صدر حديثًا كتاب بعنوان "الإمارات بأعين عربية"، حيث أسهمت 16 شخصية من الأشقاء العرب المقيمين في دولة الإمارات والعاملين بها، في كتابة فصوله.
ويطرح الكتاب، الصادر عن دار "كُتَّاب" للنشر وحرَّره كاتبان إماراتيان، سؤالًا طالما تردَّد في الأروقة الثقافية المحلية والعربية، مفاده: كيف تبدو صورة دولة الإمارات في عين العربي الذي قضى مدة طويلة من حياته فيها؟ وكيف تبدو صورة المواطن الإماراتي في مخيلة العربي الذي عمل في مواقع حكومية ومجتمعية مختلفة، وأسهم في بروز نموذج دولة الإمارات التنموي والمعرفي وتطوره؟
لبَّى كلُّ من طُلبت إليه المشاركة في الرد على هذه التساؤلات، وفي كتابة فصول الكتاب، نداءَ مشروع هذا الكتاب الفريد من نوعه، دونما تحفظ، بل شَعَر الجميع بأن الدعوة جاءت في الوقت المناسب؛ إذ إن الإسهام في مشروع هذا الكتاب يُعدُّ فرصة للتعبير عما يجول في خواطرهم من مشاعر تجاه دولة مضيافة ومعطاءة، قدمت حياة آمنة وكريمة لهم ولأسرهم. وكان لسان حال من أسهم في كتابة فصول الكتاب يقول: "جال في خاطري الكثير ممَّا وددت البوح به حيال دولة الإمارات".
جاءت الإجابات عن سؤال "كيف تبدو صورة دولة الإمارات في عين العربي المقيم فيها؟" متنوعة بتنوع الاهتمامات، والاختصاصات، ومدة الإقامة، والتجارب الحياتية الفردية لكلٍّ من كُتاب هذا الكِتاب الوثائقي. وفي العموم حملت الإجابات شهادات قيمة، وحكايات شائقة، وخواطر ملهِمة، وصورًا غير نمطية عن دولة الإمارات في رحلتها من المحلية إلى العالمية؛ فالصور التي تخيلَتها الشخصيات الست عشرة لم تكن واحدة، بل سادها التنوع؛ وغلبت عليها الصور المشرقة والمملوءة بالبهجة.
فدولة الإمارات، وفق شهادة 16 شخصية عربية تابعت مسيرة النهضة الإماراتية عن كثب، وأسهمت في صنعها على امتداد نصف قرن، دولة محفِّزة للإبداع، وحاضنة للمبدعين العرب، ولرجال المال والأعمال العرب، ولملايين المعلمين والمهندسين والأيدي العاملة العربية، الذين اختاروا دولة الإمارات موطنًا ثانيًا لهم، وعدُّوا مُدنها بديلًا لمدنهم، وسكنت عاصمتُها، أبوظبي، قلوبَهم وكأنها عاصمتهم، وتعرَّفوا إلى شعبها الذي وجدوا فيه الهوية العربية، واللغة العربية، والقيم العربية المشتركة.
وقد رحَّبت دولة الإمارات، التي تحتضن نحو 200 جنسية من شتَّى أنحاء العالم، بالأشقاء العرب بحفاوة خاصة؛ ففضَّلتهم على سواهم، ومنحتهم الأولوية على غيرهم، كما فتحت قلبها لهم، ورحبت بهم أجمل ترحيب. وقد كان هذا قبل بروز دولة الإمارات دولةً اتحاديةً مستقلةً؛ إذ استعانت بالكفاءات العربية من مدرسين وأطباء ومهندسين ممَّن كانت لهم بصمات خالدة، وإسهامات راسخة ما زالت عالقة في ذاكرة الرعيل الأول من أبناء دولة الإمارات.
فالدكتورة ريم المتولي جاءت مع أهلها من العراق إلى دولة الإمارات في أواخر ستينيات القرن الماضي، عندما كانت طفلة عمرها خمس سنوات؛ فعاشت طفولتها وشبابها وربيع عمرها بين مدينتَي العين وأبوظبي. وعندما وصلت الطفلة ريم إلى دولة الإمارات كان الأب المؤسس الشيخ زايد -طيب الله ثراه- أول من استقبلها مع أسرتها، ومنذ تلك اللحظة ارتسمت صورته، صورة صقر العرب، في مخيلتها، ولم تفارقها.
أما الدكتورة نجوى بن شتوان، التي قدمت مؤخرًا من ليبيا إلى الإمارات؛ فقد كانت تحمل صورة نمطية عن الدولة سائدة على الإنترنت، تصف الإمارات بأنها وجهة سياحية أبنيتها أبراج خرسانية وزجاجية تناطح السحاب وسط صحراء شاسعة. ولكن مَا وجدته الدكتورة نجوى على أرض الواقع، من منجزات تنموية ومعرفية وحضارية، مختلف كل الاختلاف عن تلك الصورة؛ فقد حصلت على الإقامة الذهبية في دولة الإمارات، وتم تكريمها كونها أديبة وروائية عربية في حفل أدبي وثقافي كبير. وتقول الدكتورة في شهادتها بالكتاب إن صورة دولة الإمارات جميلة، وسمعتها عطرة، ولكنَّ واقعها كما رأته مذهل.
وهكذا تنوعت الإسهامات والإجابات عن سؤال "كيف تبدو صورة دولة الإمارات في عين العربي المقيم فيها؟"، فبعضهم جاء إلى دولة الإمارات هاربًا من حروب أهلية عبثية، أو أزمات معيشية خانقة، أو من احتلال أجنبي لوطنه، كما هي حال أسرة الهوبي الآتية من غزة المنكوبة، وبعضهم الآخر وجد في دولة الإمارات فرصة حياته؛ حيث طوَّر فيها قدراته المهنية والإبداعية. كما حقق بعضهم على أرض دولة الإمارات أغلى أحلامه وأعزها، وغيرهم كتب فيها روايته وبحوثه ومقالاته، وهناك من أصبح من أغنى أغنياء الدولة. وفي الإمارات حوَّل بعضهم إقامته رسائلَ ماجستير وأطروحات دكتوراه عن نموذج دولة الإمارات التنموي والمعرفي، وكان آخرها أطروحة دكتوراه بعنوان "السياسة الخارجية لقوة نشطة: نموذج الإمارات"، التي اعتُمدت في جامعة فرنسية سنة 2024.
ويحمل كتاب "الإمارات بأعين عربية" شهاداتِ وحكاياتِ نخبة عربية أصبحت شاهدةً على عصر إماراتي ذهبي؛ فكل واحد من كُتَّاب هذا الكتاب له وطنه، ولكن الإمارات وطن هؤلاء جميعًا باختيارهم الحر؛ إذ وجدوا سعادتهم فيها، ولم يشعروا يومًا بانعدام الأمان. هم أُناس أحبُّوا الإمارات فأحبتهم.
ولذا يحمل هذا الكتاب قيمة مضافة غير متوافرة في كتب أخرى عن دولة الإمارات؛ كونه يحتوي على ثروة معلوماتية عن الإنسان والمكان والزمان الإماراتِيين، ويوثق لعهد محمدي ذهبي في تاريخ الإمارات. كما يحمل الكتاب في جنباته بُعدًا قوميًّا لما فيه من حديث عن الحضور العربي الضروري في المكون السكاني الإماراتي الذي لا يوازيه حضور؛ فالإمارات جزء لا يتجزأ من أمة عربية واحدة. وإضافةً إلى ما سبق يتمتع الكتاب بقيمة وطنية مضافة؛ لأنه أول كتاب من نوعه يتيح للأشقاء العرب فرصة التعبير عن شكرهم لدولة الإمارات، وتقديرهم لقادتها، واعتزازهم بضيافة أهلها.
ومن المهم ألا يكون كتاب "الإمارات بأعين عربية" الأول والأخير من نوعه؛ فهناك عشرات، بل مئات من الشخصيات العربية التي تقيم على ثرى دولة الإمارات، وفي خاطرها الكثير ممَّا تود قوله، وتتمنى كتابته. وهنا قد يلاحظ بعضهم انتقائية هذا الكتاب، ويطرح سؤالًا يقول: لماذا أعطيت فرصة لهذه الشخصيات دون غيرها؟ ويشكِّل هذا الانتقاد الوجيه دافعًا إلى إنتاج كتب أخرى تطرح سؤالًا هو: كيف تبدو صورة الإمارات في أعين المقيمين على أرضها من مختلف الجنسيات؟ فلكل منهم شهادته وروايته التي تستحق أن تكون مادة لكتاب عن دولة الإمارات التي وفرت للمواطنين والمقيمين، على حد سواء، فرصة تحقيق أحلامهم.
نقلا عن منصة "مفكرو الإمارات"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة