شعبية حزب العدالة والتنمية هي الآن، وحسب الأرقام التي لا تكذب، في الحضيض.
شرعية بقاء الأنظمة السياسية في عصرنا هي حيوية الاقتصاد؛ فهذه الحيوية هي اليوم التي قد تسقط الدول وقد تبقيها. الرئيس رجب طيب أردوغان تسلم أولاً رئاسة بلدية إسطنبول، وقال مقولته الشهيرة: "من يحكم إسطنبول يحكم تركيا"، ثم رئاسة وزراء تركيا، ثم حول النظام فيما بعد إلى نظام رئاسي، يتربع هو على كرسي الرئاسة فيه. وكان رئيس الوزراء الأسبق (تركت أوزال) هو من أعاد هيكلة الاقتصاد عندما تسلم رئاسة الوزراء مبكراً عام 1983، وأعاد له خلال 17 سنة قوته وقدراته على الإنتاج إلى أن تم اغتياله في ظروف غامضة.
شعبية حزب العدالة والتنمية هي الآن، وحسب الأرقام التي لا تكذب، في الحضيض، كما أن حزبه معرض لانقسامات وتفكك، بالشكل الذي يجعل أوضاعه السياسية أسوأ، وشعبيته بالتالي أشد انحدارًا.
أردوغان في حقيقة الأمر قطف فقط ما بذره وأسسه تركت أوزال، غير أن الناخب التركي تحسنت أوضاعه المعيشية في عهد أردوغان، والعامة لا يهتمون بمن أسس وغرس قدر اهتمامهم بمن قطفوا الثمار في عصره، فكانت شعبية أردوغان لهذا السبب جارفة، وظن كثيرون أن قوة تركيا الاقتصادية ستستمر، والرفاه الاقتصادي سيُكلل مستقبل الإنسان التركي إلى الأبد. إلا أن أردوغان، سيطرت على ذهنيته ورؤاه النزعات التاريخية ومجد بني عثمان التليد، فبدأ يطرح نفسه كزعيم إمبراطوري، مثله مثل سلاطين بني عثمان، واقتنع -خاصة بعد انتصاره على الانقلابيين مؤخرًا- أنه الفارس الذي لا يُشق له غبار، ولا يجود به الزمن إلا لُماما. غير أن عصور الإمبراطوريات مضت وانتهت ولن تعود، ولا يمكن لكائن من كان أن يعيد عقارب الساعة إلى الوراء، لكنه أصر على أن يُعيدها إلى عصور بني عثمان، وصار يتصرف، ويتعامل، ويقدم نفسه على أنه سلطان من سلاطين بني عثمان، ودخل في صراعات واستقطابات بل وعنتريات فارغة ليس لها في عصرنا الحاضر ما يبررها.
أدت هذه الصراعات والمماحكات والاستقطابات إلى أنه دخل في عواصف من التجاذبات السياسية وكذلك العسكرية، أثرت تأثيرًا عميقًا ومرضياً على الاقتصاد الذي كان له بمثابة الشرعية الوجودية، وبدأ الانكماش الاقتصادي، وبدأت العملة المحلية في الانهيار، ومعدلات التضخم بالارتفاع، ومع ذلك لم يكترث، ولم يهتم، وتجاهلها، بل دخل في مغامرات غير محسوبة مخاطرها، كلفت تركيا نموها الاقتصادي، واستمر يصر على توجهاته وأحلامه الوردية، حتى جاءت الانتخابات البلدية الأخيرة، فخسر جميع مدن الحواضر التركية وأهمها إسطنبول، فكابر مرة أخرى و(ضغط) لإعادة انتخابات إسطنبول، لأن الفارق بين مرشحه ومرشح خصومه كان ضئيلا، فظن أنه قد يكسب إذا أعيدت ثانية، لكن الإعادة كانت وبالاً عليه، فاكتسح مرشح المعارضة الانتخابات اكتساحًا جارفًا بكل المقاييس.
شعبية حزب العدالة والتنمية هي الآن، وحسب الأرقام التي لا تكذب، في الحضيض، كما أن حزبه معرض لانقسامات وتفكك، بالشكل الذي يجعل أوضاعه السياسية أسوأ، وشعبيته بالتالي أشد انحدارًا.
تقول الأخبار الواردة من إسطنبول إن مرشح المعارضة أكرم إمام أوغلو كان قد فاز كما هو معروف في الانتخابات التي تم إلغاؤها، لكنه استلم منصبه لمدة 17 يوماً قبل صدور قرار الإلغاء وإعادة الانتخابات. أكرم أوغلو خلال الأيام القليلة التي تسلم فيها مسؤولياته صُعق عندما وجد أن ميزانية البلدية تتكون من شقين شق تذهب إيراداته إلى البلدية وقدره 40%، أما الشق الثاني وقدره 60% فإنه موزع وبطرق ملتوية بين 28 شركة خاصة يملكها أنصار أردوغان، ولا يستفيد منها أهل أسطنبول. وهذا هو السبب الذي جعل أردوغان يستميت لإعادة الانتخابات، لأن ذهابها إلى المعارضة، يعني أنها ستفتح عليه وعلى حزبه (الإسلامي) أبواب جهنم. لذلك فأنا على ثقة أن هذه (الفضيحة) الموثقة ستطيح به وبحزبه، الأمر الذي يجعل الأيام القليلة القادمة ستشهد ليس نهاية أردوغان فحسب، وإنما نهاية الإسلام المتأسلم في تركيا، الذي اتخذ منه هذا (السياسي) وسيلة للإثراء غير المشروع، وتحقيق طموحاته الإمبراطورية، التي هوت مساء يوم الأحد الماضي، وأدخلته إلى نفق مظلم قد يودي به إلى السجن كما يتوقع كثيرون.
إلى اللقاء
نقلاً عن "الجزيرة السعودية"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة