عندما أُطلقت حملة «أخلاقنا أخلاق زايد» على منصة إكس، لم تكن مجرد شعار يتردد في الفضاء الإلكتروني، بل كانت تجسيدًا حيًا لقيم ترسخت في المجتمع الإماراتي.
قيم لم تأتِ من فراغ، ولم تكن مجرد شعارات دعائية، بل هي امتداد طبيعي لنهج المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، الذي لم يبنِ الإمارات فقط على أسس التنمية والاقتصاد، بل أسسها على أخلاقيات راسخة تحولت إلى نمط حياة لكل من يعيش على هذه الأرض.
في وقت تتغير فيه المجتمعات وتتفكك القيم أمام طوفان العولمة والشعبوية، تظل الإمارات نموذجًا استثنائيًا في قدرتها على الحفاظ على أصالتها دون أن تعزل نفسها عن الحداثة. الفارق الجوهري هنا أن هذه الأخلاق ليست مثالية زائفة أو ادعاءً أخلاقيًا للاستهلاك الإعلامي، بل هي واقع يعيشه الإماراتيون والمقيمون على حد سواء، بدافع من التربية والوعي، وليس الإكراه أو التصنع.
لم يكن الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان مجرد مؤسس دولة، بل كان مؤسسًا لمنظومة أخلاقية، زرع فيها قيم التسامح، الكرم، العدل، والتواضع. لم تكن هذه القيم مجرد توصيات تُدرّس في الكتب، بل كانت منهج حياة يراه الناس في كل تصرف من تصرفاته. كان يؤمن أن القيادة ليست تسلطًا ولا أوامر صارمة، بل مسؤولية تتطلب الحكمة والإنصاف، والعناية بالإنسان قبل أي شيء آخر.
منذ البدايات، كانت رؤيته واضحة: «الإنسان هو أساس أي تقدم، وأي بناء للدولة يجب أن يبدأ ببناء الإنسان». من هنا، نشأت بيئة اجتماعية تجعل من القيم الأخلاقية ركيزة أساسية، لا في العلاقات الفردية فحسب، بل في سياسات الدولة وأسلوب الحكم.
اليوم، لا تزال هذه القيم هي البوصلة التي توجه مسيرة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة ـ حفظه الله، ولكنه لم يكتفِ بالمحافظة عليها داخل المجتمع الإماراتي، بل وسّع نطاقها ليشمل كل من يعيش على أرض الإمارات، مؤكدًا أن هذه الأخلاق ليست حكرًا على المواطنين، بل مسؤولية يشترك فيها الجميع، مواطنين ومقيمين.
وهذا يضع أمامنا تساؤلًا جوهريًا: هل يمكن لدولة حديثة، متقدمة، ومنفتحة على العالم، أن تحافظ على هويتها الأخلاقية دون أن تتحول إلى حالة من العزلة الأخلاقية؟ الإمارات أثبتت أن الجواب هو: نعم. قد ينظر البعض إلى الحديث عن القيم والأخلاق وكأنه رومانسية سياسية، أو محاولة لرسم صورة مثالية عن المجتمع، لكن الحقيقة أن هذه القيم ليست رفاهية ولا ترفًا أخلاقيًا، بل أساس لنجاح الدولة واستقرارها.
الإمارات لم تصبح مركزًا عالميًا للاستثمار، ولم تتحول إلى نموذج سياسي واجتماعي يُحتذى به في العالم العربي، لمجرد توفر الثروات أو المشاريع الضخمة، بل لأنها استطاعت أن تحافظ على نسيجها الأخلاقي رغم كل التغيرات، وهو ما جعلها بيئة جاذبة للعيش والعمل، ليس فقط لمواطنيها، بل لملايين المقيمين الذين وجدوا في الإمارات نموذجًا للتعايش الحقيقي، حيث يتم التعامل مع الإنسان وفقًا لقيم الاحترام والعدل، لا وفقًا لجنسه أو دينه أو عرقه.
لا يمكن الحديث عن القيم الإماراتية وكأنها مسؤولية الدولة وحدها، بل هي مسؤولية كل فرد يعيش في هذه البلاد المباركة. حين يقول الشيخ محمد بن زايد آل نهيان إن كل من يعيش على أرض الإمارات هو جزء من نسيجها الاجتماعي، فهذا لا يعني فقط أن الدولة توفر لهم الفرص والحقوق، بل يعني أن عليهم مسؤولية في الحفاظ على هذه القيم، والمساهمة في استمرارها.
المقيم الذي يحترم القوانين، ويعامل الناس بأخلاق، هو جزء من هذه المنظومة. المواطن الذي يقدم صورة مشرقة عن مجتمعه، ويعامل الآخرين بتواضع واحترام، هو امتداد لهذا النهج. إن القيم لا تُفرض بسلطة القانون فقط، بل تنتشر بقوة المثال الحي والقدوة الحسنة.
«أخلاقنا أخلاق زايد» ليست مجرد حملة رقمية، بل هي تذكير جماعي بأن ما يميز الإمارات ليس ناطحات السحاب، ولا البنية التحتية الحديثة، بل الروح الأخلاقية التي زرعها الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان في أبنائه، وامتدت لتشمل كل من يعيش على هذه الأرض.
إن أعظم ما يمكن أن نأخذه من هذه الحملة هو فهم أن الحفاظ على الأخلاق ليس ترفًا، بل ضرورة للبقاء والاستمرار. في عالم يتغير بسرعة، تظل الأخلاق هي الدرع الحقيقي لأي مجتمع يريد أن يظل قويًا، متماسكًا، ومؤثرًا في محيطه. الإمارات ليست مجرد دولة ناجحة اقتصاديًا، بل هي نموذج لأخلاق يمكن أن تصمد أمام التغيرات، بل وتكون مصدر إلهام لغيرها.
فهل نعي جميعًا هذه الرسالة، ونجعلها واقعًا نعيشه يوميًا؟ هذا هو التحدي الحقيقي.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة