ساحل دكالة في المغرب من أكثر المناطق الزراعية إنتاجية قبل بضعة عقود، وتم توفير المياه بواسطة طبقة المياه الجوفية الساحلية، لكن نظرًا للاستغلال المفرط للخزان الجوفي، حدث تسرب ملحي مما جعل المياه غير مناسبة للزراعة مما أدى إلى تدمير المنطقة والمزارعين والاقتصاد".
انخفاض مخزون المياه الجوفية بشكل خطير
ووفقاً للإحصائيات الأخيرة من الأمم المتحدة، فإن 0.5% فقط من المياه الموجودة على الأرض صالحة للاستخدام، ويؤثر تغير المناخ بشكل خطير على هذه الإمدادات، بالإضافة إلى ذلك، انخفض تخزين المياه الأرضية على مدار العشرين عامًا الماضية، معدل 1 سم سنويًا، مما كان له تداعيات كبيرة على الأمن المائي، لأنه استخدام المياه الجوفية بشكل مفرط ومثير للقلق، وبالتوازي مع ذلك، من المتوقع على الصعيد العالمي أن ينمو استخدام المياه بنسبة 1٪ تقريبًا سنويًا على مدار الثلاثين عامًا القادمة، وأن يرتفع الاعتماد على المياه الجوفية مع تزايد محدودية توافر المياه السطحية بسبب تغير المناخ.
ووجد تقرير الأمم المتحدة الأخير حول المياه الجوفية، أنه يمكن استغلال قدرة أنظمة الخزان الجوفي على تخزين فوائض المياه السطحية الموسمية أو العرضية لتحسين توافر المياه العذبة على مدار العام؛ حيث تتكبد طبقات المياه الجوفية خسائر تبخر أقل بكثير من الخزانات السطحية، كما طالب بتقوية القوانين التي تعمل على منع تلوث المياه الجوفية.
مشروع أفريقي لحماية المياه العابرة للحدود
وفي سياق آخر، قالت الدكتورة مها عبد الغفار، مديرة مشروع المياه الجوفية بمبادرة حوض النيل، إن المياه الجوفية تكتسب أهمية استراتيجية كمصدر مساند للمصادر التقليدية من المياه السطحية لتغطية العجز في الإمداد المائي، ومجابهة تأثير تغير المناخ، وهي تتعرّض لتهديد "التلوث" وبعدها يصعب معالجتها أو استخدامها للشرب أو الزراعة، والتهديد الثاني هو "الاستنزاف" عن طريق الضخ الجائر لها بما يفوق معدل التعويض، وبالتالي نفقد موردًا استراتيجيًا مهمًا.
وأضافت عبد الغفار، في مقابلة مع "العين الإخبارية"، أن مبادرة حوض النيل تنفذ مشروع المياه الجوفية بدعم من صندوق البيئة العالمي، ويهدف إلى تعزيز التعاون المشترك بين دول حوض النيل لإدارة الموارد السطحية والجوفية العابرة للحدود؛ حيث يمكن استخدام المياه السطحية والجوفية معًا لتجنب استنزاف الموارد.
وتابعت أن المشروع يعمل على ثلاثة أحواض جوفية عابرة للحدود وهي حوض كاجيرا الجوفي ويتشارك فيه دول أوغندا وتنزانيا ورواندا وبوروندي، وحوض جبل الجون الجوفي ويتشارك فيه دول كينيا وأوغندا، وحوض القضارف اديجرات الجوفي ويتشارك فيه السودان ودولة أثيوبيا، وبالتالي ستساعد العناية بالمياه الجوفية العابرة للحدود على مجابهة مشاكل نقص الإمداد المائي والجفاف، وتحقيق أهداف التنمية المستدامة.
من الصعب تنظيف المياه بعد تلويثها
من جانبها، قالت الدكتورة جوديث أوهيروي، الباحثة المتخصصة في المياه الجوفية في جامعة رواندا، إن المياه الجوفية مخفية تحت سطح الأرض، لذا فهي لا تواجه عواقب تغير المناخ بشكل مباشر مثل المياه السطحية، وبالتالي فهي أكثر مقاومة للجفاف، وتمثل احتياطي مهم ومصدر للمياه خلال فترة الأزمات.
وتابعت في تصريحات لـ"العين الإخبارية"، أنه غالبًا ما ترتبط التهديدات الرئيسية للمياه الجوفية بعواقب الأنشطة البشرية التي تؤدي إلى تلوث المياه، والاستغلال المفرط، والنضوب، لذا يجب اتخاذ كل التدابير لحماية هذه المياه من التلوث الناتج عن تسرب خزانات الصرف الصحي والمراحيض، والمجاري المفتوحة، والأنشطة الصناعية والتجارية غير الخاضعة للرقابة، ولأنه بمجرد تلويثها من الصعب جدا تنظيفها .
aXA6IDMuMTM5Ljg3LjExMyA= جزيرة ام اند امز