في عصر العولمة، لم يعد الإعلام مجرد أداة لنقل المعلومات، بل أصبح لاعبًا رئيسيًا في صياغة السياسات الدولية وتوجيه بوصلة العلاقات الاقتصادية بين الدول.
فكما يستطيع الإعلام أن يسوّق للفرص الاستثمارية ويعزّز الثقة بين الشركاء، بإمكانه أيضًا، إذا أُسيء استخدامه، أن يُدمّر سنوات من التعاون ويشعل توترات دبلوماسية غير محسوبة.
يلعب الإعلام دورًا فاعلًا في بناء شراكات اقتصادية قوية عبر تسليط الضوء على فرص الاستثمار، وترويج بيئة الأعمال، وإبراز قصص النجاح المشتركة. فعندما يغطي الإعلام زيارات القادة والمسؤولين الاقتصاديين، وينقل وقائع توقيع الاتفاقيات والمعارض التجارية، فإنه يُمهّد الطريق لخلق مناخ من الثقة والانفتاح.
كما أن المحتوى الإعلامي متعدد اللغات، خصوصًا في الدول ذات التوجه العالمي مثل ألمانيا أو فرنسا، يسهّل الوصول للمستثمرين الدوليين ويعزز قوة الدولة الناعمة.
لكن الوجه الآخر لهذا الدور لا يقل خطورة. الإعلام غير المهني أو المسيّس قد يُسهم في نسف هذه الشراكات، لا سيما عندما يتحول إلى منصة لبث الشائعات أو تأجيج الصراعات التاريخية أو السياسية. على سبيل المثال، تأثرت العلاقات بين تركيا واليونان بفعل التغطيات الإعلامية العدائية التي رافقت التوترات في شرق البحر المتوسط حول حقوق التنقيب عن الغاز. الخطاب الإعلامي المتشدد من كلا الطرفين زاد من تعقيد المفاوضات، وأثر على العلاقات الاقتصادية، رغم وجود مصالح متبادلة.
وفي مثال آخر، أدى نشر تقارير إعلامية أمريكية تنتقد ممارسات الصين التجارية والحقوقية إلى توتر حاد بين واشنطن وبكين، تبعه فرض قيود تجارية متبادلة، رغم العلاقات الاقتصادية الضخمة بين الطرفين. هذا النوع من التغطية يثير المخاوف ويزعزع ثقة المستثمرين، بل يدفع الدول أحيانًا لاتخاذ قرارات اقتصادية ذات طابع سياسي.
أما في آسيا، فقد شهدت العلاقات بين كوريا الجنوبية واليابان توترًا ملحوظًا نتيجة تغطيات إعلامية متبادلة تُذكّر بمآسي الاستعمار والحروب، ما أثّر على حركة التجارة والسياحة، وأدى إلى حملات مقاطعة اقتصادية من الطرفين.
يظل الإعلام شريكًا في التنمية كما هو شريك محتمل في النزاع. الدول التي تدرك أهمية هذا الدور تسعى لإدارة إعلامها بحكمة، فتبني جسور الثقة بدلًا من إشعال الفتن، وتحمي مصالحها الاستراتيجية بمهنية إعلامية تُدرك أن الكلمة قد تفتح سوقًا، أو تُغلق بابًا.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة