تدهور "الليرة" نقطة في "بحر" كوارث اقتصادية أعمق تنتظر أردوغان
الاتجاه المتراجع لليرة التركية خلال الأعوام الماضية أدى إلى تزايد المخاطر التي يواجهها الاقتصاد التركي.
أوضحت دراسة اقتصادية مطولة صادرة عن مركز المستقبل للدراسات والأبحاث المتقدمة أن الاتجاه المتراجع لليرة التركية خلال الأعوام الماضية أدى إلى تزايد المخاطر التي يواجهها الاقتصاد التركي، والتي رفعت بشدة من مخاوف المستثمرين على الرغم من تصريح الحكومة بأنها تضع مواجهة هذه المخاطر على رأس أولوياتها.
وبحسب الدراسة؛ فإن هناك تداعيات خطيرة تنتج عن تراجع قيمة العملة التركية وأهمها يما يلي:
1- ارتفاع مستوى التضخم: أدت خسائر الليرة التركية أمام العملات الأجنبية إلى تراجع قوتها الشرائية، ومن ثم ارتفاع معدل التضخم الذي بات من أكبر المخاطر التي تواجه الاقتصاد التركي؛ حيث إن معدل التضخم السنوي للمستهلك قد بلغ ما يقدر بنحو 12.2% في مايو 2018، وذلك بزيادة قدرها 1.3% عن شهر أبريل 2018.
2- تراجع التصنيف الائتماني: تُعَد قيمة العملة أحد المؤشرات على قوة أو ضعف الاقتصاد، وقد أدت خسائر الليرة التركية إلى تراجع ثقة وكالات التصنيف الائتماني بالاقتصاد التركي، فخفضت وكالة موديز في نهاية مايو تقديراتها لنمو الاقتصاد التركي لعام 2018 من 4% إلى 2.5%. كما قامت بتخفيض 17 بنكا تركيا ومؤسستين ماليتين أخريين، وبررت هذا بأنه جاء نتيجة لانخفاض ثقة المستثمرين، وتصاعد حالة عدم اليقين تجاه الاقتصاد التركي.
وفي السياق ذاته، أعلنت وكالة التصنيف "فيتش" أنها وضعت 25 بنكا تركيا في حالة سلبية؛ ما يعني أنها قد تخضع لتقليل التصنيف الائتماني، واستشهدت بـ"ضغوط بيئة التشغيل المتزايدة الناتجة عن تقلب أسعار العملات والفوائد" كمحرك رئيسي للتحذير.
3- ارتفاع المديونية: ترفع خسائر الليرة التركية قيمة القروض والديون المقيمة بالدولار الأمريكي، وهو ما يشمل القطاع الخاص والقطاع المصرفي، والدين الخارجي للحكومة، حيث إن القطاع الخاص لديه قروض بالعملة الأجنبية يبلغ مجموعها 295 مليار دولار، فيما تبلغ قيمة الديون المترتبة على البنوك التركية 600 مليار دولار طبقا لبنك التسويات الدولية BIS في سويسرا. وتتوقع شركة الأبحاث المستقلة Autonomous Research ارتفاع نسبة الديون المعدومة في البنوك التركية.
وفي السياق نفسه، رأت خبيرة ببنك (Dutch bank ABN Amro)، أن أكبر قلق بالنسبة للمستثمرين هو اعتماد تركيا على الأموال الأجنبية، حيث يجب أن توفر تركيا ما يعادل نحو 200 مليار دولار سنويّا لتمويل عجز الحساب الجاري الواسع والدائن المستحق، وهو ما يبدو عسيرا مع وجود احتياطيات إجمالية من العملات الأجنبية تبلغ 85 مليار دولار فقط.
4- تحويل المدخرات: قادت مخاوف المدخرين من انخفاض قيمة الليرة إلى تحويل مدخراتهم بالعملة المحلية إلى الدولار الأمريكي وعملات أجنبية أخرى خشية أن تنخفض قيمة مدخراتهم وقدرتها الشرائية بمقدار تراجع قيمة الليرة التركية، حيث تمثل العملات الأجنبية كاليورو والدولار ملاذا آمنا بالنسبة لهم.
وعلى خلفية الكوارث الاقتصادية التي تعيشها تركيا، فقد أكد وزير المالية التركي، براءت ألبيرق، مؤخرا أن بلاده حصلت على حزمة قروض من مؤسسات مالية صينية بقيمة 3.6 مليار دولار، حيث تشهد تركيا حاليا تزايد الأزمة الاقتصادية في الأسواق، فهي لا تزال تقترض كثيرا من الدولارات التي لا يمكن سدادها بالنظر إلى الهبوط المستمر لعملتها -الليرة- وهي الآن أمام خيارين، إما محاولة إنقاذ اقتصادها من آثار العملة الضعيفة عبر رفع معدلات الفائدة وإما من آثار معدلات الفائدة المرتفعة عبر ترك العملة لمواصلة الانهيار.
وبحسب تقرير مطول نشرته مؤخرا صحيفة واشنطن بوست الأمريكية، فلا توجد خيارات جيدة أمام تركيا، حيث إن معدلات الفائدة المرتفعة ستبطئ الاقتصاد إلى الحد الذي سيخلق مشاكل للشركات، لكن ضعف العملة سيجعل هذا أمرا أكثر ترجيحيا عبر زيادة أعباء الديون.
وبنهاية المطاف، سيسحب المستثمرون الأجانب مزيدا من الأموال من البلاد إذا رأوا تدهور الأوضاع، ما سيدفع البنوك التركية، التي ستتعرض للخسارة، للاقتراض، وربما وضع خطة إنقاذ، التي إذا حاولوا النظر في التاريخ للاستفادة منه، ستدفعهم لرفع معدلات الفائدة لمحاولة تحقيق استقرار في العملة."
والتقارير كلها تشير إلى اتجاه واحد، وهو أن الاقتصاد التركي في خطر كبير، حيث قالت مجلة "جلوبال بانكينج آند فاينانس ريفو" العالمية في تقرير متخصص عن الوضع المالي التركي، إن تركيا مُلزمة بسداد ديون خارجية خلال عام واحد تقدر بـ182 مليار دولار.
وحذرت "جلوبال بانكينج آند فاينانس ريفو" من أن ارتفاع عائدات السندات المحلية التركية أجل 10 سنوات إلى أكثر من 17% بالتوازي مع ضعف الليرة، خلقا ضغوطا كبيرة لدرجة أنه أصبح من الصعب سداد المقترضين الأتراك متطلبات التمويل الخارجي دون شك.
ليس هذا فحسب، بل إن ما ورد مؤخرا ضمن تقرير اقتصادي مطول أعده موقع دويتشه فيله الألماني محذرا من التداعيات الاقتصادية الخطيرة التي ستواجه تركيا خلال العام الحالي، في حالة استمرار سياسات "أردوغان" في نفس المسار الحالي.
وبحسب التقرير فإنه على الرغم من نمو الاقتصاد التركي في السنوات الأخيرة بمعدلات تصل إلى 7.4%، لكنه واجه ارتفاع عجز الحساب الجاري وفقدان الليرة أكثر من خُمس قيمتها منذ بداية عام 2018، فضلا عن تسجيل مؤشر التضخم رقما قياسيا تجاوز الـ15%.
ويكشف التقرير عن أنه في ضوء المعطيات الحالية فقد وصل الاقتصاد التركي إلى مرحلة سيئة لم يكن عليها منذ سنوات، مصحوبة بخفض وكالة فيتش التصنيف الائتماني للبلاد إلى BB مع نظرة مستقبلية سلبية ما يضع تركيا على قدم المساواة مع دول مثل جواتيمالا وكوستاريكا.
وستواجه أنقرة حاليا انهيارا ماليا في الربع الأخير من 2018، سيسفر عنه تقلص الاقتصاد وارتفاع البطالة من 10 إلى 12% وانخفاض الليرة بواقع 10%، إضافة إلى حدوث موجة إفلاس تضرب مختلف الشركات سواء كبيرة أو متوسطة أو صغيرة الحجم.
وبحسب دويتشه فيله فإن اضطراب الاقتصاد التركي لن تقتصر تداعياته على أنقرة فقط، بل ستمتد إلى أوروبا التي تتعرض مؤسساتها المالية بقروض وتمويلات للشركات التركية، كما يتوقع أن تلجأ تركيا إلى صندوق النقد الدولي للحصول على مساعدات مالية لمواجهة أزمتها.
aXA6IDE4LjExNy43MS4yMzkg جزيرة ام اند امز