شح المياه في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.. البنك الدولي يضع روشتة حلول
يؤثر تغير المناخ على قطاع المياه بصور عديدة، والنتيجة الأكثر خطورة هي "شح المياه" الذي يرافقها تأثيرات أخرى على الزراعة والأمن الغذائي.
ووجد تقرير حديث أصدره البنك الدولي، أن السكّان في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، يواجهون شحا "غير مسبوق" في المياه، وهو ما يتطلب سلسلة من الإصلاحات بشأن إدارة الموارد المائية.
وفقاً للتقديرات التي توصّل إليها التقرير، ستنخفض بنهاية العقد الحالي كمية المياه المتاحة للفرد سنويا عن الحد المطلق لشح المياه، والبالغ 500 متر مكعب للفرد سنويا، كما ستكون هناك حاجة إلى 25 مليار متر مكعب إضافية من المياه سنويا، لتلبية احتياجات المنطقة بحلول عام 2050، وهو ما يعادل إنشاء 65 محطة أخرى لتحلية المياه، بحجم محطة رأس الخير في المملكة العربية السعودية، وهي الأكبر في العالم في الوقت الحالي.
وفقاً للأمم المتحدة، يؤثر تغير المناخ على المياه بطرق مختلفة، أبرزها تغييره من أنماط هطول الأمطار، وتسببه في انكماش الصفائح الجليدية، وارتفاع مستوى سطح البحر، والفيضانات والجفاف ، كما وجد تقرير أهداف التنمية المستدامة لعام 2022، أن هناك حوالي ملياري شخص في جميع أنحاء العالم يعجزون عن الوصول إلى مياه الشرب المأمونة، ويعاني ما يقرب من نصف سكان العالم من شح شديد في المياه لجزء من العام على الأقل، و تتضخم الأزمة بفعل تغير المناخ والنمو السكاني.
وما يزيد من حدّة الأزمة، أن ما يقرب من حوالي 70 في المائة من المياه العذبة في العالم يتم استخدامها في الزراعة، وفقاً لتقرير صادر عن "الفاو"، وهذا يعني أن شح المياه برفقة الزيادة السكانية سيمثل ضغطا شديداً على الإمدادات الغذائية، إذ يتطلب إنتاج الغذاء اليومي للشخص ما بين 2000 و 5000 لتر من المياه.
ووضعت لجنة الأمم المتحدة للمياه بعض الحلول المقترحة للتخفيف من آثار تغير المناخ على المياه، منها "حماية وتوسيع أنواع الأراضي الطبيعية التي تعمل كمخازن للكربون "مثل تربة المانغروف، و"حصاد مياه الأمطار" لضمان الإمدادات في فترات الجفاف، واعتماد الزراعة الذكية مناخياً، و إعادة استخدام مياه الصرف الصحي، إذ يمكن استخدام موارد المياه غير التقليدية ، مثل مياه الصرف الصحي المعالجة المنظمة، في الري والأغراض الصناعية والبلدية.
- رشاد الشوا في حوار مع "العين الإخبارية": المغرب سيصبح عاصمة المياه بالعالم
- خطر ينابيع المياه الجوفية.. انبعاثات الميثان الخفية
الحلول التقنية تساعد على التخفيف من الأزمة
وقالت ستوتي خيمياني، اقتصادي أول بالبنك الدولي، والمؤلف الرئيسي للتقرير، في مقابلة مع "العين الإخبارية"، إن النتائج العامة لتقارير البنك الدولي تبرز أن تغير المناخ له آثار سلبية كبيرة على موارد المياه في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، والتقرير الأخير يكشف وجود زيادة في ندرة المياه ، ويركز على كيفية قيام بلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بتنفيذ حلول للمواجهة مشكلة شح المياه، كما يحدد مدى تأثير الزيادات السكانية أيضاً على توافر الموارد المائية.
وتابعت: "تاريخياً، كانت منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا هي الأكثر ندرة في المياه في العالم بسبب العوامل الجغرافية، ومع تزايد عدد السكان وأنشطة التنمية الاقتصادية، زاد الطلب على المياه واستهلاكها ممّا أدى إلى انخفاض نصيب الفرد من المياه، وذلك على الرغم من الاستثمارات الضخمة في العثور على مصادر أخرى للمياه، مثل تحلية المياه"
وقالت إن تقرير "اقتصاديات ندرة المياه في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا" توصّل إلى ضرورة إجراء إصلاحات، وتغيير في شكل إدارة موارد المياه من قبل المسؤولين والمستهلكين، ليصبح الاستهلاك "مستداما"، كما تناول التقرير مشكلات أخرى متعلقة بارتباط تغير المناخ ونقص المياه بانخفاض الإنتاجية الزراعية وانعدام الأمن الغذائي، لأن الأمن الغذائي أصبح قضية ذات أولوية، لذا ينبغي على الحكومات والقادة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا معالجة هذه المشاكل باتخاذ المزيد من الإجراءات.
وأضافت: "إدارة مشكلة المياه في المنطقة لا تتعلق فقط بالإرادة السياسية ، ولكن أيضاً تحتاج إلى تغيير سلوكيات وأفعال الأشخاص، وبالطبع تساعد العديد من الحلول التقنية على التخفيف من تأثير تغير المناخ على شح المياه، مثل تحسين التقنيات الزراعية التي توفر كميات كبيرة من المياه وتزيد المحصول في الوقت نفسه، وأيضاً زيادة إمدادات المياه من خلال تحلية المياه ومعالجة مياه الصرف الصحي ، لكن تنفيذ هذه الحلول الهندسية يحتاج إلى سياسات اقتصادية"
وأشارت إلى أن الاستثمارات في قطاع المياه تتطلّب تكلفة ضخمة، لذا تحتاج الدول إلى القدرة الفنية لتكون قادرة على جمع التمويل من خلال الرسوم وإيرادات الضرائب العامة، وفي هذا السياق، يقدم التقرير أفكارًا حول كيفية تصميم الرسوم بحيث تعالج مخاوف المجتمع من ارتفاع تكلفة المياه مع تحسين تمويل المرافق ؛ ويوضح كيفية التفكير في توليد الإيرادات من مصادر أخرى للأنشطة الاقتصادية، مثل التنمية الحضرية الخضراء.
وأضافت أنّه حتى لو تمكنت الدول في المنطقة من زيادة مقدرتها المالية ، فإن تكاليف التقنيات الحالية لتوفير المياه مرتفعة للغاية ، لذا تظل هناك حاجة إلى ابتكار تقنيات جديدة ومتوفرة بتكلفة منخفضة، كما أنه من ضمن الحلول أن تلتزم المجتمعات باتخاذ اختيارات صعبة بشأن كمية المياه التي يتم استخدامها في الزراعة، إذ أنّه من الضروري وجود لوائح تضع قيود على كمية المياه المستخدمة لأن موارد المياه بدأت في النضوب، وفي المقابل، من المهم دعم المزارعين من خلال برامج الإرشاد الزراعي لتحسين الإنتاجية؛ وبرامج الحماية الاجتماعية.
وعلّقت: "هذه الإصلاحات المؤسسية للقدرة المالية للدول في المنطقة، وإدارة المرافق ، ستسمح لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بجذب تمويل المناخ العالمي من أجل استثمارات فعالة ومستدامة، وبدون هذه الإصلاحات، ستفتقر المنطقة إلى المصداقية لجذب التمويل المناخي طويل الأجل للاستثمار في موارد المياه".
تغير المناخ يؤثر على الجودة أيضاً
ولا يقتصر تأثير تغير المناخ على المياه من حيث الكم فقط، ولكن من حيث الجودة أيضاً، فترى الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ ، إنه من المتوقع أن يؤدي ارتفاع درجات حرارة ، وتكرار الفيضانات والجفاف إلى تفاقم أشكال تلوث المياه ، والتي تحدث بسبب الرواسب وانتشار الأمراض، وبقايا مبيدات الآفات، لكن في الوقت نفسه هناك أمل إذا تم الحد من الاحترار العالمي إلى 1.5 درجة مئوية، أن ينخفض عدد السكان الذين يعانون من شح المياه إلى النصف مقارنة بعددهم في حالة ارتفاع درجة الحرارة بمقدار درجتين.
من جانبه، قال الدكتور محمد داوود، خبير المياه واستشاري الموارد المائية بحكومة أبو ظبي بالإمارات، إن التغيرات المناخية تؤثر أيضاً على موارد نهر النيل، حيث تشير الدراسات الدولية إلى احتمال نقص موارد النهر نتيجة لتحرك أحزمة الأمطار من فوق الهضبة الإثيوبية والتي تمثل 85% من موارد مصر من النهر، كما تتأثر المياه الجوفية وخصوصاً في شمال الدلتا بتأثر ارتفاع منسوب مياه البحر، إضافة إلى ذلك، من المتوقع غرق مساحات من شمال الدلتا ونزوح السكان في هذه المناطق للداخل، وفي حالة ارتفاع سطح البحر بحوالي نصف متر فقط، فإن الدراسات تشير إلى تأثر مساحة 1800 كيلومتر مربع من شمال الدلتا سيتضرر فيها نحو 3 مليون و 800 ألف نسمة من السكان.
وتابع داوو في مقابلة مع "العين الإخبارية"، أنه في ظل تصاعد التوقعات بتأثير التغيرات المناخية على الموارد الطبيعية من مياه وآراضي وطاقة فإن التكنولوجيا يمكن أن تلعب دوراً كبيرا في التكيف مع هذه الآثار.
وتابع أنه يمكن للتكنولوجيا أن تساهم في التخفيف من تأثير تغير المناخ على قطاع المياه من خلال توفير منصات تساعد على تغيير نمط الاستهلاك والحفاظ علي المياه من الهدر، وتوفير تطبيقات وحلول جديدة ومبتكرة للتكيف مع تأثيرات التغيرات المناخية والتي يطلق عليها "التكنولوجيا الخضراء" في القطاعات المختلفة لزيادة كفاءة استخدام الموارد .
وأضاف : "التكنولوجيا الخضراء مهمة لأن علاقة التقنية بالبيئة بشكل عام ليست جيدة، لأن الإنسان يحاول إيجاد تقنيات جديدة تسهل حياته وتزيد رفاهيته، لكنّها في الوقت نفسه ساهمت في التوسع الصناعي، ومن ثم زيادة استهلاك الوقود الأحفوري، مما كان له أثر سلبي في زيادة انبعاثات غازات الدفيئة وزيادة معدلات التلوث".
وتابع أن التكنولوجيا الخضراء مثلت نقلة مهمة في التوظيف الأمثل للموارد الطبيعية من مياه وآراضي وطاقة وتحقيق كفاءة أكبر في استخدام هذه الموارد، وتحسين العائد منها، وقللت من التأثير على البيئة، مضيفاً أنها ستساهم في توفير مصادر بديلة للطاقة صديقة للبيئة مثل الطاقة المتجددة مثل التي يمكن استخدامها في تحلية مياه البحر، واستنباط نباتات ومحاصيل زراعية عالية التحمل لملوحة المياه .
وأضاف أنه بالرغم من المكاسب التي من المتوقع أن تحققها التكنولوجيا في التأقلم والتكيف مع تغير المناخ، فإن هناك عدد من التحديات أهمها الحاجة إلى استخدام طاقة أكبر، كما أن التوسع في استخدام التكنولوجيا الخضراء يتطلب دعم ونشر بحوث تقنية ومشروعات تتطلب توفير التمويل اللازم، وهو ما قد تعجز بعض الدول عن تدبيره.
aXA6IDMuMTQ1LjU2LjE1MCA= جزيرة ام اند امز