يعلن التقرير صراحة أن دورات العنف ليس مصيراً محتوماً لمنطقة الشرق الأوسط.
تزخر واشنطن بكثير من مراكز الفكر والتي تقدم المشورة لصُنّاع القرار، بل إنه في كثير من الأحيان تتعاقد الحكومة الأميركية مع هذه المراكز لإدلاء النصح في قضايا معينة.
ومن اهم هذه المراكز هو أتلانتيك كونسل (المجلس الأطلسي) والذي أنشئ في العام 1961 للبحث في العلاقات عبر الأطلسي بين أوروبا والولايات المتحدة. ومن ثم تعددت اهتماماته بتوسع النفوذ الأميركي ليشمل بقية أرجاء المعمورة.
وتوجه المجلس الأطلسي هو ما يصطلح عليه بالأممية الليبرالية والذي يرى في الولايات المتحدة مركزاً لنظام دولي قائم على القوانين والقواعد والمؤسسات الدولية، وأن الولايات المتحدة بصفتها المهيمن على النظام الدولي، لما تستحوذ عليه من قوة متعاظمة بين دول العالم، تقوم بأعباء تطبيق النظام الدولي مكافأة لمن يتماشوا معه أو معاقبة لمن يخالفوه.
وهذه نظرة يتشارك فيها كلا الحزبين من جمهوريين وديمقراطيين. وتكاد أن تكون الأيديولوجية السائدة لمؤسسة السياسة الخارجية منذ الحرب العالمية الثانية. ولكنها نظرة لا يتقاسمها، على ما يبدو، سيد البيت الأبيض القادم.
وقد انبرى المركز بتشكيل فرقة عمل لدراسة الحالة القائمة في منطقة الشرق الأوسط. وقاد فريق العمل شخصيتان متمرستان في السياسة الخارجية الأميركية وهما: مادلين أولبرايت، وزيرة الخارجية السابقة في إدارة بيل كلينتون، وستيفن هادلي، مستشار الأمن القومي في إدارة جورج بوش. وقد أطلقا تقريرهما "فريق عمل استراتيجية الشرق الأوسط" في هذا الشهر.
ويعلن التقرير صراحة أن دورات العنف ليس مصيراً محتوماً لمنطقة الشرق الأوسط. وأن المنطقة لها مقدرات جيدة للخروج من أزماتها المتكررة. ومن وجهة نظر الولايات المتحدة فإن مصالحها لا يمكن تحقيقها من جانب واحد، وان مشاكل منطقة الشرق الأوسط لا يمكن حلها من الخارج.
والمقاربة الاستراتيجية الجديدة التي يقترحها التقرير هي الشراكة ليس مع الحكومات وحسب، بل المجتمع المدني، ومقاربة شاملة على المستوى الإقليمي.
وتعتمد الاستراتيجية الجديدة على سياسة ذي شقين تطبق في آن واحد: ستقوم القوى الخارجية والقوى الإقليمية بإطفاء الحرائق في المنطقة وتخفيف المعانة الإنسانية وهزيمة داعش وتحرير الأراضي التي تحتلها. والشق الآخر يتعلق في قيام دول المنطقة وبالتعاون مع الدول الأجنبية بإطلاق الطاقات البشرية الكامنة، خاصة لفئة الشباب والنساء. وتعتبر هذه الاستراتيجية المتكاملة بين القوى الخارجية والقوى المحلية.
ويستعرض التقرير الشق الأول من الاستراتيجية المتعلقة بإنهاء حروب المنطقة. ويتناول التقرير المناطق الملتهبة بداً بسوريا حيث تشكل الحرب الأهلية المستعرة أرضية خصبة لتجنيد مقاتلين لداعش. ويشير التقرير إلى إعادة تنظيم الدولة في سوريا وإعطاء مساحات واسعة لاستقلال الأقاليم لإنهاء معاناة المواطنين.
ومن الواضح أن إمكان أحداث تغيير في مسيرة الحرب في سوريا دون حصول تغيير على الأرض بما يقنع النظام السوري، ناهيك عن حلفاء النظام من الروس والإيرانيين، من التوصل إلى مساومات تفضي إلى إنهاء الاقتتال في هذا البلد المكلوم أمر مستحيل.
وعلى نفس المنوال يتطرق التقرير للوضع في العراق والذي يدعو إلى خلق جيش وطني لتحرير العراق من داعش وتقليص دور المليشيات الشيعية. وإذا ما أريد للعراق أن يعيش ككيان موحد ومستقل فإن نمط الحكم يجب أن يتغير، ويتجه نحو علاقة أكثر فضفضة بين المركز والأطراف. ولكن التقرير يغفل عن المشكلة البنيوية .
والتي تمخضت عن الغزو والاحتلال الأميركيين لعقد من الزمن. وان المسالة لا تقتصر على إقناع الحكومة المركزية لتغيير نهجها دونما خلق الظروف التي تجبرها على ذلك.
ويتطرق التقرير إلى وضعي ليبيا واليمن حيث يرى أن الأولى مسؤولية أوروبية ولكن تستطيع الولايات المتحدة لعب دور المحفز والموحد للموقف الأوروبي. وبالنسبة لليمن، يقترح فريق العمل بالبحث عن حل سياسي ومنع المليشيات الحوثية من الاعتداء على الحدود السعودية، وإنقاذ اليمن من كارثة إنسانية. ويظل السؤال عن أدوات تحقيق هذه الأهداف التي تبدو جيدة.
ولا يمكن الحديث عن المنطقة دون التطرق للقضية الفلسطينية. فالتقرير لا يرى حلاً في الأفق، ولكنه يدعو إلى العمل لتحسين أوضاع الشعب الفلسطيني، والعمل على بناء مؤسساته الوطنية، وتشجيع إسرائيل على تعاون أكبر مع السلطة الفلسطينية.
والعجيب أن من بين كل القضايا التي تعرض لها التقرير، فإن كثيراً من أوراق الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني هي بيد الولايات المتحدة. وإذا لا تستطيع حلها، فمن أين لها أن تحل القضية السورية والتي باتت معظم أوراقها في يد النظام السوري، وروسيا وإيران وحزب الله والتنظيمات المتطرفة.
أما الشق الثاني من الاستراتيجية فتتعلق بإحداث تحول اقتصادي في المنطقة يكون رافعة للسلام والأمن في الإقليم. ولحدوث هكذا أمر على دول المنطقة أن تطلق العنان لطاقاتها البشرية الهائلة وان تقوم بالإصلاحات السياسية الضرورية وتحقيق الحكم الرشيد لخلق مناخ مشجع للتجارة والاستثمار. ويدعو التقرير أيضاً إلى تعاون أكبر على المستوى الإقليمي بين دول المنطقة. ولكن يخفق التقرير في كيفية أو إمكانية التوصل إلى هذه النتائج.
وقد يقول البعض هل بعد تجارب بوش الابن من ثقة في الحلول القادمة من بلاد العم سام؟!
* نقلا عن البيان
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة