الآراء هنا إذا متفاوتة بشدة بين قدرة خفض أسعار الفائدة على حفز الاقتصاد والتشاؤم بأن الأوضاع ربما لن تسمح لهذا التحفيز.
في اجتماعه الأخير ألمح مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي (بنك الولايات المتحدة المركزي) إلى أنه على استعداد لاتباع سياسة تيسير كمي، وذلك بالبدء في خفض أسعار الفائدة ربما من شهر يوليو/ تموز المقبل، وذكر أنه مستعد لمكافحة المخاطر الاقتصادية العالمية والمحلية المتنامية، مع أخذه في الاعتبار تنامي التوترات التجارية وبواعث القلق من تضخم ضعيف. وتعمل سياسة التيسير الكمي عبر خفض أسعار الفائدة والعودة لشراء سندات الخزانة من السوق لتوفير المزيد من السيولة والائتمان للقطاعات الإنتاجية للتغلب على التباطؤ الاقتصادي الآخذ في التصاعد. حتى وإن خفف مسؤولو الاحتياطي الفيدرالي من مدى الخفض المحتمل في أسعار الفائدة يوم الثلاثاء الماضي، إلا أن الاتجاه العام يظل نحو خفض هذه الأسعار. والواقع أن خفض أسعار الفائدة وبحكم ما تحتله الولايات المتحدة من أهمية على مستوى النظام المالي العالمي له آثاره الواسعة التي لا تتعلق بالولايات المتحدة وحدها، بل تنعكس على معظم الأسواق والبلدان.
الآراء هنا إذا متفاوتة بشدة بين قدرة خفض أسعار الفائدة على حفز الاقتصاد والتشاؤم بأن الأوضاع ربما لن تسمح لهذا التحفيز بلعب دور إذا ما حدثت صدمة شديدة، خاصة خلال العام المقبل.
فخفض أسعار الفائدة من المنتظر أن يؤدي إلى تحفيز النمو مع تخفيض كلفة الافتراض سواء كان ذلك في جانب الإنتاج أو الاستهلاك، وهو أمر مهم مع تباطؤ الاقتصاد الأمريكي خلال الربع الحالي من العام إثر تصاعد الحرب التجارية مع الصين، والتهديد بأن تشمل قريبا كافة السلع الداخلة في التجارة بين البلدين. وبالتالي فقوة التحفيز ستعتمد إلى حد ما على مدى النجاح في أن يفوق هذا التحفيز في مداه ما تشكله حرب التجارة من تهديدات. وفي هذا الشأن توجد وجهات نظر متشائمة بشدة، ففي مقال للاقتصادي الأمريكي نوريل روبيني بعنوان "تنامي مخاطر الركود والأزمة في 2020" نشر يوم 14 يونيو/حزيران يشير إلى أنه في ظل ظروف تصاعد حرب التجارة ربما تؤدي صدمة شديدة بالقدر الكافي إلى ركود عالمي خلال العام القادم، ويؤكد أن ذلك سيحدث حتى لو كانت ردود أفعال البنوك المركزية حول العالم سريعة. ويعقد مقارنة في هذا الصدد بين فترة الأزمة المالية العالمية خلال 2007-2009 حيث استجاب مجلس الاحتياطي الفيدرالي وغيره من البنوك المركزية بقوة للصدمات التي أشعلت شرارة الأزمة المالية العالمية، لكنها مع هذا لم تتمكن من تجنب "الركود العظيم"، بينما يبدأ اليوم مجلس الاحتياطي الفيدرالي من سعر فائدة مرجعي يتراوح بين 2.25% و2.5% مقارنة بنحو 5.25% في سبتمبر/ أيلول 2007، أي كان مدى التخفيض الممكن أعلى في الأزمة السابقة. كما أنه بالإضافة إلى ذلك نجد أن البنوك المركزية في أوروبا واليابان أصبحت بالفعل عند منطقة سعر الفائدة السلبي، وسوف تواجه قيودا فيما يتصل بمدى الانخفاض الإضافي الممكن إلى ما دون حد الصفر. وفي ظل سجلات للميزانية العمومية للبنوك المركزية متضخمة بالفعل بسبب عدة جولات متعاقبة من التيسير الكمي، فستواجه البنوك المركزية قيودا مماثلة إذا كان لها أن تعود لشراء الأصول المالية على نطاق واسع.
ويشير "روبيني" إلى أنه على الجانب المالي تعاني أغلب الاقتصادات المتقدمة اليوم من عجز أعلى وديون عامة أكبر، مقارنة بما كانت عليه في فترة ما قبل الأزمة المالية العالمية 2007-2009 مما يترك حيزا ضئيلا للإنفاق التحفيزي.
الآراء هنا إذا متفاوتة بشدة بين قدرة خفض أسعار الفائدة على حفز الاقتصاد والتشاؤم بأن الأوضاع ربما لن تسمح لهذا التحفيز بلعب دور إذا ما حدثت صدمة شديدة، خاصة خلال العام المقبل.
الأثر الثاني المهم لخفض أسعار الفائدة هو الأثر على أسواق المال حتى ولو في الأمد القصير. إذ من المعروف أن هناك علاقة عكسية تربط ما بين سعر الفائدة وأسعار الأسهم (فيما عدا أسهم القطاع المصرفي بالطبع). إذ مع انخفاض سعر الفائدة تنخفض تكلفة اقتراض الشركات مما يسمح لها بالمزيد من الاستثمار وتحقيق أرباح أعلى، مما يؤدي إلى زيادة الطلب على أسهم الشركات وارتفاع أسعارها، بينما تتقلص فرص الربحية في القطاع المصرفي مع خفض أسعار الفائدة.
الأثر الثالث يتعلق بالطلب على الذهب، حيث إن الظروف الراهنة من تصاعد مشكلات دولية خاصة في منطقة الخليج العربي إلى جانب احتمالات انخفاض أسعار الفائدة أدت إلى ارتفاع أسعار الذهب إلى أعلى مستوى لها منذ ستة أعوام. حيث يزيد الإقبال عليه في أوقات الأزمات كملاذ آمن.
الأثر الرابع يتمثل في الطلب على النفط والسلع الأولية، ونحن هنا بين عدة اتجاهات، فهناك الاتجاه الجيوستراتيجي متمثلا مؤخرا في الهجمات التي تعرضت لها ناقلات نفطية في الخليج العربي، وتصاعد أجواء الحرب مما يدفع أسعار النفط للارتفاع. وهناك من جهة أخرى حرب التجارة التي تدفع نحو التشاؤم بانخفاض الطلب مما يدفع نحو انخفاض الأسعار. أضف إلى ذلك ما يحدثه خفض سعر الفائدة من انخفاض في سعر صرف الدولار إزاء بقية العملات لانخفاض العائد عليه، وهو ما يؤدي إلى ارتفاع سعر برميل النفط (الذي يقوم بالدولار) محسوبا على أساس أسعار صرف البلدان الأخرى، خاصة المتقدمة منها، وهو ما يؤدي إلى انخفاض الطلب نسبيا على النفط، وغيره من السلع الأولية.
والأثر الخامس ربما يتحقق في شكل انخفاض الضغوط بشكل نسبي على بلدان الاقتصادات الناشئة التي تعاني من مشكلات في جذب النقد الأجنبي، وتعاني من تدهور في أسعار صرف عملاتها. إذ إن خفض سعر الفائدة في الولايات المتحدة وانخفاض سعر صرف الدولار يؤديان إلى زيادة نسبية في جاذبية هذه البلدان، ويحول على الأقل ولو لفترة من الوقت دون احتمالات خروج كبير للنقد الأجنبي من هذه البلدان. هذا بالطبع إذا لم تحدث في هذه البلدان تطورات محلية تؤدي إلى هروب رؤوس الأموال.
ويتعلق الأثر السادس والأخير بالبلدان التي تُثبت سعر صرف عملاتها إزاء الدولار، ويشمل ذلك أغلب البلدان العربية في منطقة الخليج العربي. إذ من أجل الحفاظ على ثبات سعر صرف العملات ستقدم السلطات النقدية في هذه البلدان على اتخاذ قرار بخفض سعر الفائدة فيها بعد إعلان مجلس الاحتياطي الفيدرالي خفض سعر الفائدة في الولايات المتحدة. وهنا ربما يتيح خفض أسعار الفائدة توفير فرص أعلى للنمو استنادا إلى التحفيز الذي يمنحه خفض الفائدة من تخفيض لكلفة الاقتراض، أي احتمالات أعلى لنمو الناتج في هذه البلدان، خاصة في القطاعات غير النفطية.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة