روسيا وإن كانت على خلاف مع السياسة الأمريكية إلا أنها ليست مع التسلح الإيراني خاصة بعد ازدياد العمليات الإيرانية ضد المصالح العالمية.
لم تغب الأزمة السورية عن أي طاولة مباحثات أو مناسبة دولية من القمم العربية إلى اللقاءات الثنائية الإقليمية والمجالس والمؤتمرات العالمية كمجلس الأمن ومؤتمرات الأمم المتحدة ومباحثات سوتشي. اليوم تبدو الأمور مختلفة نوعا ما حين يطل الموضوع السوري كملف رئيسي على طاولة بحث ثلاث كيانات فاعلة على الساحة السورية سواء السياسية منها أم الميدانية بلقاء جمع في القدس المحتلة المسؤولين الأمنيين الأمريكي "جون بولتون" والروسي "نيكولاي باتروشيف" والإسرائيلي "مئير بن شبات" .
نستطيع القول بأنّ ضجر السوريين من مليشيات إيران وما تتعرض له طهران من ضغط دولي عاملان مهمان قد يشكلان فرصة تاريخية لروسيا من أجل تثبيت قدمها إلى أجل غير مسمى في سوريا وحفظ مصالحها والظفر بمقبولية داخل المنظومة الدولية بشكل أكبر وهذا ما ستعمل عليه إيجابا تل أبيب
يكمن وجه الاختلاف في أنّ الاجتماع استثنى فاعلين آخرين على الأرض مثل تركيا وإيران من حيث الجلوس على طاولة تقرير مصير مستقبل هذا البلد بعيدا عن مشاركة أبنائه، ولكن في الوقت ذاته لا يمكن أن يكون لغياب هاتين الدولتين الأثر الكبير خاصة إن كانتا موضع اتفاق بين الأقطاب الثلاثة لناحية استبعاد نفوذهما والتسليم بدور روسي أحادي لصالح نقطة واحدة فحسب وهي أمن إسرائيل وهذا ما أكده المسؤول الروسي.
الثمن الذي سيقدم لروسيا ليس قليلا من أجل المضي باتفاق يضمن أمن إسرائيل ويبعد إيران وحزب الله عن حدودها، فموسكو بحاجة إلى فرصة للخروج من الضغوطات الاقتصادية المفروضة عليها والتغاضي عن ضمها لشبه جزيرة القرم ولكن إلى أي مدى موسكو قادرة على التضحية بشريكها الإيراني على الأرض؟
في الواقع لا مؤشرات على أنّ الروس قادرين على التفرد بالساحة السورية من دون تدخل إيران وإن كان لهم النفوذ العسكري الأوسع من حيث العتاد ولكن ثمة نقطتان يمكن التعويل عليها قد يساعدان الدب الروسي للوصول إلى ذلك.
الأولى ردة الفعل الداخلية للشارع من التدخلات الإيرانية التي بدأت تضغط السوريين وعلى وجه التحديد المؤيدون منهم الحكومة إلى درجة ارتفاع صوت هؤلاء وتفضيلهم بقاء روسيا حليفا وحيدا على حساب إخراج إيران ومليشياتها من بلدهم وهذا ما وصل صداه للمسؤولين السوريين والروس كذلك.
النقطة الثانية ما تتعرض له إيران من ضغوطات أمريكية وتخلي أصدقائها الأوربيين عنها في لحظة كادت أن تقود إلى مواجهة عسكرية مع الولايات المتحدة في الأسابيع الأخيرة لدفعها نحو اتفاق نووي بأسس جديدة، وهذا يشكل ثقلا كبيرا على كاهل طهران المنهكة اقتصاديا لذلك سيكون تركيزها منصبا على فتح نافذة تستطيع من خلالها تقليل الخسائر الاقتصادية المتتالية وضبط إيقاع الشارع الإيراني المنتفض على ساسته المهتمين بلعب أدوار خارج حدود إيران على حساب لقمة عيشهم ما أوصل مؤشر الفقر في هذا البلد النفطي حدود الخمسين في المئة.
روسيا وإن كانت على خلاف مع السياسة الأمريكية فإنها ليست مع التسلح الإيراني واتساع نفوذ إيران خاصة بعد ازدياد العمليات الإيرانية ضد المصالح العالمية في مياه الخليج ومضيق هرمز وما يحمل في طياته من إمكانية توحيد الرؤى الثلاث في رؤية واحدة بالإضافة إلى التأكيد على جدية الخطر المحدق ما دفع الولايات المتحدة وروسيا وإسرائيل لعقد هذا الاجتماع الأول من نوعه بشكل علني من أجل التنسيق فيما بين هذه الأطراف والوصول إلى تفاهم يضمن أمن إسرائيل في الدرجة الأولى والأخيرة، وما عدا ذلك تفاصيل صغيرة لا تهم المجتمعين وإلا لما كانت سوريا ساحة لتصفية الحسابات بين هذه الأطراف وغيرها.
نستطيع القول بأنّ ضجر السوريين من مليشيات إيران وما تتعرض له طهران من ضغط دولي عاملان مهمان قد يشكلان فرصة تاريخية لروسيا من أجل تثبيت قدمها إلى أجل غير مسمى في سوريا وحفظ مصالحها والظفر بمقبولية داخل المنظومة الدولية بشكل أكبر وهذا ما ستعمل عليه إيجابا تل أبيب لما لها من نفوذ كبير داخل الولايات المتحدة، بحيث تصل إلى مبتغاها من دون الدخول في مواجهة عسكرية مع حزب الله أو إيران على حدود كيانها الشمالية.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة