لم يكن مفاجئًا أن تستمر بعض الأصوات داخل الحركة الإسلامية في الأردن، وعلى رأسها جماعة الإخوان، في محاولات التشكيك في الدور الأردني ومواقفه الثابتة، خصوصًا فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية وغزة.
هذه الحملة المستمرة تأتي في وقت حساس للغاية، حيث يسعى الأردن إلى تعزيز دوره في المنطقة كحليف رئيسي لفلسطين، وكداعم رئيسي للحقوق الفلسطينية.
فقد أثار نائب عن الحركة الإسلامية مؤخرًا مطالبة مثيرة للجدل بإغلاق "سجن" قال إنه موجود في مبنى المخابرات العامة. هذه المطالبة، التي يبدو أنها تفتقر إلى أي أساس أو دليل، سرعان ما وجدت ردود فعل مستنكرة من مختلف الأوساط، خاصة في ظل الاستغراب الواسع من توقيتها وطبيعتها.
في هذا السياق، تأتي الاتهامات المتجددة ضد المخابرات، بشأن اعتقال المتعاطفين مع غزة أو غيرهم، لتضيف بُعدًا جديدًا لحملات التشويه. هذا الادعاء، الذي لا يستند إلى أي حقائق، يهدف إلى زرع الشكوك في نفوس المواطنين، وتوجيه سهام الاتهام إلى المؤسسة الأمنية التي لطالما كانت جزءًا أساسيًا من استقرار الأردن وأمنه، والتي تُعد من المؤسسات التي تحظى بثقة واسعة في المجتمع، نظرًا لدورها الحيوي في الحفاظ على أمن واستقرار البلاد في ظل الأحداث الإقليمية المتقلبة.
والأغرب من ذلك هو أن هذه الاتهامات تأتي في وقت يتصاعد فيه دعم الأردن الرسمي والشعبي لفلسطين وغزة.
فمنذ بداية العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة، كان الموقف الأردني واضحًا وثابتًا في دعم الحقوق الفلسطينية ورفض الاعتداءات الإسرائيلية.
وقد شهدت المملكة -ولا تزال- العديد من الفعاليات الشعبية والرسمية التي عبّرت عن تضامنها الكامل مع الشعب الفلسطيني في محنته، بينما كانت الحكومة الأردنية تواصل مساعيها في المنابر الدولية للضغط من أجل وقف العدوان ورفع الحصار، ورفض أي مخطط لتهجير أهل غزة إلى أي بقعة جغرافية خارج حدود قطاع غزة.
من الواضح أن الحملة الموجهة ضد المخابرات العامة ليست إلا جزءًا من سلسلة من المحاولات المستمرة من قبل بعض الجهات، ومنها جماعة الإخوان، لتشويه سمعة المؤسسات الأمنية الأردنية. لكن في ظل هذه الحملة المغرضة، لا بد من التأكيد على أن الأردن والمخابرات العامة لن يسمحا لهذه الافتراءات بأن تؤثر على مواقفهما الثابتة في دعم فلسطين ودعم الشعب الفلسطيني في معركته ضد الاحتلال.
لا يمكننا أن نغفل عن الجذور التاريخية لهذه الحملات، حيث كانت مطالبات جماعة الإخوان في بداية ما يُعرف بالربيع العربي تتركز على إلغاء جهاز المخابرات العامة. وقد جرى تقديم هذا الطلب على أنه جزء من "ركيزة الإصلاح السياسي في الأردن"، وهو موقف لم يتغير بشكل جوهري رغم مرور أكثر من عقد من الزمن على تلك المطالبات.
ولا شك أن هذه التصريحات تساهم في نشر الشائعات والاتهامات التي تضر بشكل غير مباشر بالاستقرار الوطني، وتضعف الثقة بين المواطنين والمؤسسات الرسمية.
وعلى المستوى الإعلامي، عكست المقالات التي تابعتها منذ أيام، والتي نُشرت في المواقع الإخبارية، والمنشورات والتعليقات الهائلة التي عجّت بها منصات التواصل الاجتماعي، دعمًا كبيرًا ورفعًا للقبعات احترامًا لجهاز المخابرات العامة من جهة، ونقمةً وسخطًا ونقدًا لمن أطلق هذه المزاعم من جهة أخرى. فقد كانت ردود الفعل حازمة، وعكست تعليقات الأردنيين وعيًا وطنيًا ومسؤولية تجاه المؤسسات الأمنية، مشيدين بالدور الحاسم الذي تلعبه المخابرات العامة في حفظ الأمن والاستقرار، وهو أمر يعكس ثقة كبيرة في المؤسسات الوطنية.
ختامًا، يبدو أن هذه المطالبة، التي تفتقر إلى الأساس الموضوعي، تأتي في إطار استهداف ممنهج لجهاز المخابرات العامة، في محاولة لتحفيز الرأي العام ضد هذه المؤسسة التي تمثل أحد أركان استقرار الدولة الأردنية.
وإن كانت الحركة الإسلامية تسعى إلى طرح قضايا سياسية محورية في البلاد، فإن الاستمرار في حملات التشكيك في مؤسسات الدولة الأمنية لا يعكس رغبة حقيقية في الإصلاح، بل قد يكون محاولة لإضعاف هذه المؤسسات الحيوية في مرحلة دقيقة من تاريخ الأردن السياسي.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة