إدراج حكومة المحافظين البريطانية حزب الله في قائمة الإرهاب كان محاطاً بظروف سياسية داخلية عجّلت من اتخاذ القرار.
تنوعت ردود الفعل عن مدى جدوى إدراج المملكة المتحدة، الجناح السياسي لحزب الله اللبناني في قائمة الإرهاب، ومنهم من ربطه باستجداء حسن نصر الله في خطابه يوم الثامن من مارس بوصفه أنه "في قلب معركة اقتصادية"، وقبل القفز واستعجال النتائج وجب تحليل مسببات القرار البريطاني، وآثاره ومقاربة الوضع الاقتصادي لحزب الله حالياً وعلاقته بالعقوبات الإيرانية وبدائل التمويل الإيراني.
صحيح أن حزب الله متضرر، ولكن ليس بالقدر الكافي، ولن يلبث حتى يتكيف مع الوضع الجديد بتحويل شبكاته إلى مناطق أخرى كالاتحاد الأوروبي. ويجب التأكيد هنا على مدى صواب المسار الذي سلكته بريطانيا، ولكن يجب أن يتم توسعة سبل المكافحة لكيلا تقتصر على الأساليب التقليدية فقط
وعلى الرغم من أن إعلان المملكة المتحدة إدراج حزب الله كمنظمة إرهابية جاء متأخراً كثيراً، ولكن أن تصل متأخراً خيرٌ من ألا تصل أبداً.
إن التفريق في التعامل مع الجناح السياسي والجناح العسكري لحزب الله في بعض الدول ما هو إلا نوع من الضحك على الذقون، وهو أحد الأسباب التي مكنت هذا الحزب من نشر شبكات تمويل ودعاية ووصوله إلى ما وصل إليه اليوم من اختطاف للقرار اللبناني وتشكيله دولة داخل دولة. كما أن سلوك الحزب وعملياته الإرهابية ليسا حديثي العهد ليتم إدراجه مؤخراً على قائمة الإرهاب البريطانية، فهو أحد أشرس المنظمات دموية منذ نشأته في مطلع الثمانينيات وأكثرها فتكاً، وأحد أوائل المنظمات التي تبنت فكرة الهجمات الانتحارية، كما أن شرها لم يقتصر على المصالح الغربية، حيث امتدت هجماتها على دول الخليج وأشهرها اختطاف طائرة الجابرية الكويتية من قبل عماد مغنية.
إن إدراج حكومة المحافظين البريطانية لحزب الله في قائمة الإرهاب كان محاطاً بظروف سياسية داخلية عجلت من اتخاذ القرار، وهو تصاعد خطاب معاداة السامية في المملكة المتحدة. وتم إقرار ذلك على الرغم من تحفظات رئيس حزب العمال البريطاني جيرمي كوربين، الأمر الذي حدا بالأخير إلى اتهام مناوئيه بأن الإدراج كان سببه طموح سياسي وليس مبنيا على أدلة دامغة، مُغفلاً تصريحاته في عام 2016 التي وصف بها حزب الله وحماس بأنهم "أصدقاء" ومتغافلاً عن الدور التخريبي الذي يمارسه حزب الله في المنطقة.
هذا الإجراء لا تقتصر أهميته على منع رفع أعلام الحزب الإرهابي في شوارع لندن والحكم على منتسبيه بالسجن عشر سنوات، بل هو ضغط اقتصادي وسياسي على حزب الله أولاً وحلفائه في الحكومة اللبنانية ثانياً، حيث تعي الآن الأطراف اللبنانية بأن التحالف مع حزب الله له ثمن. ومن بين الإجراءات العقابية ضد الحزب في بريطانيا هي أنه تم تعطيل شبكات التمويل وجمع التبرعات في المملكة المتحدة وهي إحدى الروافد المهمة لاقتصاد الحزب التي يحتاجها في الفترة الحالية.
ولننظر عن كثب إلى الوضع الاقتصادي الحالي لحزب الله لنتبين الموقع الحقيقي للحزب في قلب الحرب الاقتصادية. يعتبر التمويل الإيراني هو الشريان الأساسي في تمويل أنشطة الحزب خصوصاً ما يتعلق بالخدمات الاجتماعية كالمستشفيات والتعليم في مناطق نفوذه، ودفع رواتب مقاتليه والتكاليف الإدارية الأخرى. ولكن ضيقت العقوبات الأمريكية على الميزانية الإيرانية وامتد هذا الأثر بدوره إلى حزب الله، صحيح أن الوريد الإيراني لم يقطع ولكنه ينزف بغزارة، وهذا جعل حزب الله يركز في تمويله على شبكات التمويل الخارجي التي تلقت أولى الضربات من بريطانيا ولكنها ليست بالضربة القاصمة.
وهناك أيضاً تكاليف كبرى للحزب منها الحرب في سوريا، والقوة الناعمة التي يمارسها الحزب، وهو ما يشكل ضغطاً على الميزانية التشغيلية للدعم الاجتماعي التي يقدمها لاتباعه على حساب الميزانية العسكرية. ولذلك خرج حسن نصر الله بمثل هذا التصريح ليضمن توحد جبهته الداخلية في الفترة المقبلة، كما أن استهداف إسرائيل أو دخول حرب معها أمر مكلفٌ أيضاً، فهذه المرة لن تلتفت دول الخليج لإعادة إعمار لبنان في ظل حكومة يسيطر عليها الحزب الإرهابي، فالأمر مختلفٌ عن عام 2006 في ظل تراجع شعبيته في الوطن العربي.
صحيح أن حزب الله متضررٌ، ولكن ليس بالقدر الكافي، ولن يلبث حتى يتكيف مع الوضع الجديد بتحويل شبكاته إلى مناطق أخرى كالاتحاد الأوروبي، ويجب التأكيد هنا على مدى صواب المسار الذي سلكته بريطانيا، ولكن يجب أن يتم توسعة سبل المكافحة؛ لكيلا تقتصر على الأساليب التقليدية فقط بل أيضاً الأساليب الإبداعية، ويجب على دول الاتحاد الأوروبي ألا تتردد وتسلك ذات مسلك الولايات المتحدة وبريطانيا، فالتكامل في السياسات الخارجية ضروري لإسقاط المنظمات الإرهابية مهما كانت قوتها، ولنا في التحالف الدولي لمحاربة داعش خير مثال.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة