وكلها أمور تشير الى حقيقة واحدة وهى ان المجتمع المصرى يتعرض لحرب اقتصادية شديدة الوطأة.
لا يختلف اثنان على ان العمليات الإرهابية التى ضربت المجتمع المصرى أخيرا والتى كان آخرها الاعتداء على الكنيسة البطرسية وقبلها مسجد الاستقامة وغيرهما يشير الى ان البلاد قد دخلت فى الموجة الثالثة من العمليات الإرهابية.
ويخطئ من يظن ان الهدف الأساسى لها هو شق الصف الوطنى او إحداث فتنة طائفية وفقط ولكن المسالة أعمق من ذلك بكثير فهى تهدف الى ارسال رسائل سلبية عن الأوضاع الداخلية فى البلاد وخاصة فيما يتعلق بالاستقرار السياسى والأمنى ومن ثم التأثير على الاقتصاد القومى ككل خاصة فيما يتعلق بتدفق الاستثمارات الأجنبية او حتى حركة التجارة الخارجية ناهيك عن السياحة وغيرها من القطاعات، إذ تشير الإحصاءات الى انه وللمرة الاولى يصبح ميزان السياحة بالسالب حيث انخفضت عائداته من 7.4 مليار دولار عام 2014/2015 الى 3.8 مليار عام 2015/2016 مقابل ذلك ارتفعت مدفوعات السفر للخارج من 3.3 مليار دولار الى 4.1 مليار خلال نفس الفترة، ناهيك عن ارتفاع العجز فى الميزان الجارى ليصل الى 18.7 مليار دولار مقابل 12.1 مليار. ومما يزيد من خطورة الموقف تزامنها مع تباطؤ معدلات النمو حيث بلغ معدل النمو الاقتصادى نحو 2% فى المتوسط سنوياً خلال الفترة 2011-2014، وهو معدل يقل عن معدل نمو السكان خلال الفترة ذاتها (نحو 2.5%)، مما يعنى تراجع متوسط دخل الفرد (بالأسعار الحقيقية). ورغم أن الاقتصاد المصرى بدأ فى استعادة وتيرة النشاط خلال العام الأخير، ليصل معدل النمو إلى 4.2% إلا أن هذا المعدل مازال أقل بكثير من المعدلات المستهدفة هذا فضلا عن ان هذا المعدل تحقق أساسا نتيجة لتدفقات المساعدات الخارجية خاصة الخليجية.
ومن المعروف ان رفع معدل النمو ومن ثم امتصاص البطالة وتحسين الدخول لا يتم إلا عن طريق احداث المزيد من تراكم رأس المال البشرى والمادي، وكفاءة تخصيص الموارد بين قطاعات الاقتصاد القومي، ورفع مستوى الإنتاجية. الأمر الذى يسهم فى توليد المزيد من فرص العمل. وإضافة طاقات إنتاجية جديدة للمجتمع وكلها أمور تتطلب الاستخدام الأمثل للموارد المالية ورفع معدل الاستثمار. وبعبارة اخرى فإن التراجع الحادث فى النمو يعود بالأساس الى انخفاض معدلات الاستثمار. وبالتالى فإن إعادة دوران عجلة الانتاج من جديد يتطلب المزيد من الاستثمار الجاد والبناء، وهو ما لن يتأتى إلا عن طريق تعبئة الموارد المحلية والاجنبية واستخدامها فى بناء القواعد الإنتاجية، وهنا تجدر الإشارة الى ان معدل الاستثمار الحالى مازال دون المستوى المأمول اذ لا يتعدى 15% من الناتج المحلى بينما أجمعت كل الدراسات العلمية على ان احداث العملية التنموية المطلوبة، يحتاج الى معدل استثمار يتراوح بين 25% و30% ونظرا لضعف معدل الادخار المحلى والذى يصل الى 6% فقط، فإن هناك فجوة موارد كبيرة وبالتالى تلجأ الدولة الى مصادر عديدة لسد هذه الفجوة ، على رأسها الاستثمار الاجنبى المباشر. من هنا تأتى أهمية وضرورة جذب الاستثمارات وتشجيعها وتنميتها. وهنا تجدر الاشارة الى ان الاستثمارات الاجنبية المباشرة قد انخفض حجم تدفقها للداخل من 17.8 مليار دولار عام 2007/2008 الى 12.4 مليار عام 2015/2016، وقد تزامن مع ذلك ازدياد حجم التدفق للخارج ليرتفع من 4.6 مليار دولار عام 2007/2008 الى 5.6 مليار دولار عام 2015/2016. ومن ثم انخفض صافى الاستثمارات الاجنبية المباشرة من 13.2 مليار دولار الى 6.8 مليارات خلال نفس الفترة ويعد الاستقرار السياسى والأمنى هو العامل الرئيسى فى جذب هذه الاستثمارات وهو ما أكده تقرير الاستثمار العالمى عن عام 2016 والصادر عن مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الاونكتاد). وعلى نفس المنوال سار تقرير البنك الدولى عن معوقات القطاع الخاص فى المنطقة والصادر أخيرا مشيرا الى انها تكمن فى الاستقرار السياسى وتزايد الجريمة، وهو نفس ما سار عليه أيضا تقرير ممارسة الاعمال ،كما اوضحه تقرير التنافسية العالمى عن عام 2016/2017.
مع تأكيد ضرورة التفرقة بين (الاستثمار الفعلي) و(الاستثمار المرغوب فيه) إذ إنه وعلى الرغم من اهمية تراكم رأس المال فى حد ذاته، إلا أن تحسين نوعية الموارد وفاعلية استخدامها له اهمية كبيرة ايضا. وبالتالى لابد من معرفة طبيعة المناخ الاقتصادى السائد ومدى قدرته على جذب الاستثمارات.
وكلها أمور تشير الى حقيقة واحدة وهى ان المجتمع المصرى يتعرض لحرب اقتصادية شديدة الوطأة، وهو ما يتطلب بدوره إعادة الاعتبار للاقتصاد والتعامل معه من منطلق اننا فى حالة حرب تتطلب من الجميع التعامل بجدية كاملة مع مشكلاتنا الراهنة بغية انتشال الاقتصاد من عثرته. وهنا يصبح من الضرورى الإسراع باتخاذ سلة من السياسات والإجراءات. ولا ينبغى بأى حال من الأحوال التركيز على إحدى الأدوات باعتبارها الوحيدة القادرة على هذه العملية، إذ إن الأمور أضحت من الأهمية بمكان بحيث يجب ان تعالج فى إطار منظومة متكاملة من الإجراءات والسياسات تضمن علاج الاختلالات الأساسية فى بنية الاقتصاد القومي.
فعلى الرغم من ان المهام المُلقاة على عاتق المجتمع كثيرة ومتنوّعة فى ظل عالم يموج بالتغييرات العاصفة والارهاب. فإن المجتمع قادر على تجاوز هذه التحديّات وتحويلها الى فرص للنهضة الشاملة خاصة أنه يملك العديد من الإمكانات والمزايا التى تساعده على تحقيق ذلك.
لكل ما سبق يجب العمل على تسهيل بناء القواعد الإنتاجية وتطبيق سياسات عاجلة لتحفيز الاستثمار (الخاص والعام والاجنبى) والنشاط الاقتصادى عموما ، وذلك عن طريق إيجاد بيئة اقتصادية قوية ومستوى صناعى معقول ونمو زراعى يساعد على تلبية الاحتياجات الأساسية. والاستفادة المثلى من الطاقات المتاحة بغية امتصاص البطالة ورفع مستوى المعيشة. وحجر الزاوية هنا هو زيادة التشغيل ورفع الإنتاجية. وكلها امور لن تتم الا عبر العمل على إحداث التغييرات الهيكلية التى تساعد على زيادة القدرة على إيجاد فرص عمل وتوليد الدخول لكل فئات المجتمع. وتدعيم القواعد الإنتاجية القائمة وإزالة المعوقات التى تحول دون تفعيلها. مع مراعاة الفئات الاجتماعية الضعيفة ومحدودى الدخل عن طريق زيادة قدرتهم على الكسب واصلاح سياسة الدعم. ومحاربة الفساد بكل أشكاله وتحقيق الإصلاح الإدارى المنشود. وذلك من خلال منظومة تنموية متكاملة تهدف إلى الارتفاع بمعدلات التنمية وتحقيق الرفاهة والارتقاء بمستوى معيشة الأفراد،وتحديث المجتمع سياسيا واقتصاديا واجتماعيا معتمدة على قراءة علمية ودقيقة للإمكانات، وعلى وعى وإدراك بالمتغيرات العالمية والإقليمية للاستفادة من مزاياها واكتشاف مخاطرها ومنعها أو على الأقل الحد من تأثيراتها السلبية.
* نقلا عن الأهرام
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة