في عالم السياسة لا يمكن الوصول إلى حلول متفق عليها إذا كانت محركات الأزمة أبعد من فكرة التوافق السياسي ومسار المصالح.
هناك مؤشرات قوية على أن الآثار الفعلية للأزمة الخليجية لم تظهر في أي من العواصم الأربع التي تقاطع قطر كنتيجة لسلوكها غير المقبول خليجيا، ولكنها ظهرت بوضوح في الدوحة التي يحاول فيها النظام بكل قوة أن يمارس أساليب مختلفة لاختراق مضامين الأزمة الخليجية ومؤشراتها الحقيقية.
لا تستوجب الأزمة التفكير من جانب الدوحة للبحث عن مسارات التحايل السياسي والأبواب الخلفية، فكل ما طُلب هو الموافقة للجلوس على طاولة الحوار ليستمع الجميع إلى بعضهم، وما زالت الدول الخليجية -ووفقا لتصريحات مسؤوليها- تكرر أنها مستعدة وبشكل كبير ومباشر للجلوس إلى طاولة الحوار
الأزمة الخليجية والتي تسببت بها قطر ليست وليدة منتصف العام 2017، ولكنها تسبق ذلك العام بكثير، وتحديداً عندما اتخذ النظام القطري موقفا سلبيا تجاه جيرانه وبدأ في اعتناق مشروع وفلسفة سياسية وإعلامية هدفها النيل من أقرب جيرانه الدول الخليجية.
هناك نقمة غائرة في النفوس تبناها النظام الذي جاء على خلفية انقلاب عقوقي استبدلت فيه قطر مسارها في المنظومة الخليجية، ووقفت في الجانب المظلم حيث تعهدت بالهجوم والتدخل في شؤون جيرانها ومن ثم العالم العربي، ووصل تدخلها إلى بقع كثيرة في العالم.
لكل الذين يعتقدون أن الأزمة الخليجية أزمة سياسية يمكن الجلوس لحلها وفق قاعدة المصالح الدولية والمشتركات وتقارب الحلول عبر مسار دبلوماسي يمكنه إخراج المختلفين الى بر التوافق. ولكن الأزمة الخليجية ليست كذلك، فلدى الحمدين تحديدا القدرة على الإجابة عن هذه النظرية، فالموقف القطري تغلّفه أزمة نفسية عاشها الحمدين لفترة طويلة؛ لأن الأزمة تنبع من منطلقات شخصية وصراعات ذاتية يتحول مسارها عن السياسة وتتحول إلى منافسة غير مقبولة.
الحقيقة الأهم في الأزمة الخليجية تتمثل في أن دول المقاطعة لم تتحدث يوما بسوء عن الشعب القطري الصديق والأخ لكل دول الخليج، لأن هذا الشعب يتقاطع مع كل دول الخليج ثقافيا ومجتمعيا وتراثيا وتاريخيا.. إلخ من التقاطعات المتينة في المنظومة والنسق الاجتماعي الذي تتشكل منه هذه الدول.
في عالم السياسة لا يمكن الوصول إلى حلول متفق عليها إذا كانت محركات الأزمة أبعد من فكرة التوافق السياسي ومسار المصالح. ومن المعروف في السياسة أنه إذا تدخلت الأهواء للشخصيات السياسية التي تمارس الحكم في تشكيل مواقف الدول ومصالحها تحولت تلك الدول من كونها كيانا سياسيا على شكل دولة إلى كيان سياسي على شكل فرد أو نظام يتحكم في تلك الدولة. وهذه الحقيقة تنطبق على النظام في الدوحة مع كل أسف.
التصالح الخليجي، وفي الأزمة مع قطر، لن يقبل التحايل لتحقيق نتائج متسللة، والسبب في ذلك أن معايير الخلاف وأسبابه مفهومة للجميع ومنشورة في إطار سياسي ودبلوماسي يمكن الوصول إليه وفهمه، كما أن الدول الملتزمة بالمقاطعة تلتزم سياسيا وأخلاقيا لبعضها البعض ضد أي محاولات تفقد المسار الصحيح لمناقشة الأزمة.
ولا تستوجب الأزمة التفكير من جانب الدوحة للبحث عن مسارات التحايل السياسي والأبواب الخلفية، فكل ما طُلب هو الموافقة للجلوس على طاولة الحوار ليستمع الجميع إلى بعضهم، وما زالت الدول الخليجية -ووفقا لتصريحات مسؤوليها- تكرر أنها مستعدة وبشكل كبير ومباشر للجلوس إلى طاولة الحوار؛ لأن أي استخدام لوسائل التحايل السياسي سوف يضاعف من الأزمة وليس العكس.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة